من الممكن أن يدفع أحدهم حياته في لحظة بسبب كرمه الزائد وهو يحاول اعتراض الطريق السريع أمام السيارات لإيقافها وتقديم وجبة الإفطار للسائقين أملًا في الثواب، وقد يكون هذا الإفطار آخر ثواب له إذا ما أطاحت به عربة طائشة لا يهم سائقها الإفطار أو التوقف أمام الأيدي الممدودة له بالطعام.. إنهم أبناء النوبة المكلّفون بتوقيف السيارات، ويجازفون بالتعرّض لحادث سير أو التسبب فيه أثناء دعوتهم عابري السبيل إلى مشاركتهم الإفطار.
يتجمع أهالي قرية النوبة الواقعة على حدود السودان يومياً مع غروب الشمس لقطع الطريق على السيارات والشاحنات بكلّ السبل بهدف مشاركتهم الإفطار.
مع غروب الشمس يفرد «إبراهيم» البُسط والحُصر بجانب الطريق المؤدى إلى الخرطوم في حين يضع رفاقه أطباق الطعام وأباريق العصير عليها استعداداً للإفطار، وبعد دقائق ينضمّ إليهم عدد من أهالي القرية الذين تقوم مهمتهم على توقيف السيارات والشاحنات العابرة للطريق السريع بكل وسيلة ممكنة حتى إن اضطروا للوقوف فى منتصف الشارع والتلويح بأذرعهم حتى تقف.
ويحظى ضيوف القرية بأطباق من الخضراوات واللحوم والأجبان والزيتون والطماطم وفطائر الذرة البيضاء، وبعض الماء والعصائر، ويعود المسافرون بعد نحو عشرين دقيقة إلى سياراتهم وحافلاتهم وشاحناتهم لاستئناف رحلتهم شاكرين كرم وضيافة أهل القرية الواقعة على بعد خمسين كيلومتراً جنوب الخرطوم.
وليست قرية النوبة سوى مثال على ما تفعله القرى الأخرى المحاذية للطريق السريع الممتد على 160 كلم بين واد مدني، مركز الولاية، والعاصمة، لإجبار السائقين والركاب على التوقف والإفطار معه، ويقول الطبيب إبراهيم عبدالرحيم إن الإفطارات الجماعية هي تقليد قديم، ويضيف «عندما تحلّ ساعة الإفطار نقوم بتوقيف كل السيّارات التي تمرّ بقريتنا ونصر على أن يتناول الركاب والسائقون الطعام معنا، ويقوم متطوّعون بتوزيع الطعام على الرجال في حين تتناول النساء الطعام على بساط منفصل بالقرب منهم، ويجازف أهالي القرية المكلّفون بتوقيف السيارات بالتعرّض لحادث سير أو التسبب بحادث سير إذا لم يلمحهم السائق في الوقت المناسب أو انحرف إلى جانب الطريق محاولا تفادى الاصطدام بهم.
ومع ذلك يفخر أهالي القرى بهذا التقليد الذى يعتبرونه واجباً يمليه عليهم دينهم الإسلامي وتماشياً مع تقاليد رمضان الذى يعتبر شهراً للخير والرحمة، ولا يمانع الكثير من المسافرين في التوقف لتناول الإفطار مع أهالي النوبة بعد صيام يزيد على 15 ساعة في درجات حرارة تتجاوز 45 درجة مئوية.