رام الله الإخباري
بالرغم من طول المدة الزمنية التي مرت على بدء الدول العربية في العمل بمشاريع تجميع السيارات إلا أنها ـ حتى اليوم ـ لم تستطع الانتقال إلى التصنيع، وإخراج سيارة عربية للسوق التجاري، وأصبحت منطقة الشرق الأوسط من المناطق المحتملة للاستثمار في مجال التجميع، وليس التصنيع؛ لكونها من أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم.
وعلى عكس ذلك اكتملت تجارب لدول غير عربية بدأت من التجميع وأصبحت اليوم من أبرز مصنعي السيارات في العالم، وفي مقدمة هذه الدول «إيران وتركيا»، واللتان اعتمدتا على شراء خطوط الإنتاج العالمية، وإعادة تصنيع السيارات بجميع مكوناتها محليًا، وليس الاعتماد على استيراد القطع الأساسية من المصنع لتجميعها محليًا.
ولكن تظل التجارب العربية لتجميع السيارات في العالم العربي هي البذرة التي من الممكن أن تنمو لتنتج لنا أول سيارة عربية بنسبة 100%، وهناك العديد من الدول، من المتوقع أن تنجح في دخول مجال تصنيع السيارات خلال السنين القادمة، وسنستعرض أبرزها في هذا التقرير.
المغرب: قفزات متتالية ومستقبل واعد
أصبحت المغرب اليوم المتصدرة في مجال صناعة السيارات، بين بقية الدول العربية؛ فمنذ عام 2011 تحتل المرتبة الأولى على مستوى شمال إفريقيا، على حساب مصر، وسبقت صادرات السيارات صادرات «الفوسفات»، التي ظلت لسنوات تستحوذ على النسبة الأكبر للتجارة المغربية. وحققت المغرب، بعد تدشين مصنع شركة «بيجو» لصناعة السيارات في عام 2015، قفزة نوعية سوف تمكنها من رفع عدد السيارات المصنعة والمصدرة إلى الخارج من 400 ألف سيارة، إلى 800 ألف بحلول عام 2020، وسيعمل المصنع على توفير فرص عمل لنحو 1500 مهندس، بالإضافة إلى 4500 منصب عمل مباشر، و20 ألف منصب عمل غير مباشر.
وإلى جانب مصنع «بيجو» فهناك مصنعان بالفعل تملكهما شركة «رينو» الفرنسية في المغرب، أحدهما في «طنجة» وهو الأكبر في شمال إفريقيا، وينتج سيارات، ومعدات مرتبطة بها للتصدير، والثاني مصنع أقدم منه؛ لتجميع السيارات في «الدار البيضاء».
وفي أبريل (نيسان) 2016 أبرمت «رينو» اتفاقًا مع الحكومة المغربية؛ لضخ استثمارات قدرها عشرة مليارات درهم (1.04 مليار دولار) لإنشاء مصانع سيارات صديقة للبيئة، وستعتمد في تصنيعها لهذه السيارات على مكونات محلية المصدر بنسبة 65%، بدلًا من 32% حاليًا، وستحقق من وراء تلك الخطوة أرباحًا تبلغ 20 مليار درهم. ويعتبر مدير شركة رينو لمنطقة «إفريقيا والشرق الأوسط والهند» أن هذه الصفقة ستفتح فصلًا جديدًا من العلاقة المربحة لشركة رينو مع المغرب، مشيدًا بالديناميكية التي تجدها شركته هناك، بالإضافة لمستوى الجودة والثقة.
ومن وجهة نظر المحلل الاقتصادي المغربي «محمد الشرقي»، فإن نقاط قوة الاقتصاد المغربي في مجال صناعة السيارات، تتمثل في القرب الجغرافي مع أوروبا، وامتلاك أكبر ميناء في جنوب البحر الأبيض المتوسط، والكفاءة البشرية، بالإضافة إلى التنويع في القوانين والتشريعات، واتفاقات الشراكة مع «الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة».
وتعود صناعة السيارات في المغرب إلى عام 1959، بعد إنشاء الشركة المغربية لصناعة السيارات «صوماكا»، وتمكنت الشركة، بمساعدة تقنية إيطالية؛ من خلال شركتي «فيات» و«سيمكا» اللتين كانتا تمتلكان 40% من الأسهم، من إنتاج أربعة «طُرُز» من ماركة «فيات»، وطرازين من ماركة «سيمكا»، وما زالت «صوماكا» تعمل حتى اليوم، وتمتلك شركة «رينو» 80% من أسهمها، والــ 20% المتبقية تمتلكها شركة «سيتروين».
مصر: من الخمسينات إلى اليوم حلم التصنيع ما زال قائمًا
الرئيس جمال عبد الناصر في مصنع شركة النصر للسيارات
بدأت صناعة السيارات في مصر منذ خمسينات القرن الماضي، عبر شركة «النصر للسيارات»، التي تأسست ضمن مشروع القيادة المصرية المسمى «من الإبرة إلى الصاروخ»؛ وكانت الحكومة المصرية قد أسستها لتجميع السيارات في البداية، ومن ثم صناعة أول سيارة مصرية خالصة، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن.
وأنشئت شركة النصر لصناعة السيارات، وفقًا للقرار الوزاري الصادر في عام 1957، والذي نص على «تشكيل لجنة تضم وزارة الحربية ووزارة الصناعة؛ لإنشاء صناعة سيارات اللوري والأتوبيسات في مصر»، وتمت دعوة شركات عالمية؛ لإتمام المهمة، وبالفعل أسند هذا المشروع إلى شركة «كلوكنر، وهمبولدت، ودوتيز» الألمانية، والمعروفة حاليًا باسم «دويتز آ. جي»، وتمكنت «نصر» من تجميع سيارات «فيات» في مصر ، وأنتجت العديد من الطرز المجمعة محليًا، وصل عددها إلى 19 طرازًا مختلفًا.
ومع تحول الاقتصاد المصري إلى السوق الحرة، والاعتماد على القطاع الخاص لبناء الصناعة الحديثة؛ فقد تولت الحكومة، خلال تلك الفترة، التحول من نظام الحماية الكاملة، إلى سياسية الخصخصة، عبر الاعتماد على الشركات الخاصة، وتشجيع الاستثمار، ومنح حوافز للمستثمرين؛ لدفع وتنمية الاقتصاد المصري، والصناعة المحلية.
ومن هذا المنطلق شجعت الحكومة المصرية إنشاء مصانع خاصة؛ لإنتاج وتجميع السيارات، وبدأت عدة شركات عالمية بإنشاء مصانع لها في مصر، وقدمت عدة موديلات حديثة تلبي احتياجات المستهلك، مقارنة بما كانت تقدمه «نصر» من موديلات أوقف إنتاجها في مصانع «فيات» الإيطالية منذ سنوات؛ إذ ظهرت سيارات لماركات شهيرة مثل «سوزوكي» و«هيونداي» و«بيجو»، بالإضافة إلى «أوبل» التابعة لمصنع «جنرال موتورز» العامل في مصر منذ نهاية السبعينيات، وفى ظل هذا التنوع الكبير والمنافسة الشرسة، تدنت مبيعات «نصر» بشدة، مما أدى إلى زيادة الديون المتراكمة عليها، واللجوء إلى تصفية الشركة.
ومنذ ذلك الحين بدأت صناعة السيارات، بقيادة القطاع الخاص، في التجميع المحلي، عبر استيراد مكونات السيارات، وبلغت نسبة المكونات المحلية 45%، وتمتعت المصانع بتخفيض بلغ 30% على جمارك المكونات المستوردة.
ومن أبرز مصانع تجميع السيارات التي تعمل في مصر حاليًا: مصنع «دايو اسبرانزا/ أبو الفتوح» والذي ينتج السيارة الكورية «دايو» والصينية «اسبرانزا»، ومصنع «جنرال موتورز» والذي ينتج أكثر من طراز من سيارات «شيفروليه»، مثل «أفيو» و«أوبترا»، وأيضًا مصنع «مجموعة غبور جي بي أوتو» والذي ينتج سيارات الركوب الكورية «هيونداي»، ومصنع «نيسان مصر» والذي ينتج سيارة «نيسان صني».
وتهدف الحكومة المصرية حاليًا من خلال مشروع «تصنيع سيارة مصرية»، والذي يشرف عليه «المجلس القومي للإنتاج» إلى التحول من التجميع إلى التصنيع، وكان الدكتور «عادل جزارين»، المشرف على المشروع، قد أكد أن هناك العديد من العوامل التي تحتم على مصر الاستعداد للدخول في مرحلة التصنيع الحقيقي.
وفي مقدمة هذه العوامل، وجود 12 خط إنتاج لتجميع السيارات مهدد بالإغلاق والتوقف، مع انتهاء فترة الحماية الجمركية، بعد 7 سنوات فقط؛ لأن سعر السيارة المجمعة في مصر مرتفع بنسبة 30% عن سعر المستوردة، وبالتالي، فلضمان استمرار العمل بتلك المصانع، يجب التحول إلى التصنيع الحقيقي وزيادة الإنتاج.
تونس: «واليس كار» تنجح في دخول السوق الفرنسي
في عام 2008 قدمت شركة «واليس كار» التونسية في معرض باريس للسيارات سيارتها الأولى، وأطلقت عليها اسم «إيزيس»، واستلهمت شكلها من سيارة الجيب «ويلز» التابعة للجيش الأمريكي، وتعد هذه السيارة الوحيدة المصممة، والمصنعة، في تونس. وقامت الشركة بعقد شراكة مع شركة «بيجو سيتروين» الفرنسية؛ لتوفير التجهيزات «الميكانيكية» الأساسية، وكان من المتوقع إنتاج 200 سيارة في عام 2009، ولكن النتيجة كانت مخيبة للآمال بصناعة 15 سيارة؛ بسبب الطاقة الإنتاجية المنخفضة.
وواجهت الشركة العديد من العراقيل، مثل تأخير الحصول على الموافقة من نظرائها في فرنسا، والتي تمثل 90% من زبائنها، وأيضًا تعقيدات السلطات التونسية، والتي استمرت حتى قيام الثورة في 2011، خصوصًا أن مؤسسها «زياد قيقية» كان على خلاف مع نظام الرئيس السابق «زين العابدين بن علي».
وبعد الثورة التونسية عقدت الشركة عقود شراكة مع مزودين تونسيين؛ يقدمون لها بمقتضاها 41% من قطع السيارة، وبدأت المبيعات في النمو، ووصلت إلى إنتاج 100 سيارة في عام 2011 و216 سيارة في عام 2012.
وفي عام 2016 طورت الشركة من مستواها، وأخرجت للعلن سيارتها الجديدة «إيزيس 2»، والتي تأمل من خلالها أن يزيد معدل نمو مبيعات الشركة، وتمتاز السيارة بخفة وزنها وصغر حجمها؛ إذ يبلغ طولها 3.43 متر، وعرضها 1.6 متر، وسرعتها 140 كيلو متر في الساعة، وتصنف كسيارة رياضية بمقعدين، صممت لاجتياز الطرق الوعرة.
السعودية: مدينة لصناعة للسيارات وأكثر من نموذج مبدئي
السيارة «غزال 1»
تعتزم السعودية إنشاء مدينة لصناعة السيارات في محافظة «رابغ»؛ لتكون من أضخم مقرات صناعة المركبات وقطع الغيار، وقال المهندس «عزام شلبي»، رئيس برنامج التجمعات الصناعية، «إن المدينة، في حال إنشائها، ستعمل بطاقة تبلغ إنتاجها ـ مرحليًا ـ 400 ألف سيارة سنويًا، خلال سنوات من بدء عملها، إلى جانب تصنيع قطع غيار وأجزاء السيارات، وإقامة معهد عال لصناعة السيارات.
وتأتي هذه الخطوة؛ بعد أن نجحت السعودية، ممثلة في وزارة التجارة والصناعة، في جذب شركتي سيارات عالمية للدخول في السوق السعودية، وتدشين مصنعيهما خلال عام 2012، وهما شركة «إيسوزو» للشاحنات، وشركة «جاكوار لاند روفر» للسيارات، واللتان شكلتا نقلة نوعية في تاريخ الصناعة السعودية.
وتوجد عدة مشروعات بحثية لإنتاج سيارات سعودية، كانت أولها السيارة «غزال 1» والتي كشف عنها مدير جامعة «الملك سعود»، الدكتور «عبد الله العثمان»، في نهاية ديسمبر 2010، مؤكدًا أن تصنيع النموذج الأول منها، تم بجهود الجامعة الذاتية، وتم عرضها في «معرض جنيف للسيارات» وأثارت إعجاب الحضور.
وخلال عرضه للسيارة، أعرب البروفيسور «سعيد درويش» المشرف على المشروع، عن وجود خطة عمل مسبقة لتسويق السيارة، وأنه ينبغي استثمار 400 مليون يورو؛ لإنتاج 20 ألف وحدة سنويًا، على مدار ثلاث سنوات، ولكن في عام 2014 خرج المتحدث الرسمي لجامعة الملك سعود مؤكدًا أن السيارة «غزال 1» مجرد مشروع بحثي طلابي، وليس من مهام الجامعة تصنيع السيارات.
وفي نفس عام الكشف عن السيارة «غزال» أنتجت مدينة «الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية» سيارة سعودية أخرى، بنسبة تصنيع 100% من فئة «سيدان»، أطلقت عليها اسم «أصيلة»، وعرضتها في جناحها بـ «معرض الرياض للسيارات 2010».
وقام «البرنامج الوطني لتقنية السيارات» بتصميم وتنفيذ السيارة «أصيلة»، والتي تتمتع بعدة مزايا، أبرزها قيمتها الاقتصادية، التي لا تتجاوز 50 ألف ريال، ومحركها الاقتصادي، وتبلغ التكاليف التقديرية لخط إنتاج السيارة في السنة 60 مليون ريال، بمعدل إنتاج من 2000 إلى 5000 سيارة، ولكن، حتى اليوم، لم تنتج السيارة بشكل تجاري.
سوريا: إنتاج السيارة «شام» ما زال مستمرًا مع الحرب
مصنع الشركة السورية الإيرانية لتصنيع السيارات
بالرغم من اشتعال نيران الحرب في سوريا، إلا أن الشركة السورية الإيرانية لتصنيع السيارات استأنفت العمل في مصانعها في يناير 2016، بعد توقف الإنتاج؛ نتيجة نقص تأمين بعض المواد الأولية، وأكد معاون وزير الصناعة، ورئيس مجلس إدارة الشركة، أنه سيطرح طرازًا جديدًا من السيارة السورية «شام»، ومن المقرر أن ينتج منه 100 سيارة كدفعة أولى.
وأدت الأجواء المتردية في سوريا إلى ارتفاع سعر السيارة؛ لتأثره بكلفة الشحن، والذي انتقل من البري إلى البحري، عبر عدة موانئ؛ الأمر الذي أضاف أعباء جديدة تحمل على السعر، بالإضافة إلى تغير سعر صرف «الليرة» السورية؛ مقابل «الدولار» الأمريكي: فعندما كان الدولار بــ 50 ليرة كانت تباع السيارة بــ 650 ألف ليرة، أما اليوم، وبعد ارتفاع الدولار، فقد وصل سعر السيارة إلى 3 ملايين ليرة سورية تقريبًا.
وتعتبر الشركة السورية الإيرانية فرعًا من مجموعة «سايبا» الإيرانية لتصنيع السيارات، والتي تعد من أهم شركات تصنيع السيارات في إيران؛ إذ تقوم بإنتاج أكثر من 500 ألف سيارة سنويًا، وتحتل المرتبة الأولى في السوق الداخلي.
وانطلقت الشركة في سوريا عام 2005، بعد حصولها على موافقة «هيئة الاستثمار العليا»، وأقامت مصنعها بمنطقة «عدرا» بريف دمشق، وبدأ العمل به فعليًا في نهاية عام 2007، بعد إنشاء صالة التجميع، وتبلغ طاقته الإنتاجية 10 آلاف سيارة سنويًا.
ساسة بوست