مفاوضات وقف حرب غزة: متغيرات تعزز فرص التوصل لصفقة

رام الله الإخباري

عاد الحراك إلى ملف مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة من جديد بعد توقف لأشهر، معززاً بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل ولبنان، وسط آمال من الفلسطينيين بنهاية قريبة للحرب والوصول إلى تفاهم حول تبادل الأسرى. وتقود مصر حالياً الاتصالات الجديدة من أجل الوصول إلى مقترح تقبل به حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي في آن واحد لوقف حرب غزة، وينجح في تخطي الانتكاسات السابقة التي أعاقت الوصول إلى اتفاق، لا سيما أن "حماس" سبق أن قبلت بالمقترح الذي عرضته عليها قطر ومصر في 2 يوليو/تموز الماضي، غير أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أعاق تنفيذه بذرائع عدة.

احتمالات وقف حرب غزة

يبدو المشهد هذه المرة من أجل وقف حرب غزة مختلفاً عن المرات السابقة، في ظل الرغبة الأميركية والغربية في تحقيق وقف إطلاق النار، علاوة على الضغوط الداخلية التي يتعرض لها نتنياهو من أهالي الأسرى ورغبة المؤسسة الأمنية والعسكرية في الوصول إلى اتفاق في غزة على غرار ما جرى في لبنان، والضغوط التي تمارسها الأطراف على الفصائل الفلسطينية بما فيها الضغوط الشعبية نتيجة طول أمد حرب غزة وتزايد المعاناة. ويوجد حالياً في العاصمة المصرية القاهرة وفد من حركة حماس بقيادة خليل الحية، إضافة إلى وفدين من حركتي فتح والجهاد الإسلامي، من أجل بحث مفاوضات وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب على غزة وبحث اليوم التالي من الحرب، إذ تُبلوَر رؤية تكون مقبولة أميركياً وإقليمياً تمهيداً للضغط على الاحتلال للقبول بها. وتبدو حالة التفاؤل حاضرة بشكل أكبر هذه المرة، على الرغم من أنها حذرة مع رغبة الرئيس الأميركي جو بايدن في الوصول إلى اتفاق قبل مغادرته البيت الأبيض، بالتزامن مع رغبة للرئيس المنتخب دونالد ترامب في إنهاء حرب غزة قبل تسلّمه الرئاسة في 20 يناير/كانون الثاني 2025، من أجل رسم ملامح سياسته الخارجية بعيداً عن ضغوط الحرب.

وتزامناً، نشرت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، مقطع فيديو للأسير الإسرائيلي ـ الأميركي الذي يخدم في جيش الاحتلال ألكسندر عيدان، ظهر فيه وهو على قيد الحياة، داعياً إلى إبرام صفقة جديدة، ووجّه رسالة إلى الشارع الإسرائيلي وترامب بسرعة العمل على إبرام صفقة تبادل. وتتمسك "حماس" بشروطها التي حددتها في السابق المتمثلة في وقف حرب غزة والانسحاب من القطاع من دون العودة إليه، وإبرام صفقة تبادل مقبولة وإعادة إعمار غزة، في حين كانت ترفض أي محاولات لإبرام صفقات تبادل جزئية، على اعتبار أنها لا تشمل وقف الحرب أو الانسحاب من أراضي القطاع.

في السياق، قال الباحث في الشأن السياسي محمد الأخرس، لـ"العربي الجديد"، إنه ولأول مرة منذ بداية حرب غزة، فإن هناك فرصة حقيقية لإنهائها، بالنظر إلى مجموعة من المعطيات السياسية والإقليمية ذات الأهمية. وأشار إلى أن الاحتلال فشل في تحقيق أهدافه السياسية داخل القطاع، فلم يتمكن من تمرير أفكاره السياسية المرتبطة باليوم التالي؛ سواء المتعلقة بتوزيع المساعدات أو إيجاد منظومات حكم بديلة من العملاء وقطاع الطرق.

وأشار الأخرس إلى أن العملية الأخيرة في شمال القطاع كشفت للاحتلال الثمن الباهظ الذي قد يدفعه إذا قرر المضي قدماً في هذه الحلول السياسية المتوهمة. إضافة إلى ذلك، تحوّلت قضية الأسرى إلى معضلة استراتيجية، فالاحتلال غير قادر على تجزئة هذا الملف أو معالجته أمنياً، ما يجبره على التعامل معه من منظور سياسي عبر المفاوضات. وبحسب الأخرس، فإن العامل الأميركي يبدو حاضراً، إذ إن إدارة بايدن تسعى لتحقيق إرث سياسي، بينما يستعجل ترامب "الحسم"، ما يعني أن العامل الأميركي حاسم في تحديد مسارات الحرب، كونه شريكاً رئيسياً في إدارتها وشرعنتها، علاوة على وجود قناعة لدى إدارة بايدن بأن حرب غزة انتهت عملياً، وهناك حاجة لمسار سياسي يؤدي إلى تغيير الواقع داخل القطاع.

ووفقاً للأخرس، فإن الأوضاع السياسية داخل دولة الاحتلال بعد اتفاق لبنان أسهمت في إخراج الاحتلال من "سكرة القوة"، مع انهيار فكرة النصر المطلق والمناطق العازلة وغيرها من المقولات المتضخمة التي كان يجرى الحديث عنها، لافتاً إلى أن أصل المشكلة بين نتنياهو والمؤسسة الأمنية حول اتفاق 2 يوليو كان يتمحور حول ادّعاء نتنياهو أن توقف الحرب سيعني استحالة استئنافها لاحقاً، ومع ذلك، استخدم نتنياهو المنطق نفسه لتبرير الاتفاق مع لبنان.

تحولات الرأي العام الإسرائيلي

ولفت الأخرس إلى وجود تحولات في الرأي العام الإسرائيلي، إذ تشير الإحصاءات إلى أن 56% من ناخبي نتنياهو وجمهوره يؤيدون إنهاء حرب غزة مقابل إطلاق سراح الأسرى، وهي نسبة كبيرة تُظهر تحولاً داخل مجتمع اليمين الإسرائيلي. كما أن وزيري المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير أظهرا استعداداً لتغيير مواقفهما عند لحظة الحقيقة، كما حدث في لبنان، خصوصاً مع سعيهما لمعركة مصيرية مرتبطة بإعادة تعريف هوية مؤسسات دولة الاحتلال والسيطرة عليها. من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة ناجي شراب أن هناك متغيرين لا يمكن فصلهما عما يجري في القطاع، وهما الصفقة التي جرت في لبنان، إضافة إلى وصول إدارة ترامب. وأضاف شراب في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن حركة حماس تدرك أن الفريق الذي سيعمل مع ترامب سيكون أكثر انحيازاً لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وهو عامل قد يعزز الوصول إلى صفقة ما في القطاع خلال الفترة المقبلة.

وأبدى شراب اعتقاده أن الموقف التفاوضي خلال الفترة الحالية قد يكون أفضل مما سيكون عليه لاحقاً، لا سيما أن البيئة الحالية مستعدة لإمكانية الوصول إلى صفقة لإنهاء حرب غزة المتواصلة. وأضاف أن حركة حماس تسعى إلى الحفاظ على دورها ووجودها، وبالتالي فإن استمرار الحرب لا يدفع في صالحها، لذلك فإن العودة إلى المفاوضات والوصول إلى صفقة يمكّنانها من أن يكون لها دور في اليوم التالي. أما بالنسبة للاحتلال، وفق شراب، فإن قرار المحكمة الجنائية الدولية القاضي باعتقال نتنياهو ووزير الأمن المقال يوآف غالانت بشأن ارتكاب مجازر حرب هو عامل مهم في دفع العملية التفاوضية والوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار مع حركة حماس، من أجل دفع الدول الأخرى لعدم الالتزام بقرار المحكمة لاحقاً على اعتبار أن الحرب قد انتهت.

العربي الجديد