غزة بلا ملاعب: كيف حولت إسرائيل الرياضة إلى هدف للحرب خلال عامين؟

في الوقت الذي تُعدّ فيه الرياضة مساحة إنسانية عادلة تتجاوز الحدود، يكشف الواقع في قطاع غزة عن واحدة من أكثر الهجمات المنهجية على البنية الرياضية والمجتمع الرياضي الفلسطيني منذ بدء الحرب قبل نحو عامين. 

تتواتر الأرقام الصادرة عن اتحاد كرة القدم الرياضية لتؤكد حجم الدمار الواسع الذي طال كل ما يمتّ للرياضة بصلة: منشآت أُزيلت بالكامل، ملاعب تحوّلت إلى مراكز اعتقال، ومئات الرياضيين الذين قُتلوا أو أُصيبوا أثناء العدوان.

خسائر بشرية غير مسبوقة

تشير آخر إحصاءات اتحاد الألعاب الرياضية في غزة إلى أن العدوان الإسرائيلي قتل أكثر من 774 رياضيًا منذ بدء الحرب، بينهم عدد كبير من الأطفال ومئات المنشآت ومقار الأندية ما يجعل القطاع الرياضي واحدًا من أكثر القطاعات المدنية تضررًا.

ولا تتوقف الخسائر عند الرياضيين واللاعبين، بل تشمل الحكّام والمدرّبين والإداريين الذين فقدت الرياضة الفلسطينية نخبة واسعة منهم، محدثة فراغًا يصعب تعويضه في المستقبل القريب.

دمار شامل للبنية التحتية الرياضية

منشآت رياضية كانت شاهدة على تاريخ طويل من البطولات والأنشطة والمنافسات تحولت اليوم إلى أطلال. فبحسب اتحاد الألعاب الرياضية، دُمِّرت 285 منشأة رياضية بشكل كلي أو جزئي، بينما وثّق المكتب الإعلامي الحكومي 292 منشأة مدمرة بين ملاعب وصالات ومقار إدارية.

ومن بين أكثر المنشآت تضررًا:

1. ملعب فلسطين

أكبر ملاعب غزة وأشهرها، يتسع لـ10 آلاف متفرج، وشهد مباريات دولية وتاريخية. تظهر صور الأقمار الصناعية في سبتمبر/أيلول تكدس الخيام داخله بعد أن تحوّل إلى مركز نزوح إثر تدمير مرافقه بالكامل.

وشهد ملعب فلسطين المباراة التاريخية بين منتخب فلسطين ونادي الزمالك المصري عام 2000، كما استضاف نادي الوحدات الأردني حين واجه اتحاد الشجاعية في بطولة كأس الكؤوس الآسيوية.

وتظهر الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية في 29 سبتمبر/أيلول، تكدس الخيام في الملعب، وتحوله لمعسكر لاجئين، بعد دمار طال كل مرافقه بسبب القصف المستمر.


2. ملعب اليرموك

من أقدم الملاعب في فلسطين (تأسس 1952)، ويتسع لما يقارب 15 ألف مشجع وقد تهدمت مرافقه وأصبح ساحة تجمع للنازحين. كما استُخدم في فترات سابقة كمركز اعتقال من قبل قوات الاحتلال. 


3. ملاعب السودانية

وهي منطقة تضم أندية كبيرة مثل غزة الرياضي والهلال، وقد اختفت معالمها تمامًا في صور الأقمار الصناعية.

4. ملاعب بيت لاهيا وبيت حانون

كلاهما تعرضا لدمار شامل، واختفت أرضياتهما ومرافقهما دون أي إمكانية للعودة القريبة للنشاط الرياضي.

5. المدينة الرياضية في خان يونس

اجتاحتها آليات الاحتلال وجُرفت بالكامل مطلع 2024، في واحدة من أكبر الخسائر لمنشأة رياضية جنوب القطاع.

6. ملعب رفح البلدي

يعود تأسيسه إلى 1953، وتحول لفترات طويلة إلى مركز إيواء للنازحين قبل إخلاء المدينة.

7. الملاعب الخماسية

وهي الأكثر انتشارًا في غزة، وكانت متنفسًا للأطفال والشباب. دمّر الاحتلال أكثر من 300 ملعب خماسي إضافة إلى 22 مسبحًا و28 مركز لياقة بدنية بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.

الرياضة من مساحة حياة إلى مشهد كارثة

لم تكتفِ إسرائيل بالقصف والجرف؛ فقد تحولت العديد من الملاعب إلى مراكز اعتقال وتعذيب، وفق شهادات وتقارير حقوقية. وفي مناطق أخرى، لجأ النازحون إلى الملاعب رغم خرابها، بحثًا عن مأوى مؤقت، لتتحول المنشآت الرياضية إلى مخيمات مكتظة بدل أن تكون مراكز للأنشطة والبطولات.

رابعاً: غضب عالمي ومطالب باستبعاد إسرائيل

أدّت الجرائم المستمرة لعامين إلى اتساع حملات دولية تطالب بعزل إسرائيل رياضيًا. فقد رفعت جماهير أندية أوروبية شعارات مثل:

- “كرت أحمر لإسرائيل”
- “أوقفوا الإبادة”
- “أظهروا لإسرائيل البطاقة الحمراء”

وانضم لاعبون عالميون من مبادرة Athletes 4 Peace مثل بول بوغبا وحكيم زياش، وطالبوا بتعليق مشاركة إسرائيل في جميع الأنشطة الرياضية الدولية.

كما أصدر خبراء الأمم المتحدة تقريرًا في 23 سبتمبر/أيلول يدعو الفيفا واليويفا إلى استبعاد إسرائيل فوريًا بسبب الجرائم الموثقة واستهداف البنى المدنية والرياضيين.

موقف الفيفا واليويفا – صمت مربك وانتقائية واضحة

في 2 أكتوبر/تشرين الأول، قال رئيس الفيفا جياني إنفانتينو إن الرياضة «لا تستطيع حل الصراعات الجيوسياسية»، بينما اكتفى رئيس اليويفا ألكسندر تشيفرين بالتعبير عن الألم لمعاناة المدنيين، رافضًا فرض أي عقوبات على الأندية واللاعبين الإسرائيليين.

هذا الموقف أثار غضبًا واسعًا، خاصة أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم قرر تجميد مشاركة روسيا في بطولاته بعد أيام قليلة من بدء حرب أوكرانيا، بينما لم يتحرك تجاه إسرائيل رغم آلاف الشهداء ودمار غير مسبوق للبنى المدنية والرياضية.

الرياضة بين الإبادة والإصرار على الحياة

تظهر حصيلة عامين من الحرب أن الرياضة في غزة كانت هدفًا مباشرًا وليست أضرارًا جانبية. فالملاعب التي وُلدت فيها أحلام الأطفال، وتخرّج منها أبرز نجوم فلسطين، تحولت إلى ساحات رماد أو مراكز اعتقال.

ومع صمت المؤسسات الرياضية الدولية، يبدو أن الرياضة الفلسطينية تواجه محاولة اقتلاع كاملة، تتجاوز الهدم المادي إلى تدمير الذاكرة والهوية والفرص المستقبلية لجيل كامل.