الوجه الحقيقي للغلاء في غزة: تكلفة وجبة شعبية تتجاوز 200 شيكل

رام الله الإخباري

في غزة، لم تعد "صينية البطاطا بالدجاج" وجبة شعبية بسيطة تتوسط موائد العائلات، بل أصبحت مقياسًا جديدًا لحدة الانهيار المعيشي، ومؤشرًا صادمًا على أزمة اقتصادية متفاقمة تعصف بالقطاع منذ أكثر من عام ونصف، وبلغت ذروتها خلال آذا/رمارس 2025، في أعقاب تجدد العدوان الإسرائيلي.

فبينما كان ثمن إعداد هذه الوجبة لا يتجاوز سابقًا 50 شيكلًا، أصبحت اليوم تكلّف أكثر من 200 شيكل، أي نحو 54 دولارًا ، وهو ما يعادل سدس دخل الأسرة الغزية في المتوسط، في ظل واقع يتقاضى فيه غالبية المواطنين دخلًا لا يتجاوز 1200 شيكل شهريًا، في حال كانت هناك فرص عمل.

الغذاء في مرمى الحصار

وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، شهد قطاع غزة خلال شهر آذار فقط ارتفاعًا في الأسعار تجاوز 40%، مدفوعًا بإغلاق المعابر، واستئناف العدوان الإسرائيلي، ومنع إدخال الوقود والمساعدات. هذا التضخم الحاد طاول كل السلع الأساسية، من الدقيق إلى الخضار والخبز والغاز المنزلي.

تكلفة إعداد وجبة "صينية بطاطا بالدجاج" لعائلة من 6 أفراد في غزة:

2 كغم بطاطا: 50 شيكل (25 شيكل/كغم)

دجاجة (1.5 كغم): 61 شيكل (41 شيكل/كغم)

نصف كغم غاز منزلي: 50 شيكل (مع ارتفاع ثمن الأسطوانة إلى 1218 شيكل)

ربطتان خبز كماج: 16 شيكل

ثوم: 15 شيكل

زيت: 10 شيكل

المجموع: 202 شيكل

في المقابل، تبلغ تكلفة الوجبة نفسها في الضفة الغربية حوالي 50 شيكلًا فقط، حيث لا يتجاوز سعر كيلو البطاطا 3 شواكل، وكيلو الدجاج 17 شيكلًا، وربطة الخبز 5 شواكل.

الفارق الصادم: غزة تدفع أكثر بـ400%.

هذا الفارق الهائل - الذي يفوق 400%- لا يعكس مجرد خلل مؤقت في الأسعار، بل يسلط الضوء على انهيار آليات السوق، وتحكم العوامل السياسية والإنسانية في معادلات العرض والطلب.

فخلال شهر واحد فقط، ارتفعت أسعار بعض السلع الحيوية على النحو التالي:

أسطوانة الغاز: من 118 شيكلًا إلى 1218 شيكلًا (+925%)

البطاطا: +345%

الخبز: +232%

الدجاج: +75%

الغذاء يتحول إلى معضلة مالية

في ظل هذه الأرقام، لم يعد الغذاء مجرد حاجة يومية، بل تحوّل إلى قرار مالي معقّد، حيث تضطر الأسر إلى المقارنة بين الأكل، والادخار، والبحث عن بدائل غير متوفرة أو رديئة الجودة. بينما تحذر المؤسسات الدولية، وعلى رأسها برنامج الأغذية العالمي، من خطر الجوع الحاد الذي يهدد آلاف العائلات مع تناقص مخزون الغذاء في القطاع وإغلاق الحدود أمام المساعدات.

أكثر من مجرد غلاء

أزمة الغذاء في غزة لم تعد مجرد أزمة أسعار. إنها انعكاس لفوضى اقتصادية شاملة، وانهيار اجتماعي، وحصار شامل قضى على منطق السوق، حيث لم تعد الأسعار تُحدَّد بالعرض والطلب، بل بالحرب، والحدود المغلقة، وتضييق سبل الحياة.

وهكذا، تحوّلت "صينية البطاطا بالدجاج"، تلك الوجبة التي لطالما جمعت العائلة على مائدة واحدة، إلى مرآة تعكس صراع البقاء اليومي في غزة، وإلى مؤشر غير رسمي للفقر المتزايد، في واقعٍ بات فيه الحصول على ربطة خبز أمنية مؤجلة، وسط عالمٍ تتراجع فيه فرص الحياة، وتتقدم فيه أسعار الموت.

الاقتصادي