قال غريغوري برو، المؤرخ بشؤون الطاقة الدولية والخبير في السياسة الخارجية الأمريكية والعلاقات الأمريكية- الإيرانية والمحلل في مجموعة أوراسيا، إن هناك إمكانية أن يقوم المتمردون الحوثيون بعرقلة الاقتصاد العالمي وبطريقة خطيرة.
وفي مقال نشرته مجلة “تايم” قال “بعد شهرين، فالأزمة في الشرق الأوسط صارت مهيأة لعرقلة الاقتصاد العالمي وكذا الاستقرار الإقليمي، والفضل يعود للحوثيين، الجماعة الشيعية في اليمن، وجهودهم الناجحة لعرقلة الملاحة في البحر الأحمر”.
ومع أن هجمات الحوثيين على السفن التجارية بدأت في 19 تشرين الثاني/نوفمبر إلا أنهم صعدوا من العمليات، حيث قام المتمردون اليمنيون بإطلاق صواريخ باليستية مضادة للسفن على عدة سفن مارة، وأصيبت واحدة، وهذه أول مرة يتم فيها استخدام الصواريخ بنجاح. ومع أن أيا من هذه السفن لم تكن متوجهة لإسرائيل أو مملوكة لشركات إسرائيلية إلا أن الهجمات كانت مؤشرا على زيادة الحوثيين جهودهم للضغط على التجارة الدولية كوسيلة للضغط على إسرائيل لتعليق حملتها العسكرية في غزة. و”فهمت شركات الشحن الرسالة، حيث أعلنت خمس شركات شحن كبرى أنها ستحرف مسار حاويات السفن عن مضيق باب المندب، الممر البحري الإستراتيجي الذي يجب أن تعبره السفن في طريقها لقناة السويس والذي يمر منه أكثر من 10% من التجارة العالمية. وانخفضت الحركة في البحر الأحمر بعد الإعلان بنسبة 35%.
ولم تتعطل التجارة الدولية لأن الشركات استطاعت تحويل سفنها نحو طريق أطول وأكثر أمنا حول أفريقيا. إلا أن الحوثيين زادوا من كلفة الملاحة الدولية، وفرضوا كلفة إضافية على التجارة في وقت تعاني فيه قناة بنما من مصاعب في مرور عدد كاف من السفن. وتخشى البنوك المركزية من صعود في معدلات التضخم.
ويقول برو إن استمرار الحصار الحوثي يعني أن كلفته على المستهلكين وصدمته على الدول المحلية ستكون كبيرة. وفي حالة أغلق البحر الأحمر لمدة طويلة، فإن أوروبا والدول في البحر المتوسط ستعاني من الضرر الأكبر. وستكون دول شمال أفريقيا وتحديدا تونس والجزائر عرضة للمخاطر لأنها تقوم بنقل تجارتها مع دول آسيا عبر قناة السويس.
وعانت إسرائيل الهدف المقصود للحوثيين من الضرر حيث توقفت الحركة عبر ميناء إيلات في الجنوب. مع أن الضرر تمت السيطرة عليه، نظرا لصغر حجم الميناء. وأضاف برو أن الخاسر الأكبر من تحرك الحوثيين هو مصر والتي تعتمد على تعرفة المرور للسفن عبر قناة السويس وبما يصل ربع أرباحها من العملة.
عانت إسرائيل من الضرر حيث توقفت الحركة عبر ميناء إيلات في الجنوب
وتواجه مصر أصلا ضغوط الحرب في غزة واقتصادا ساكنا، مما يعني أن رئيسها الديكتاتوري عبد الفتاح السيسي قد يواجه ضغوطا لو أصبحت حركة السفن بطيئة في قناة السويس. كما أن عرقلة طويلة الأمد للملاحة عبر البحر الأحمر ستترك أثرها على أسعار الطاقة وبالتحديد المستهلكين في أوروبا. ويشكل النفط خمس حركة الملاحة في قناة السويس، إما عبر الناقلات أو عبر خط أنابيب سوميد، حيث يصل حجم النفط الخام أو المكرر إلى 9 ملايين برميل في اليوم، أي حوالي 12% من حجم النفط المنقول بحرا. ولو توقفت حركة النفط عبر قناة السويس، فسيؤدي ذلك لعرقلة واضحة للنفط وزيادة أسعاره في 2024.
وهذا يقود لنجاح هدف الحوثيين وأساليبهم، فهم وإن كانوا معنيين بتعزيز مكانتهم الإقليمية، مثل راعيتهم إيران إلا أن الحوثيين يريدون الضغط على إسرائيل كي تتوقف عن قصف غزة، ومن غير المحتمل توقفهم قبل تحقق الهدف هذا. والطريقة الوحيدة لعمل هذا، هي زيادة الضغط الدولي على إسرائيل، حيث يتحول البحر الأحمر لنقطة ضغط. ومن المحتمل استمرار الحوثيين في هجماتهم طالما ظلت إسرائيل في حالة حرب. وربما ثبتت صعوبة ردع الحوثيين بقوة السلاح.
وعلى خلاف حزب الله الذي يواجه حربا مباشرة مع إسرائيل، فالجماعة الحوثية ليست بمواجهة مباشرة، وهي على حافة النصر بعد الحرب الطويلة مع السعودية. ولهذا السبب، يمثل هذا الوضع يمثل تحديا للولايات المتحدة والمجتمع الدولي. فالحوثيون المتحصنون في الجبال والممتلئون بالمال، لديهم أسلحة ثقيلة ومعدات عسكرية توفرها لهم إيران، بما في ذلك مسيرات دقيقة وصواريخ مضادة للسفن وصواريخ باليستية قادرة على ضرب سفن متحركة. وبهذه الترسانة العسكرية يستطيعون مواصلة الحرب ولوقت طويل. كل هذه العوامل في قلب التفكير الأمريكي حاليا، حيث تركز واشنطن اهتمامها على زيادة الضغط الدولي البحري حول اليمن، من أجل منع أو اعتراض هجمات جديدة.
ويعلق الكاتب أن الغارات الجوية الأمريكية بناء على مبرر “الدفاع عن النفس” كتلك التي شنتها في العراق وسوريا، لن تقترب من إحداث الضرر الذي تكبدته الجماعة في حربها مع الرياض. وربما نجحت عملية جوية مستدامة لإضعاف قوة الحوثيين، لكنها ستكون ضد أهداف الولايات المتحدة المعلنة لمنع انتشار الحرب في المنطقة ودخول إيران فيها. وربما شعرت إدارة بايدن بضغوط متزايدة للتحرك مع تواصل هذه الهجمات وأثرها المعطل.