رام الله الإخباري
تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صورا للطفل مصطفى محمود الصوالحة، بعد سقوطه من الطابق الثاني علي قضيب حديدي واستقراره في رأسه إلى نصف جسده، الذي عاد من مستشفى مار يوسف بالقدس سليم بعد أن كاد يفارق الحياة، ويحضر حفل زفاف ابناء عمه.
ووفقا لما نشره نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي نقلا عن المواطن أحمد الصوالحة، فإن قصة الطفل مصطفى التي وصفها نشطاء الفيس بوك بأنها "حكاية ألم عابرة لكنها لحظات أمل سُجلت في التاريخ".
بدأت القصة يوم الجمعة الموافق 2017/06/23 يوم التاسع والعشرين من شهر رمضان، عندما ذهب محمود حسين الصوالحة ومعه طفله الصغير الصائم مصطفى، والذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام لأداء صلاة الجمعة في المسجد. وعاد الوالد إلى منزله ليأخذ قيلولة.
أما الطفل مصطفى كان قد ذهب مع شقيقه أحمد ليلهو كباقي الأطفال وهنا بدأت الحادثة التي لم تكن في الحسبان ولم يكن يتوقعها أحد.
أثناء لعب الشقيقان إنزلق الطفل مصطفى من علو "منور" درج البيت من الطابق الثاني حتى الطابق الأرضي، ليخترق قضيب حديد جسده من جهة الضلع الأيسر مروراً برقبته ثم يخرج ذلك القضيب من أعلى رأسه وكان ذلك القضيب بقطر 14ملم وبطول يبلغ 40 سم.
في لحظة عابرة.. رأت شقيقته التي تصغره سنًا رغد الحادثة ومن هول المنظر صعدت إلى البيت تشتكي لوالدها هول المنظر الذي رأت فيه مصطفى والذي كان حينها معلقاً في السيخ ولم يكن للوالد محمود الصوالحة أن يتوقع المشهد كما رآه .. وتبدأ الفاجعة.
وقف الوالد متلعثماً حيث هزت الحادثة الأليمة أركان جسده، بل باتت تفاصيل وجهه البائسة والحزينة عاجزة عن التعبير والوصف ... حضرت الأم على تلك الأصوات التي لم تكن على علم بما حدث لطفلها " مصطفى " ومن شده هول المنظر صرخت بصوت مدوي .. فسمع صوتها الجيران وحضروا بسرعة.
وقف الجيران مشمرين عن سواعدهم لإنقاذ الطفل ولكن السؤال .. كيف سيتم انقاذ مصطفى وهو في حالة يعجز العقل عن تخيلها؟.
المشهد يتجلى امام والديه ومن حضر من الجيران .. فما كان من الوالد ورباط جأشه وصبر قد ألهمه الله إياه إلا ان يتخذ خطوات لإنقاذ فلذة كبده مصطفى ... وفي تلك اللحظات شهد الموقف حالات إغماء لكثير من الجيران نظرا لهول المشهد والألم الذي حلّ بتلك العائلة.. كان جسد الطفل مصطفى ملاصق بالباطون والقضيب مستقر في جسده فقام والده بكسر الباطون بالشاكوش ومصطفى معلق وهو ينظر إلى والده مبتسم الثغر ويقول "طلع السيخ يابا".
الجميع مرتبك وحالة من التأهب وحالات إغماء ووجع في الأرجاء .. وفي ذلك الوقت عاد أحد الجيران الذي كان في طريقه للسوق للمنزل، دون معرفة السبب قائلا في قرارة نفسه "ليش رجعت؟" وهذه العودة كانت من حظ الطفل مصطفى حيث ما أن سمع بالحادثة حتى أحضر مسرعا "ديسك كهربائي" لقص السيخ، وربما كانت عودته لحكمة أرداها الله.
أوصل الجيران الديسك في مقبس الكهرباء، وبادر والد الطفل بإجراء المهمة والتي كانت فوق طوره لينقذ طفله ولكن فجأة انقطع التيار الكهربائي عن المنطقة بأكملها بسبب الأزمة التي تعانيها قطاع غزة باسرها وتبدأ هنا مغامرة جديدة.
أحضر الجيران محرك كهربائي "ماتور" والذي يعاني أهالي القطاع من عملية تشغيله ويشهد وحالة التأهب عندما يتم استعماله، حيث خاطر أحد الجيران بإمساك السلك المعرى ليوصل التيار الكهربائي بالماتور والوالد ينظر لابنه نظرات ممزوجة ألم كاد أن ينفجر باكياً، ولكنه استعان بالله عز وجل، حيث قام بقص جزء من القضيب بعد تشغيل مولد الكهرباء إلى حين وصول الإسعاف ليتم نقله للمستشفى وعمل الإجراءات اللازمة.
حضر الإسعاف وتم تقديم اسعاف أولي للطفل في مستشفى الأندونيسي شمال قطاع غزة بحضور اطباء بشكل عاجل ومتخصصين نظراً لصعوبة الحالة، ومكث هناك ساعة ينتظر رحمة الله واللحظة التي يتم فيها تقرير مصيره وتم نقله بعدها إلى مستشفى الشفاء.
قبل نقله لمستشفى الشفاء أخبر أحد الأطباء في مستشفى الأندونيسي عائلة الطفل انها حالة غريبة وحرجة للغاية. وأن مثل هذه الحالات يكون على أثرها نزيف داخلي يؤدي للوفاة غالباً، لكن حالة الطفل مصطفى مستقرة والنبض ودقات القلب سليمة ولا وجود لأي نزيف وهذا ما طمأن عائلة الطفل وكل من كان حوله ينتظر قرار مصيره.
في مجمع الشفاء الطبي تم استقبال الطفل ولكن الحالة حرجة جداً ونادرة كما اخبر الأطباء هناك بعد عدة مشاورات بينهم وهنا تبدأ مرحلة جديدة من الألم.
تم الاتفاق على عمل إجراءات تحويلة للعلاج في أراضي ال1948 ولكن تحتاج لبرهة من الوقت حتى يتم التواصل مع المستشفى لاستقبال تلك الحالة الحرجة.
تم التواصل مع خمس مستشفيات وتم عرض حالة مصطفى وبعدها تم التوافق ليتم استقبال الحالة في مستشفى مار يوسف بالقدس وكان ذلك قبيل آذان المغرب من يوم 29 رمضان.
أبلغت مستشفى مار يوسف أنها سترسل ورقة لقبول حالة الطفل مصطفى وابلغتنا بإرسال رقم فاكس والذي لم يكون موجود في مستشفى الشفاء للأسف الشديد.
توجه أحد أفراد العائلة لأحد المكاتب المجاورة والكل ينتظر بأعصابٍ متوترة ذهبنا للمكتب لاستقبال ورقة التحويلة لكن للأسف أيضاً فصل التيار الكهربائي وقد اعتذر صاحب المكتب لنا عن استقبال تلك الورقةن وتم التواصل مع أكثر من شخص لكن الوقت بات غير مناسب لهم وأن الجميع ذهب لبيته للإفطار.. وكانت تلك الساعات التي مرت علينا وكأنها سنوات حيث توقفت عقارب الساعة وبات الوقت صامتاً لا يتقدم ولا يتأخر.
في حدود الساعة الثانية عشرة ليلاً وبعد جهود حثيثة تم استقبال ورقة التحويلة ومع الواحدة والنصف صباحاً تم نقله عبر معبر إيرز الى مستشفى مار يوسف بالقدس لتبدأ رحلة العلاج الجديدة خارج غزة .
الجميع لا زال ينتظر .. كان اليأس يسيطر على بعضهم والتوقعات سلبية بانه إن قُدر له حياة فسيكون بإعاقة أو شلل والبعض الأخر قد سلمه أمره وإرادته لله عز وجل التي هي فوق كل شيء.
رحلة العلاج
بدأت رحلة علاج مصطفى . حيث قام الأطباء في مستشفى مار يوسف بإجراء العملية الأولى لإخراج قضيب الحديد وذلك بتاريخ 24/6/2017 بمشاركة طاقم من الأطباء بمختلف التخصصات نظراً لصعوبة الحالة.
بزغ الأمل من جديد لمصطفى وأشرقت بسمة والديه وذويه وجميع عائلته ليتجلى قول الله تعالى في الآية الكريمة " يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ". ويبدأ الطفل مصطفى يستعيد ابتسامته وحديثه وبكامل قواه العقلية ولكنه في رحلة علاج طبيعي على اثر تلك الحادثة.
يوم الثلاثاء الموافق 7/8/2017 عاد الطفل مصطفى لأحضان أهله وعائلته وأحبابه بفرحة عارمة وبهجة الجيران والذين حضروا مشهد الحادثة.
وفي يوم الجمعة الموافق 11/8/2017 زُفَ الطفل مصطفى في حفل زفاف أبناء عمه العريسين محمد وإسلام وذلك تعبيراً عن فرحة الأهل بقضاء الله الذي تجلى فوق كل شيء في إنقاذ هذا الطفل وعودته لأرضه وبيته وأهله سالماً غانماً معافى.
وأخيراً .. كل الكلمات لن ولم توفي تلك القلوب النقية والطاهرة من الأطباء في غزة وخارجها الذين لم يتوقفوا عن تقديم الجهود في علاج ومساعدة مصطفى لأن يعود لحضن أمه التي بكته ليالٍ طويلة . ولوالده الذي منّ الله عليه بالصبر رغم أن قلبه اكتوى بتلك النار في تلك الحادثة.
النجاح الإخباري