رام الله الإخباري
موقع رام الله الاخباري :
كيف تتعامل الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم مع الأحداث والمستجدات العالمية، والصراعات والحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط بالتحديد؟ الملاحظ هو أن الصين لا تفضل التدخل بشكل مباشر في أي من الصراعات القائمة، ولم نجد لها أي ردود فعل “عملية” تجاه ما يحدث من صراعات في أغلب مدن العالم التي لا تشترك في حدود معها.
(1) مبادئ السياسة الخارجية الصينية
يوضح مركز دراسات الصين وآسيا في تقرير سابق له طبيعة ما يميز السياسة الخارجية للصين، هناك 3 مبادئ رئيسة تتبعها الصين بشأن سياستها الخارجية.
المبدأ الأول يتمثل في التزام الصين بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للآخرين، وعدم استخدام أو التهديد باستخدام القوة، كما أنها ترفض الاستقطاب في العلاقات الدولية، والمبدأ الثاني يتمثل في انتهاج استراتيجية الانفتاح القائمة على المنفعة المتبادلة، فالصين تحرص على تطوير وحماية المصالح المشتركة لها مع دول العالم بغرض تكبير “كعكة” المصالح المشتركة. الصين لا تحب أبداً توتر العلاقات مع دول الجوار ولا تحبذ كسب المصالح على حساب آخرين.
أما المبدأ الأخير فيتضح في دعوة الصين إلى تسوية المشاكل والنزاعات من خلال وسائل الحوار والتفاوض وإيجاد الأرضيات المشتركة بعيداً عن الخلافات.
لكن لاحظ هنا أن المبادئ السابقة لا تعني أن تتنازل الصين عن مصالحها الوطنية والمتمثلة في سيادة الصين، وسلامة أراضيها، ووحدتها الوطنية، واستقرار نظامها السياسي المتمثل في الحزب الشيوعي والنظام الاشتراكي، وبالطبع توفير الضمانات الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. من أجل هذا نلاحظ أن الصين تملك إنفاقاً عسكرياً كبيراً، وأنها لا تتسامح في قضية مثل قضية انفصال تايوان عنها، ولن تسمح لهذا الانفصال أن يتم بأي شكل من الأشكال، وإلا تركت الباب مفتوحاً لأقليات ومجموعات أخرى بالدعوة للانفصال أيضاً.
الملاحظ بوضوح أن الصين لا تشارك في سباقات التسلح العالمية، وتنتهج الصين بشكل عام سياسة عسكرية دفاعية، وتهتم الصين بالسيطرة على حدودها وعدم حدوث أي انشقاقات أو دعوات عرقية أو دينية بأي شكل من الأشكال. الصين تأتي في المركز الثاني للإنفاق العسكري عالمياً خلف الولايات المتحدة الأمريكية، لكن هناك فرقا كبيرا في الأرقام بين الدولتين، فالولايات المتحدة أنفقت 581 مليار دولار خلال عام 2014، بينما الصين أنفقت 129 مليار دولار خلال نفس العام، والسبب بالطبع يعود إلى الطبيعة العسكرية الدفاعية للصين مقابل السياسة الهجومية للولايات المتحدة.
وبالنسبة للنسبة المئوية للإنفاق العسكري مقارنةً بإجمالي الانتاج القومي فنجد أن الصين تحتل المركز رقم 12 عالمياً بنسبة 1,2%، بينما تسبقها دول مثل السعودية (10,7%) والعراق (8,5%) وإسرائيل (7,4%) وروسيا (3,7%) والولايات المتحدة(3%)
(2) الصين والإيغور
أكثر ما يثير قلق الصين في شئونها الداخلية حالياً هم مسلمو الإيغور، والإيغور هم شعوب تركية تشكل واحدة من بين 56 عرقية مختلفة توجد في الصين، نعم الصين ليسوا شعبا واحدا متجانسا، لكن بهم العديد من الأقليات العرقية.
يتركز الإيغور في منطقة تركستان الشرقية ذاته الحكم، والتي تسمى أيضاً “شينجيانغ” وهي تمثل سدس مساحة الصين تقريباً، ويدين غالبية الإيغور بدين الإسلام. هؤلاء الإيغور عاشوا فيما مضى متحدين، وكونوا واحدة من أكبر القبائل التركية في منطقة آسيا الوسطى، وخلال عام 744م أصبح لهم مملكتهم الخاصة، وبعد سقوط مملكتهم هاجر جزء كبير إلى منطقة شينجيانغ الشرقية، وبعد سيطرة النظام الشيوعي بزعامة ماو تسي تونغ، قتل أكثر من مليون مسلم عام 1949 على يد هذا النظام، وجرت عملية لضم إقليم تركستان الشرقية إلى الصين، وبدأت عملية تفريغ الإقليم من سكانه وتوزيعهم على أقاليم أخرى، والتضييق عليهم وعدم إعطائهم الحرية لممارسة عبادتهم وهدم بعض مساجدهم.
وقامت الصين مؤخراً بإصدار تشريعات قانونية جديدة تحت شعار: “مكافحة الإرهاب” وذلك بدء من شهر يناير الحالي، تجبر التشريعات الجديدة الحكومات المحلية على مستوى المدن والأقاليم لتنسيق أنشطة مكافحة الإرهاب مع وكالة قومية سيتم إنشاؤها قريباً. التشريعات توفر أيضاً أسباباً قانونية لتحديد وقمع الأفراد والجماعات التي تصفها بـ”الإرهابية”، ويرغم شركات خدمات الإنترنت بتقديم المساعدات التقنية اللازمة بما فيها مفاتيح تشفير بيانات الأفراد. هذه الإجراءات تستهدف بالتحديد قومية الإيغور في إقليم شينجيانغ التي تخشى الصين من تنامي نفوذها نتيجة تزايد نفوذ الجماعات الإسلامية المسلحة حول العالم، خصوصاً وأنه قد وجدت علاقات لعدد محدود من الإيغور بالصراعات في سوريا وأفغانستان.
(3) الصين وطالبان
وقد ظهر للصين مع بدايات القرن الواحد والعشرين أن عدد من الإيغور قد انضم أو اصطف مع حركة طالبان في أفغانستان وباكستان والحركة الإسلامية في أوزبكستان.
الصين سعت للاستفادة من علاقتها الوثيقة بباكستان بهدف اتخاذ خطوات عملية لتشجيع التوصل إلى تسوية سياسية بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، طبعاً هذا الأمر ليس لأن الصين تهوى السلام بين الدول، خصوصاً وأن الصين لا تفضل التدخل في شئون الغير، لكن هدف الصين من هذا الأمر كان منع احتمال امتداد ما تصفه بالتطرف الإسلامي إلى إقليم شينجيانغ، لكن إعلان بعض عناصر طالبان والجماعة الإسلامية في أوزبكستان ولاءهم لتنظيم الدولة الإسلامية – داعش من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي على هذا النهج الذي تتبعه الصين.
واستضافت الصين إحدى جولات المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بالفعل خلال العام الماضي، كما سبق لبكين أن قامت بدور الوسيط للتوصل لاتفاقية سلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وجاء ذلك الأمر وسط تأكيد الصين على أنها تواجه “انتفاضة متطرفة” في إقليم شينجيانغ، إذ تعتقد أن المتشددين يحتمون ويتدربون على يد طالبان.
(4) مقاتلون صينيون في الشرق الأوسط
وفي شهر سبتمبر 2014، أعلنت وزارة الدفاع العراقية اعتقال مقاتل صيني كان يقاتل في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، مما أثار انتباه الحكومة الصينية بشدة، باعتباره أول مواطن صيني يخوض قتالاً مع تنظيم الدولة، وهو ما أثار قلقاً كبيراً داخل الصين من تمدد التشدد المسلح بالبلاد، وقد أوضح بعض المحللين في الشئون الصينية من أن هذا الإعلان يمثل دليلاً جديداً على ما وصفه بأنه ارتباط الإرهاب المحلي في الصين بجذور عالمية.
هذا الأمر جعل الصين تتخذ إجراءات بالفعل للتواجد في الصراع السوري العراقي، لكن على الطريقة الصينية المعتادة. وزارة الخارجية الصينية سبق وأن أعلنت عن عزم بكين توجيه الدعوة لأعضاء في الحكومة والمعارضة السورية “في إطار سعيها للمشاركة في عملية السلام. “بالطبع فإن الصين دولة براغماتية تبحث عن مصالحها، وبالتالي فإن قيامها بمثل هذا الدور معناه أنه يصب في صالحها لحماية أراضيها واقتصادها.
وزير الخارجية الصيني أعلن في ديسمبر 2015، عن قرب دعوة الصين للنظام السوري وشخصيات من المعارضة لزيارتها، وعلى الرغم من أن الصين سبق وأن استضافت شخصيات من الحكومة والمعارضة السورية، إلا أنها كانت لاعبا ثانويا في هذه القضية بشكل دائم، وخصوصاً مع منعها لمواطنيها من زيارة العراق وسوريا.
وكشفت الصين مؤخراً عن أن عدد الصينين الذين يقاتلون في الشرق الوسط إلى جانب الجماعات المسلحة بلغ 100 شخص، أغلبهم ضمن ما يعرف بحركة “تركستان” الشرقية، وهي منظمة مسلحة إيغورية تدعو إلى إنشاء دولة إسلامية مستقلة في منطقة تركستان الشرقية غرب الصين، وقد تم إدراج هذه المنظمة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة عام2002
وكانت صحيفة غلوبال تايمز قد أعلنت العام الماضي أن إجمالي عدد الصينيين الذين يقاتلون في الشرق الأوسط بلغ 300 صيني، كما أن هناك جهاديين في حركة تركستان الشرقية يسافرون إلى سوريا عبر تركيا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
ساسة بوست