رام الله الإخباري
في ليلة الإثنين 15 كانون الأول/ يناير الحالي، تواردت الأخبار المتتابعة عن الاشتباه بأحدهم بجريمة طعن نفذها بحق ابنته، أمام سكن الطالبات التابع للجامعة الأميركية في جنين، نقلت الشابة على إثرها إلى مستشفى الرازي في المدينة بحالة وصفت بالحرجة، وبعد أن تم إنقاذ حياتها، نقلت إلى مستشفى "هعيمك" في العفولة، أما الأب المشتبه به فقد اعتقل فورًا ليخضع للتحقيق المكثف.
كثرت التساؤلات والادعاءات المختلفة، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالسيناريوهات الغريبة حينًا والمتضاربة أحيانًا كثيرة أخرى، موقع 48 الاخباري قرر الذهاب إلى المستشفى ومحاورة الشابة ومن معها لمعرفة ما حصل في تلك الليلة المشؤومة.
رقدت الشابة في سرير المستشفى وقد أخرجت من قسم العناية المشددة، شاحبة ومشوّهة الملامح، يعتلي وجهها الكثير من اَثار الضرب المائلة للزرقة. بدأت حديثها بكثير من الخوف: "موجوعة". ثم تابعت قائلة إنه "أفكر بما أوصلني إلى هنا، بحياتي السابقة وحالتي الاَن" كانت تنظر بألم وتتحدث بحذر.وتابعت "أدرس في الجامعة موضوع التمريض في سنتي الثانية، وهذه الفترة تصادف فترة الامتحانات وقد حرمت منها لأمكث هنا لفترة لا أعرف مدتها".
ماذا حصل في تلك الليلة؟ سألتها المراسلة التي تعمل لدى الوكالة الاخبارية 48 ... نظرت الشابة بخوف ثم قالت بحذر شديد: " كان أبي يريد إعادتي للبيت لكثير من الأسباب، كثرت الأقاويل ولكنهم ظلموني كثيرًا فالأسباب محفوظة لدي ولا أريد الحديث أكثر".
أما أمها، التي حرمت من أولادها مدة 16 عامًا، والتي تسكن في مدينة سخنين التي تبعد عن قرية أولادها مدة ساعة سفر بالسيارة، فقالت لـ"عرب 48" بأسى وحزن شديدين: "لو قتلوا بنتي شو كان فادتني المشاكل والناس؟".
وتابعت "ابنتي تتلقى معاملة سيئة من قبل زوجة أبيها، قادتها في كثير من الأحيان للهرب من البيت إليّ، وكانت اَخرها قبل شهر من اليوم، عندما حاول أباها وزوجته منع ابنتي من استكمال تعليمها الجامعي، وقد حبسوها لمدة أسبوعين في البيت إلى أن استطاعت الهرب إليّ، وليلة الجريمة حاولوا تكرار الأمر، فقد كانوا يريدون إرغامها على التوقف عن دراستها".
أعادت المراسلة الصحفية طرح السؤال على الأم هذه المرة وبصورة مباشرة. ماذا حصل في ليلة الجريمة؟ أجابت، بعد أن أخذت نفسًا عميقًا، "الحقيقة أن زوجة أبيها كانت على علاقة وطيدة مع إحدى زميلاتها في الدراسة، وكانت تنقل لها أخبارًا خاطئة عن ابنتي وتحرّض عليها، لتصل الأخبار لوالدها فيستشيط غضبًا، ويقرر على إثرها إيقاف ابنته عن التعليم. وفي ليلة الجريمة استدرجتها زميلتها لمكان سكنها الذي يبعد عن سكن الطالبات، حيث تقيم ابنتي، وفي تلك الأثناء كان والدها في طريقه إلى جنين وقد انقطع اتصاله مع ابنتي بسبب تعطل الهاتف، ما زاد من غضبه، وعند ملاقاتها حصلت مشادة بينهما والبقيّة أنتم أعلم بها".
وأضافت: "اليوم ابنتي كما ترين خائفة من كل شيء، من العالم والحياة والأشخاص، هذا أمر طبيعي، ولكن ألمها النفسي أقسى من ألمها الجسدي العظيم"، وعندها طلبت الشابة معانقة والدتها وبكت بحرقة بالغة، وقالت "أريد البقاء عند أمي".
وذكرت أمها، بحزن شديد، "حتى ابني مورس عليه ضغط كبير وغسيل دماغ قوي. ففي المرة الوحيدة التي زارها حيث كانت لا تزال ترقد في قسم العناية المشددة، طالبها بالتنازل عن قضيتها أمام الشرطة والمحكمة لإنقاذ والده من براثن السجن، تفاجأت به ولكنني أفهم ما يتعرض له".
وبالحديث عن وضع الفتاة الصحي، قالت "كثرت الأقاويل حول أماكن الطعنات، كانت 4 طعنات تلقت واحدة منها في الظهر، وهي أول طعنة، تلتها اثنتان في البطن وواحدة في الصدر، وقد أجريت لها عملية خطيرة جدًا في مستشفى الرازي، ثم نقلت هنا لاستكمال علاجها، اليوم بحمد الله خرجت من قسم العناية المشددة وهي بتحسن كبير وسريع، ولكنها تعاني من أوجاع مختلفة في كل أنحاء جسدها ولا تستطيع الحركة أبدًا أما وضعها النفسي فهو بحاجة لعناية فائقة، سأشرف عليها بالتعاون مع المستشارة الاجتماعية والنفسية".
وحول الوضع القانوني والتطورات القانونية، قالت الأم إنه "مبدئيًا لا يستطيع أي فرد من طرف الأب معاملتها من قريب أو من بعيد، وسيتوفر لها حماية أمنية مشددة في المستشفى وخارجها، والآن نتابع الإجراءات لنقل الوصاية عليها إلي، وذلك لأنها لا تستطيع العيش في بيت أبيها بعد اليوم".
تناقل الناس الأحاديث الكثيرة وتساءل البعض عن الأسباب التي قد تدفع الأب لمحاولة قتل ابنته. تعددت الأقاويل فيما يتعلق بدوافع الجريمة وكثرت السيناريوهات المختلفة على مواقع التواصل، ولكن فردا اَخر من العائلة، تحدث لـلوكالة الاخبارية 48 ، كان له كلام اَخر ينسف به جميع تلك السيناريوهات، وهو الابن الأكبر للعائلة وشقيق الضحية الأكبر.
بدأ حديثه بالقول: "ليست ما يسمى بـ‘جريمة شرف‘. لا تمت الجريمة لهذه الأسباب بصلة، بل هي تراكمات نتيجة استغلال ‘أمها‘ لها، وتراكمات الوضع الأسري وعلاقة اختي بـ‘أمها‘ بالإضافة لاعتزام أبي أن يوقف أختي عن التعليم بسبب علاماتها المتدنية وفشلها بأكثر من مادة، لتستكمل دراستها في كلية ثانية أقل كلفة بدلًا عن الجامعة المكلفة، إلا أن هذا لم يرق لأختي وأمها الأمر الذي تسبب للشجار في لحظتها".
وحول موقفه من جريمة فيها الضحية أخته والجاني والده، قال: "هو (الأب) أخطأ خطأً كبيرًا ولا أقبل الجريمة فنحن لسنا بصدد شرعنتها، بل أن أختي أكبر همي في هذه القضية كلها، ولكنكم سألتم عن معاملته فالحق يقال، حتى هو إلى الآن مصدوم من فعلته".
وتابع قائلًا إنه "في ليلة الحادثة اتصلت أمي (زوجة الأب) بي وأخبرتني عما حدث، كنت خلالها في السكن الجامعي فأنا أدرس في نفس الجامعة، عندها هرعت إلى المستشفى حيث نقلوها. كنت خائفًا جدًا عليها. وتتالت الرسائل على هاتفي تفيد بأنها قد توفيت، إلى أن وصلت إلى المستشفى واكتشفت بأنها على قيد الحياة وتنفست الصعداء. طلبت رؤيتها ولكن الأطباء منعوني بحجة الوضع القانوني، فأنا اعتبر من طرف الأب ولا يمكنني الاقتراب منها، ليأخذوني بعدها لأخضع للتحقيق المكثف في مقر المخابرات الفلسطينية في جنين، الذي استمر منذ الساعة السادسة وحتى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل".
وقال بتأثر إنه "حتى اليوم لا أستطيع استيعاب ما حل بنا، فأنا أفكر بأختي ليل نهار، وكلام الناس مؤلم إلا أنني اجتزته. وأبي وأمي (زوجة الأب) معتقلين، ولا أفهم إلى الاَن ما علاقة زوجة أبي. لماذا لا زالوا يعتقلونها والتمديد إلى يوم الأربعاء"؛ وبسؤاله عن صحة ما ورد عن اشتراك زوجة الأب بالجريمة قال: "رأيت الكاميرات التابعة لسكن الطالبات حيث وقعت الحادثة. هذا الكلام غير صحيح أبدًا وكل ما قيل زور، ويوم الأربعاء سيصدر القرار الذي يثبت كلامي".
وختم أن "حياتنا تدمرت إلا أنني مؤمن أن كل شيء سيعود لسابق عهده، ولكنني اليوم مشوّش أفكر بأكثر من زاوية، ولا أحد يستطيع التأثير علي إلا أنني فعلًا مشوّش، وعندما أتذكر ما حصل لأختي أختنق"، قالها بكثير من الألم والتأثر.
ومن ناحية أخرى، تحدث موقع "عرب 48" مع قريب العائلة، الذي شدد على كثير من النقاط التي تخص موقف العائلة من الجريمة. قال إنه "تناقل الناس على غير دراية الكثير من الأقاويل التي مسّت العائلة وسمعتها بل وصورونا كأننا وحوش. أولا، نحن كعائلة نرفض ونستهجن الجريمة، قلبًا وقالبًا ولا نرضى بمثل هذه الجرائم، ونحن نعرف بين الناس بسمعتنا الطيبة، ولكن ألسنة الناس لا ترحم وهذا فعلًا ظلم وقع علينا".
وأضاف: "ثانيًا، راح معظم الناس وأولهم الإعلام الرسمي للأسف، بتصوير الحادثة بما يسمى بـ‘جريمة شرف‘، دون الاستدلال على ما يثبت هذه الادعاءات. وهذا حال مجتمعنا للأسف عندما يقع الجرم على الأنثى يصورها بهذه الطريقة المهينة، ما يمكن أن يمس بالفتاة نفسها، وهنا قاموا مرة أخرى بظلم آخر بحقها. الجريمة وقعت لأسباب عائلية محضة".
يذكر أن الوالد المشتبه وزوجته يخضعان للتحقيق حتى هذه اللحظة، وقد مددت المحكمة البت في الحكم حتى يوم الأحد القادم للأب، فيما مددت لزوجته حتى يوم غد الأربعاء، وفرضت الشرطة الإسرائيلية، مساء الثلاثاء 16 كانون الثاني/ يناير الجاري، بقرار من محكمة الصلح في مدينة بيتح تكفا، أمر حظر نشر في ملف الاشتباه بمحاولة القتل في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة.
عرب 48