لم يكن اقتصاد قطاع غزة قبل حرب الإبادة الأخيرة أفضل حالاً، فكان يكابد حصاراً وهشاشة، حتى جاءت الحرب المدمّرة لتزيد الطين بلة، فتركت آثارا عميقة على كل مناحي الحياة، أشبه بالانهيار التام، حيث مُني بخسائر فادحة في البنية التحتية، وتوقف شبه كامل لعجلة الإنتاج، وارتفاع غير مسبوق في معدلات الفقر والبطالة.
وقد أعادت الحرب الأخيرة تشكيل الواقع الاقتصادي في القطاع، محوِّلة الأسواق إلى مساحات خاوية، والمصانع إلى ركام، فيما فقد أغلب سكان القطاع مصادر دخلهم المحدود.
يأتي ذلك في ظل استمرار القيود المفروضة وضعف فرص التعافي، حيث يواجه المواطنون تحديات يومية تتمثل في تأمين أبسط مقومات العيش، وسط تساؤلات ملحّة حول مستقبل الاقتصاد وإمكانيات النهوض من تحت الركام.
وقد بلغت الخسائر الأولية المباشرة لكافة القطاعات الحيوية أكثر من (70 مليار دولار) جراء حرب الإبادة، وهو ما يعكس حجم الدمار الشامل والممنهج الذي تعرض له قطاع غزة على مدار عامين كاملين من الإبادة الجماعية.
انهيار بنيوي كامل
وفي هذا الإطار، حذّر المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر من أن مؤشرات عام 2025 لا تعكس أزمة عابرة، بل انهيارًا بنيويًا كاملًا للاقتصاد في قطاع غزة.
وأشار أبو قمر في حديث لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، إلى أن أولى هذه المؤشرات تمثّلت في تجاوز نسبة البطالة 77%، ما يعني عمليًا غياب قدرة السوق على توليد الدخل، اليوم أو في المستقبل القريب.
وبين، أن هذا الانهيار تجلّى بوضوح في تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 84% مقارنة بعام 2023، وهو تراجع أعاد الاقتصاد سنوات طويلة إلى الخلف.
وقال أبو قمر:" إن القطاعات الإنتاجية تفككت نفسها، حيث تراجع قطاع الإنشاءات بنسبة 99%، والصناعة 94%، والزراعة 92%
كما انخفضت نسبة المشاركة في القوى العاملة إلى 38%، في مؤشر على أن المواطنين لم يتوقفوا عن العمل فقط، بل عن البحث عنه أساسًا.
وبالتوازي، تراجعت حصة غزة من التجارة الخارجية إلى أقل من 4%، ما عمّق العزلة الاقتصادية وأغلق أي نافذة للتبادل أو التعافي.
ومع ارتفاع الأسعار بنسبة 22% مقابل انهيار الاستهلاك بنسبة 81%، تتشكل معادلة معيشية خطيرة قوامها دخل شبه معدوم، وأسعار مرتفعة، وسلع شحيحة. وفق أبو قمر
واعتبر المحلل أبو قمر أن استمرار هذه المؤشرات ينذر بتفاقم غير مسبوق للأوضاع المعيشية والإنسانية في قطاع غزة، ما لم يحدث تغيير جذري في الواقع القائم.
شلل تام
من جهته يقول رئيس غرفة التجارة والصناعة بمدينة غزة عائد أبو رمضان: إن "حرب الإبادة أدت إلى انهيار المنظومة الاقتصادية بشكل كامل في قطاع غزة، وتردي الحالة الاقتصادية للمواطنين، لا سيما خلال الأوقات التي ارتفعت فيها أسعار السلع إلى نحو 527 بالمئة عن سعرها الطبيعي".
ولفت إلى أن "قطاع غزة يعيش مع مرور عامين على الحرب واقعًا اقتصاديًا وإنسانيًا كارثيًا، خصوصًا في ظل تدمير المصانع والشركات وإغلاق المعابر والحصار المتواصل وحرمان المواطنين من دخول آلاف السلع الأساسية"، موضحًا أن "حرب الإبادة أدت إلى شلل شبه تام للحركة الاقتصادية، وتوقف عمليات الاستيراد والتصدير، وانهيار سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل غير مسبوق، في وقت يعاني فيه المواطنون من ظروف معيشية بالغة القسوة وانعدام تام للقدرة الشرائية".
وبحسب أبو رمضان فإن "دولة الاحتلال على مدار عامين، دمرت معظم مصانع وشركات قطاع غزة وفرضت حصارًا مشددًا ما أدى إلى منع إدخال المواد الخام والوقود ومستلزمات الإنتاج، إلى جانب منع الوصول إلى الأراضي الزراعية وتعطيل أنشطة الصيد".
وأكد أن "هذا الشلل التام أصاب القطاعات الإنتاجية والتجارية كافة، وأدى إلى إغلاق مئات المصانع والمزارع والمنشآت، وتسريح عشرات الآلاف من العمال".
وعطفًا على ذلك يزيد: "ارتفعت معدلات البطالة إلى أكثر من 85%، فيما تجاوزت معدلات الفقر 90%، وسط غياب كامل لأي مصدر دخل يضمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة"، مشيرًا إلى أن بدء تعافي اقتصاد قطاع غزة يبدأ بتسهيل دخول المواد الخام والمستلزمات الصناعية والطبية والوقود ومستلزمات الطاقة الشمسية، ومستلزمات معالجة وتوزيع مياه الشرب، إلى جانب الآليات ومعدات ومستلزمات البناء والإيواء.

