رام الله الإخباري
ظلت عظام جوزيف مينجل، الطبيب الألماني الذي أجرى تجارب مروعة على آلاف اليهود، داخل حقيبة بلاستيكية بالمعهد الطبي القانوني في البرازيل لأكثر من 30 عاماً.
وأخيراً وجد الدكتور دانيال روميرو مونوز، الذي ترأس الفريق الذي تعرف على بقايا رفات مينجل عام 1985، فرصةً في استخدام عظام الطبيب النازي المعروف بـ"ملاك الموت".
فمنذ عدة شهور، حصل مونوز الذي يعمل رئيسَ قسم الطب الشرعي بكلية الطب بجامعة ساو باولو بالبرازيل على تصريح باستخدام العظام خلال دوراته التدريبية في مجال الطب الشرعي، ليتعلم طلابه من خلال دراسة عظام مينجل والربط بينها وبين قصة حياة الرجل ذي التاريخ الرهيب.
وذكر مونوز مؤخراً أن العظام سوف تساعد على تعليم كيفية فحص رفات أي شخص، ثم مضاهاة تلك المعلومات بالبيانات المذكورة بالوثائق المتعلقة بحياته، وفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الأربعاء 11 يناير/ كانون الثاني 2017.
قتلهم بالغاز ومات غريقاً
وتُوفي مينجل منذ نحو أربعة عقود حينما غرق على ساحل ولاية ساو باولو. وكان هارباً منذ سنوات بسبب مقاضاته جراء إجراء تجارب على السجناء وإرسال الآلاف منهم إلى غرف الإعدام بالغاز خلال الحرب العالمية الثانية.
وذكر مونوز أن حياة مينجل خلال فراره والغموض الذي يكتنف الأماكن التي كان يختبئ بها يعد أمراً يجعل عظامه بمثابة أداة تعليمية مفيدة، موضحاً "على سبيل المثال، عندما فحصنا عظام مينجل وجدنا كسراً في التجويف الأيسر للحوض، والمعلومات التي وُجدت بسجله الحربي تشير إلى أن الكسر يرجع إلى حادث دراجة بخارية في أوشفيتز، وهو معسكر الموت النازي سيئ السمعة ببولندا".
وأمسك مونوز بجمجمة مينجل وأشار إلى فتحة صغيرة في عظام الوجنة اليسرى وذكر أنها ناجمة عن الإصابة بالتهاب الجيوب الأنفية على مدى فترة زمنية طويلة، لافتاً إلى أن الزوجين الألمانيين اللذين أخفيا مينجل بالبرازيل أخبرا الشرطة أنه كان يعاني من خراج بالأسنان كان يعالجه بنفسه باستخدام شيفرة حلاقة.
هكذا عذب كيرلا
وقالت كيرلا جيفيرتز، الناجية من المحرقة النازية والبالغة من العمر 92 عاماً، عن عظام مينجل الخاضعة للدراسة "لا أدري بما أشعر. لدي بالفعل الكثير من الذكريات المؤلمة عنه وعما فعله بي وبالآخرين في معسكر أوشفيتز. إنها ذكريات لا أستطيع محوها من مخيلتي".
وبعد انتهاء الحرب، ذهبت جيفيرتز، التي ذكرت أنها اعتقلت أيضاً بمعتقلات أخرى مثل رافينسبراك ومالتشو، ذهبت إلى السويد، حيث عاشت هناك لمدة سبع سنوات والتقت بزوجها الذي حضرت معه إلى البرازيل عام 1952.
وجيفيرتز في الأساس مواطنة بولندية لديها وشم على ذراعها اليسرى يشير إلى كونها سجينة في معتقل أوشفيتز. وقالت إنها التقت بمينجل وجهاً لوجه عدة مرات.
وذكرت جيفيرتز خلال حوار لها بمنزلها في ساو باولو، أن "مينجل طلب مني التجرد من ملابسي والدخول في برميل كبير يحتوي على ماء ساخن للغاية. فقلت إن المياه ساخنة للغاية، فقال إن لم أفعل ما يأمرني به، سيقتلني. وبعد ذلك، أجبرني على الدخول في برميل به ماء متجمد".
وروت أنها رأت مينجل ذات مرة يقتل طفلة حديثة الولادة بإلقائها من أعلى سطح ثكنات المعتقل، مستطردة "كان شخصاً شريراً ومنحرفاً. وكان يعشق التعذيب".
رحلة فرار إلى الموت
وبعد انقضاء الحرب وخضوع قادة الرايخ الثالث لأدولف هتلر للمحاكمة لاقتراف جرائم حرب، فرّ مينجل إلى الأرجنتين وعاش في بيونس آيريس لمدة عقد من الزمن.
وانتقل إلى باراغواي بعد أن ألقى عملاء الموساد الإسرائيلي القبض على العقل المدبر للمحرقة أدولف أيشمان، الذي كان يعيش أيضاً في بيونس آيريس. وفي 1960، انتقل إلى ساو باولو، حيث وجد ملاذاً لدى الزوجين الألمانيين ولفرام وليزوليت بوسيرت وأسرة من المهاجرين المجريين.
وتُوفي مينجل عن عمر يناهز 67 عاماً حينما كان يسبح بأحد الشواطئ بمدينة بيرتيوجا الساحلية عام 1979. وقام الزوجان بوسيرت بدفنه في إيمبو بضواحي ساوباولو باسم مستعار هو ولفجانج جيرارد. وبعد سنوات، اعترضت السلطات الألمانية خطاباً أرسله الزوجان إلى أسرة مينجل يحمل نبأ وفاته. وقامت السلطات بإخطار السلطات البرازيلية.
وفي عام 1985، تم استخراج جثمان مينجل. وأكدت فرق متخصصة من ألمانيا وإسرائيل والولايات المتحدة أنه جثمانه، باستخدام أساليب مثل فحص الحسابات الشخصية لأشخاص كانوا يعرفونه في البرازيل ومقارنة خط يده بخطابات تم التوصل إليها وتحليل الجمجمة للتعرف على ما إذا كانت تضاهي الصور القديمة لمينجل.
وذكرت البروفيسور ماريا لويزا توتشي كارنيرو، المؤرخة التي تتولى تنسيق معمل جامعة ساو باولو لدراسة العرق والعنصرية والتمييز، أنها تأمل أن تتجاوز الدراسة الجامعية مجالات العلوم وتتحول إلى دراسة التاريخ والأخلاقيات.
وقالت كارنيرو إنه يتعين على الطلاب أيضاً دراسة "كيفية خضوع الأطباء وعلماء النفس وغيرهم من العلماء لخدمة الرايخ وتسخير معارفهم لاستبعاد الجماعات العرقية المصنفة باعتبارها من الأعراق الأقل شأناً. وهو استبعاد بلغ ذروته في عمليات القتل الجماعي".
ترجمة هافينغتون بوست عربي