الغارديان: إجماع على ارتكاب إسرائيل لـ"إبادة جماعية" والعالم لا يتحرك

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالة للكتابة نسرين مالك، بعنوان: "لقد برز إجماع على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. أين التحرك؟"، قالت فيه: "قد يبدو من غير المجدي أن نرى الدول الداعمة تستمر في دعم إسرائيل، لكن الشهادة مهمة للحسابات المستقبلية"، مشيرةً إلى أنه في ظل تواتر التقارير الحقوقية عن الإبادة الجماعية، وعدم اكتراث العالم بها، فإنه من الضروري الاستمرار على الأقل بـ"توثيق ما يحدث في غزة".

افتتح المقال، بالقول: "إن الإجماع يتزايد"، حول توصف ما يحدث في قطاع غزة بـ"الإبادة الجماعية"، مشيرًا إلى تحقيق منظمة العفو الدولية الذي خلص إلى أن "إسرائيل ارتكبت وما زالت ترتكب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل". وبعد بضعة أيام، صرح المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان أنه بعد البحث والتحليل، خلص إلى أن "هناك حجة قانونية سليمة مفادها أن إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة".

أوضحت نسرين مالك في مقالها: "مع استمرار القتل، فإن ما يمنعه من أن يكون جريمة مثالية هو أن الناس يظلون في مكان الحادث، ويطلقون عليه اسم القتل بصوت عالٍ"

وتابع المقال، بعد أيام قليلة من ذلك، أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش إن "السلطات الإسرائيلية مسؤولة عن جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الإبادة وأعمال الإبادة الجماعية"، وذكرت منظمة أطباء بلا حدود أن "فرقها الطبية في شمال غزة ترى علامات واضحة على التطهير العرقي". وفي وقت سابق من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن تصرفات إسرائيل في غزة ترقى إلى "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية"، ويبدو أنها "تتفق أيضًا مع تعريف التطهير العرقي".

وبعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، في تشرين الثاني/نوفمبر، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أنهت كل هذه الأحكام الأخيرة العام بتصنيف حاسم للهجوم على غزة بـ"اعتباره انتهاكًا للقانون الدولي". وانضمت إلى لجنة الحقوقيين الدولية والأمم المتحدة في إدانة حرب إسرائيل. والآن أصبحت البلاد ورئيسها، وفقًا للمحاكم ومنظمات حقوق الإنسان التي تشكل السلطات القانونية والأخلاقية في العالم، خارجين على القانون.

وقالت نسرين مالك كاتبة عمود في صحيفة الغارديان: "لكن الأحكام واللغة القوية والتدابير المقترحة تتردد في فراغ: لا يوجد إنفاذ. تواصل الولايات المتحدة الدفاع عن إسرائيل ضد الإجماع العالمي الناشئ وتسليحها. يستخدم مؤيدون آخرون لغة الثغرات والألغاز التي اعتدناها منذ بداية الحرب". مشيرة إلى أن لندن علقت جزءًا صغيرًا من صادراتها من الأسلحة، لكنها تصر على أنها تظل "حليفًا قويًا" لتل أبيب، وستظل تتعاون مع نتنياهو، ولكنها ستبقى تمتثل بطريقة ما لالتزاماتها القانونية. 

وبسخرية، قالت: "توصلت فرنسا إلى قراءة قانونية مثيرة للإعجاب، حيث ذكرت أن نتنياهو يتمتع في الواقع بالحصانة؛ لأن إسرائيل لم تكن من الدول الموقعة على المحكمة الجنائية الدولية (وهي قراءة من شأنها أن تمد الحصانة إلى فلاديمير بوتين وعمر البشير)".

واستمرت في القول: "في الوقت ذاته، تتزايد الأدلة على أن غزة لا تتعرض لهجوم ينتهك القانون وحقوق الإنسان فحسب، بل لهجوم تاريخي". ووفقًا لمنظمة " إيروورز" التي تراقب الخسائر المدنية: "وفقًا لكل مقياس تقريبًا، فإن الضرر الذي لحق بالمدنيين منذ الشهر الأول من الحملة الإسرائيلية في غزة لا يقارن بأي حملة جوية في القرن الحادي والعشرين". وتستكمل وجهة النظر المستمدة من عدة أشهر من جهود البحث باعترافات وشهادات أفراد عسكريين إسرائيليين. ونشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية روايات من جنود الجيش الإسرائيلي الذين خدموا في غزة، تفيد بأن المدنيين، حتى الأطفال، يعاملون كمقاتلين. ووصفت نظام القتل التعسفي، بل وحتى التنافسي، بأنه "الغرب المتوحش مع المنشطات".

وتابعت كاتبة المقال نسرين مالك: "لا تقتصر هذه الأوصاف على رصد الأساليب القانونية والعسكرية للاشتباك فحسب، بل إنها تفصّل القتل والتجويع والتشويه والتعذيب والصدمات النفسية التي من المستحيل فهمها".

وأضافت: "تكشف هذه التحقيقات عن أشكال الألم التي يمكن أن تلحق بالسكان المدنيين. أجساد صغيرة مكسورة، وأطفال متعفنون، وجثث مسطّحة، ومقابر جماعية، وأحياء مدمرة، وحزن شديد على الضحايا. إنه مشهد مذبحة. كل ذلك يتكشف أمام أعين الجميع، ويبثه وينشره مواطنون وصحفيون فلسطينيون، ويشهده الغرباء، ويصفه الإسرائيليون أنفسهم".

وأوضحت مالك: "على الرغم من الأدلة الساحقة التي نراها أمامنا، فإن شيئًا لم يتغير. فالحرب مستمرة. والأشياء التي بدت وكأنها اختراقات، مثل أول جلسة استماع أمام محكمة العدل الدولية، تبدو الآن وكأنها تمارين على الملاحظة. ومن المحبط للغاية، بل وحتى المحزن، أن نبدأ في الشعور بأن الجهات الفاعلة، بغض النظر عن الحدود الإجرامية التي تنتهكها، لن يتم إيقافها أو تقديمها للعدالة".

وواصلت مقالها، بالقول: "لكن الفشل لا يكمن في وصف ما يحدث في غزة. بل إن الفشل، كما كتبت لينا منذر ، يكمن في ’البنية التحتية الفاسدة للعالم الذي يفترض أن تعمل هذه اللغة في إطاره". وأضافت: "الخطر الآن هو أن يموت الفلسطينيون مرتين، مرة في واقع مادي، وثانية في واقع أخلاقي حيث يعمل الأقوياء على تقليص المعايير ذاتها التي تشكل العالم كما نعرفه. ومن خلال رفضهم حتى قبول تسميات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ناهيك عن التصرف بناءً عليها، يفرض حلفاء إسرائيل على العالم تكيفًا يصبح من المقبول بعده ببساطة أن الحقوق لا تمنحها الإنسانية، بل الأطراف التي تقرر من هو الإنسان".

وتابعت: "هذا هو السبب وراء ضرورة استمرار الغضب، حتى ولو اقتصر على تدوين الملاحظات وكتابة التقارير. فمهما كانت الألعاب البهلوانية الدلالية التي تُؤدَّى على المنصات في مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، فإن هذه التقارير توثق حقيقة مفادها أن جريمة ما تحدث. وربما تكون حقوق سكان غزة قد تبخرت على الأرض، ولكن من الممكن صونها في السجلات العامة. ومتى انتهت الحرب، فإن هذه الروايات سوف تمنع، أو على الأقل تعرض للخطر، محاولات إعادة كتابة التاريخ وإنكار الفظائع".

وأوضحت نسرين مالك في مقالها: "مع استمرار القتل، فإن ما يمنعه من أن يكون جريمة مثالية هو أن الناس يظلون في مكان الحادث، ويطلقون عليه اسم القتل بصوت عالٍ، ويشيرون إلى الجاني، ويذكرون أسماء القتلى، ويحزنون عليهم، ويقيمون وقفات احتجاجية، ويدافعون بشراسة عن حقوقهم في التعويض. وعندما يحين الوقت، يصبح الفلسطينيون مدينين بدين ضخم من التعويضات. ولا بد من الاحتفاظ بسجل لما تعرضوا له".

وختم مقال نسرين مالك، باقتباس من الشاعر الفلسطيني الراحل رفعت العرعير، "إذا كان لا بد لي من الموت، فليكن مصدرًا للأمل، وليكن حكاية". موضحةً: "يتمثل الأمل أيضًا في عدم السماح للموت بأن يمر كحقيقة فحسب. وإذا كان لا بد لهم من الموت، فليكن ذلك جريمة".