قبلت المحكمة الاسرائيلية العليا ظهر اليوم، الأربعاء، الالتماس الذي تقدم به أصحاب أراض فلسطينية خاصة من قرية شبتين، الواقعة شمال غرب رام الله والقريبة من مستوطنة 'نيلي'، من خلال مكتب المحامي علاء محاجنة (القدس)، والذي طالب باسترداد أراض فلسطينية خاصة تعود ملكيتها لفلاحين من قرية شبتين كان من المزمع إقامة منتزه عليها لصالح المستوطنين.
وتتعلق حيثيات القضية بسيطرة مستوطنة نيلي على عشرات الدونمات من الأراضي الفلسطينية الخاصة، والتي تعود ملكيتها لفلسطينيين سكان قرية شبتين، وهي أراض تقع تماما عند مدخل المستوطنة. وقد منع الفلاحين من الوصول إلى أراضيهم هذه منذ مطلع سنوات ال-2000، الأمر الذي أدى لتوقفهم عن فلاحتها والاستفادة منها.
ووفق التخطيط الذي يقف وراءه مجلس مستوطنة 'نيلي' ومجلس المستوطنات الإقليمي 'ماطيه بنيامين'، فقد كان المخطط هو إقامة منتزه وحديقة ألعاب لخدمة ورفاهية سكان المستوطنة، والتي أقميت في سنوات ال- 80 على أراض تابعة لقرية شبتين ودير قديس المجاورتين والتي أعلنتها إسرائيل على أنها 'أراضي دولة'.
ونظرا للمبنى الطبوغرافي للموقع المذكور حيث أن هذه الأراضي تأتي في أسفل منحدر كبير للتلة المجاورة عليها، فقد أقيمت المستوطنة ولم تكن هناك إمكانية لتنفيذ المخطط الخاص بإقامة المنتزه دون أن يتم طمر هذه الأراضي وتغطيتها بآلاف الأطنان من التراب لتسويتها مع باقي الأراضي المجاورة وجعلها بنفس المستوى.
ولتحقيق غاياتها هذه، اتفقت الجهات التي تقف وراء إقامة الحديقة مع شركة القطارات الإسرائيلية، والتي تقوم بهذه الأيام بحفر أنفاق، والتي من المفروض أن يمر خلالها القطار السريع المنوي إقامته بين مدينتي تل أبيب والقدس بنقل نفايات ومخلفات التربة الناجمة عن حفر الانفاق في منطقة القدس لتسوية الوادي القائم على سفوح المستوطنة.
وبالفعل وعلى مدار أكثر من عام قامت شركة القطارات الإسرائيلية بنقل يومي ومكثف لمخلفات الحفر بحمولة لا تقل عن 100 سيارة شحن يوميا، وإلقائها في الأراضي الفلسطينية الخاصة الواقعة أسفل الوادي بهدف تسويتها مع الأراضي المجاورة لها.
وفي أعقاب توجه المحامي محاجنة باسم المواطنين أصحاب هذه الأراضي للادإرة المدنية في 'بيتل إيل' لوقف الاعتداء على الأراضي، تم إصدار أوامر وقف عمل وجهت لشركة القطارات لمنعها من الاستمرار بهذا الاعتداء، إلا أن الأخيرة ضربت بعرض الحائط هذه الأوامر، وواصلت كب مخلفات الحفر داخل الأراضي حتى أكملت مشروع تسوية الأرض.
وبسبب عدم استجابة شركة القطارات لأوامر وفق العمل، وبسبب عدم قيام وزارة الأمن بتنفيذ هذه الأوامر تقدم المحامي محاجنة بالتماس للمحكمة العليا عام 2014 مطالبا بإرجاع الأراضي التي تم الاستيلاء عليها، مشترطا أن يتم إرجاع الوضع لما كان عليه قبل الاعتداء أي إخلاء مخلفات الحفر من الأراضي وإصلاح التربة التي تم إتلافها حيث تسببت المخلفات التي تم إلقاؤها بجعل التربة غير خصبة وغير صالحة للزراعة.
وخلال المداولات التي حدثت أمام المحكمة حاولت النيابة العامة وممثل شركة القطارات الوصول لتسوية من خلال المحكمة بهدف تجنب قرار يلزمها ويلزم شركة القطارات أن تقوم بإرجاع الأراضي للوضعية السابقة عن طريق إخلاء التربة، وذلك بسبب التكلفة الباهظة لهذه العملية، فضلا عن صعوبة تنفيذ الأمر في هذه المرحلة، وخاصة أنه تمت تسوية الأراضي، بالإضافة طبعا لتبعيات إرجاع الأرض على إقامة مخطط المنتزه.
من جهتهم أصر الملتمسون والممثلون بمحاميهم محاجنة على طلب إخلاء واسترجاع الأراضي وعلى ضرورة إرجاعها للوضعية التي كانت عليها قبل بداية الاعتداء، ورفضت عروض التعويضات التي طرحت بضغط من المحكمة.
في نهاية المداولات والتي امتدت على مدار 3 سنوات، أصدرت اليوم المحكمة بعد سماعها ادعاءات الأطراف الأخيرة أمرا احترازيا وافقت من خلاله على طلبات الملتمسين، حيث أوعزت لشركة القطارات ولوزارة الأمن بالتعاون في بينهما من أجل إخلاء الأراضي ولإعادتها لأصحابها بالوضعية التي كانت عليها قبل عملية الاعتداء، وفق ما طالب به الملتمسون.
وفي تعقيبه على القرار أفاد المحامي محاجنة أنه 'على الرغم من أنه جاء بتأخير نسبي إلا أننا سعيدين بهذا القرار، والذي في نهاية المطاف سيؤدي أولا إلى إعادة الأراضي لأصحابها؛ والأهم إرجاعها لوضعيتها السابقة ما قبل الاعتداء؛ الأمر المهم أيضا أن القرار يفشل المخطط الاستيطاني والذي يسعى لإقامة حدائق ومنتزهات لرفاهية المستوطنين على حساب أصحاب الأرض الأصلانيين'.
وأضاف محاجنة أنه هنا يجدر التنويه للمفارقة الخاصة لهذا الملف، وهي وضعية يمكن أن تحدث فقط في ظل نظام الاحتلال الإسرائيلي للأراضي القلسطينية، حيث أوضح أن 'المخلفات التي تم إلقاؤها داخل أراضي قرية شبتين الخاصة استخرجت بالأصل من أراض فلسطينية أخرى تابعة لقرية بيت إكسا، كان الاحتلال قد وضع يده عليها بهدف إقامة نفق يمر خلاله القطار السريع الذي سيربط بين مدينتي القدس وتل أبيب'.
وأضاف أن شركة القطارات المسؤولة عن تنفيذ مشروع سكة القطار هذا قامت باستخراج التربة من خلال عملية حفر نفق معقدة تقوم بتنفيذها شركة إيطالية باسم 'بتزاروتي'. وقامت شركة القطارات ببيع مخلفات التربة هذه بسعر زهيد لمجلس بنيامين الاستيطاني بغية إلقائها داخل الأراضي الفلسطينية، وهو موضوع الالتماس، من أجل الاستيلاء عليها، وإقامة حديقة ومنتزه لرفاهية سكان مستوطنة 'نيلي'.
وأردف محاجنة 'الحديث عن خرق سافر ووقح لحقوق الفلسطينيين المنصوص عليها دوليا، وهو في الحقيقة غير مستهجن من الاحتلال، ولكن حيثيات القضية الخاصة تجعلها مثالا واضحا لماهية هذا الاحتلال وطبيعته'.