يرقُب علي الرقب تجاه الغيوم وحركة الرياح، تخفق دقات قلبه وأطفاله، مع تخبط أسوار خيمته القماشية، مع بدء اختفاء الرمل في ساعة الخريف، ورفع الستار عن أول منخفضٍ جوي.
الرقب "45 عاما" يملك من التجهيزات للمنخفض، فأس وبعض الرمال، ليفتح طريقًا لمياه الأمطار، علّه أن يخفف الغرق، ويضع سواترًا حول الخيمة، عساها أن تمنع دخول المياه لمقتنياتهم.
"الله من فوقنا والأرض من تحتنا، وهو ساترنا"، يردد مقلبًا عينيه خوفًا من الغرق وطمعًا في لطف السماء.
يضيف "هذه الخيمة مستصلحة من العام الماضي، غرقنا فيها وفي التي قبلها".
ولا يتمنى جاره إسماعيل منصور احتباس المطر في السماء، لكنه يرجو رحمةً تغنيه والنازحين في الخيام مثله في منطقة "بئر زنون"، من مصيبة قادمة.
"لا ندعو الله أن يحبس المطر بقدر ما ندعوه أن يرحمنا ويخفف عنا في قطعة القماش هذه، يقول منصور لوكالة "صفا" .
يضيف عن منطقة المواصي "الأرض هنا غير مستوية، أمتار مرتفعة وأمتار منخفضة، وهذا يسبّب الكارثة، فلا المطر يسير في طريقه ولا نملك ما نتخلص به منه".
ومع بدء انحسار الوقت في ساعة رمل الخريف، يواجه الغزيون أو منخفض جوي،ك يتمركز في المنطقة ثلاثة أيام، ستهطل فيها كميات وفيرة من الأمطار مقارنة بهذا الشهر الخريفي.
كابوس التجمد
"رياح ومطر وخيمة، أي بني آدمي له أن يتخيل كيف يكون الحال"، يقول النازح محمد شاهين.
وبأكياس معبئة بالرمال أحاط شاهين خيمة مهترئة، لا يبدو أن تلك الأكياس ستُجنبها ضربات الرياح وسيول الأمطار، في ليالي المنخفض الطويلة، وما سيتبعه.
يضيف "أعلم أن لا مفرّ من الأمر، ففي لمح البصر تطير هذه الخيمة ونغرق ونتعرى، لكن رحمة الله أكبر".
إيمان العبد، أرملة تعيل أربعة من الأطفال توفي والدهم قبيل الحرب، احتضنتهم طوال الإبادة، وكانت لحافهم في ثلاث شتويات مرّت وهم تحت وطأة الخيام.
"في كل ليلة أستودعهم الله قبل نومي"، تقول محتضنة أصغرهم "جنى" ذات الثلاث سنوات.
وبصوت مهتز تردد "راح بيتنا في أول نزحة لنا من القرارة، وطول الحرب ونحن في الخيام، راح الصيف الثالث وجاء الشتاء".
وتخشى من ليالي الشتاء القادمة أن "يتجمد واحد من أطفالي في الليل، فأموت قبله"، تردد وتستحضر حالات لأطفال توفوا من البرد في خيام النازحين في عامي الحرب.
وفي شتاء العام الماضي قضى ما يزيد عن 15 طفلًا داخل خيام النازحين بغزة، بسبب موجات البرد القارس.
وتحتاج غزة ما يزيد عن 300 ألف خيمة، وقبل أيام قال منسق حكومة الاحتلال إنها سمحت بدخول ألف خيمة للقطاع، الذي أصبح 80% من سكانه بلا مأوى ويقيمون في خيام بسبب حجم الدمار الذي سببته حرب الإبادة على مدار عامين.
