رام الله الإخباري
اختراق الطائرات الاسرائيلية للأجواء السورية، وقصفها اهدافا عسكرية، او مدنية امر عادي ومألوف، لكن ما هو غير عادي ان يتم التصدي لهذه الطائرات بالصواريخ، واسقاطها من قبل الدفاعات السورية، حسب البيانات الرسمية.
في غمرة انشغالات الصحافة العالمية والعربية ببدء “الهدنة”، وصمودها لما يقرب من الـ24 ساعة، وتذوق السوريين للنوم العميق لاول مرة منذ سنوات، ووصول المساعدات، وتوقف القصف وسفك الدماء، خاصة في منطقة حلب
في ظل تزايد التكهنات حول الخطوة القادمة سياسيا وعسكريا، خرجت علينا القيادة العامة للجيش السوري ببيان اكدت فيه تعرض مواقع عسكرية لعدوان اسرائيلي بريف القنيطرة فتصدت له وسائط الدفاع الجوي، واسقطت طائرة حربية جنوب غرب القنيطرة، وطائرة استطلاع بدون طيار غرب سعسع.
معارضو الحكومة السورية، وما اكثرهم، كانوا يرقصون، او بعضهم، طربا لاي قصف للطائرات الحربية الاسرائيلية في العمق السوري، ويتندرون بتكرار المقولة الرسمية التي تتوعد بالرد في التوقيت والمكان المناسبين في اشارة الى “العجز″ او عدم القدرة والارادة
ومن المؤكد انهم فوجئوا بإطلاق ثلاثة صواريخ من طراز “سام 200″ على الطائرات المغيرة على منطقة القنيطرة واسقاط اثنتين منها.
المتحدثون باسم الجيش الاسرائيلي نفوا ان تكون اي من الطائرات التي استهدفت قواعد مدفعية للجيش السوري في القنيطرة قد جرى اسقاطها، ولم تؤكد اي جهة محايدة هذا النفي، او تقول عكسه، ولكن هؤلاء اعترفوا بإطلاق صواريخ بإتجاه الطائرات المغيرة للمرة الاولى منذ سنوات
وهذا اعتراف مهم، يؤكد ان السماء السورية لن تكون مفتوحة على مصراعيها امام الطائرات الاسرائيلية في المستقبل.
الغارات الاسرائيلية جاءت ردا على اطلاق اربعة صواريخ من نوع “مورتر” على هضبة الجولان السورية المحتلة، ثلاثة منها عصر اليوم الثلاثاء، اي بعد الغارات، وواحد قبلها
الامر الذي زاد من حدة التوتر على الحدود الجنوبية السورية الفلسطينية قرب الجولان المحتل، مما دفع السلطات الاسرائيلية الى اجلاء المئات من السكان في منطقة “يعارا” الى مناطق آمنة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو عن اسباب هذا التصعيد المفاجيء وتوقيته اولا، والانقلاب الحادث في الموقف السوري، اي من الصمت وعدم الرد الى اطلاق صواريخ سام المضادة للطائرات التي غابت عن المشهد لسنوات، ثانيا؟
بالنسبة للشق الاول من السؤال يمكن الاجتهاد والاجابة بالقول ان الاسرائيليين يشعرون بالاستياء والقلق من جراء اتفاق الهدنة الذي توصلت اليه القوتان العظميان، وجاء لمصلحة النظام السوري، واكد اليد الروسية العليا في المنطقة بأسرها، ولذلك حاولت ان تعّكر مياهه
وتتحرش بالنظام في دمشق لاحراجه، مطمئنة الى عدم اقدام جيشه على اي رد، مثلما كان عليه الحال في المرات السابقة.
اما عن اسباب هذا الانقلاب في الموقف السوري والانتقال من الصمت ازاء الاهانات الاسرائيلية الى مرحلة الرد، فهذا يعود الى اتفاق الهدنة نفسه الذي اطلق يده، اي النظام، وزاد من ثقته بنفسه وقدراته العسكرية، مضيفا الى ذلك استناده، اي النظام، الى الحليفين الروسي والايراني وقدراتهما العسكرية الحديثة المتطورة وخاصة صواريخ “اس 400″ الروسية.
قرار التصعيد السوري الايراني في هضبة الجولان اتخذ منذ عامين تقريبا، ورصدت اسرائيل تحركات ايرانية سورية ولـ”حزب الله” في المنطقة، واغتالت طائراتها عميد الاسرى الشهيد سمير القنطار
، مثلما اغتالت ايضا الشهيد جهاد مغنية الى جانب بعض القادة العسكريين الايرانيين الذين كانوا يخططون جميعا لفتح هذه الجبهة، واقامة قواعد عسكرية فيها.
***
لا نستبعد وجود خطة سرية متفق عليها من قبل القوتين العظميين امريكا وروسيا لتصفية مقاتلي جبهة “فتح الشام”، النصرة سابقا، التي تتمركز قواتها بكثافة في الجنوب السوري جنبا الى جنب مع زملائهم في مناطق حلب وادلب وجسر الشغور
وما تبقى من ريف دمشق، فمن اهم بنود اتفاق الهدنة تشكيل قيادة مشتركة روسية امريكية للقيام بهذه المهمة، ولعل القيادة السورية استغلت هذا الاتفاق وبنوده السرية للبدء في هجومها على الجانبين السوري المعارض المسلح، والاسرائيلي الذي يعالج بعض جرحاه في مستشفياته كنوع من الدعم المباشر.
ما يمكن قوله، ان الرئيس السوري اراد توجيه رسالة واضحة لا لبس فيها لاسرائيل، تقول مفرداتها “نحن هنا.. ما زلنا اقوياء.. ولم ننس هضبة الجولان.. والزمن تغير.. ولن نسكت امام غاراتكم في المستقبل، والوقت المناسب للرد قد حان”.
هل نبالغ في هذا الاستنتاج والتحليل؟ ربما يعتقد البعض ذلك، ولكننا على قناعة راسخة بأننا امام مرحلة جديدة مختلفة على الصعد كافة.. والايام بيننا.
مقالة لعبد الباري عطوان