بعد التصعيد.. سكان القدس الشرقية يتوقون للهدوء والاستقرار

5097e7cb7fbd65481d5512b3ce60a386.jpeg

لأنها مدينة القدس العتيقة، التي لم تُطفئ نورها بعدما أهدته للعالم أجمع طوال السنوات الماضية، وبقيت منارة للشرق الأوسط، ورمزا للقضية الفلسطينية، هي مدينة الصلاة وليلة القدر، وهي المدينة التي يُحيي أبناؤها المسيحيون قيامة نبيهم، هي التي جمعت بين المسلمين والمسيحيين وجميع الأطياف والأمم، يتوق سكانها لشيء مهم هذه الأيام وهو الهدوء والاستقرار ضمن حياتهم اليومية، بعد التصعيد الأخير بين إسرائيل وايران، وبعد سلسلة من التوترات والمعاناة التي أفرزتها الحروب وخاصة حرب غزة المستمرة منذ تسعة عشر شهرا، والتي لم تكن القدس بعيدة عنها.

ولا يمكن تجاهل البعد الإنساني والتاريخي للقدس الشرقية في قلب الصراع، حيث عاشت مؤخرا أزمات أمنية واقتصادية متزامنة، تقف وراءها أطراف إقليمية ودولية، وعلى رأسها حركة حماس وإيران، اللتان تسعيان لتوسيع نفوذهما في الساحة الفلسطينية بطرق مختلفة، غير أن الثمن للأسف كان يدفعه المدنيون، لا سيما في أحياء القدس الشرقية، حيث تأخذ المعاناة طابعا يوميا، مثل إغلاق للطرق، تعطيل المدارس، ركود اقتصادي، وتوتر دائم، لا يمر يوما إلا وقد ذاق أهلها جزءا منه.

وعلى الرغم من ضبابية المستقبل السياسي والأمني في فلسطين عامة والقدس الشرقية خاصة، إلا أن أهالي المدينة المقدسة يعبّرون عن رغبتهم الصادقة في العودة إلى روتين حياتهم السابقة والهدوء والاستقرار، إنه ليس روتينا بالمعنى السلبي للكلمة، بل روتين الحياة الطبيعية الذي كان يشمل فتح المحال التجارية صباحا دون قلق، إرسال الأطفال إلى مدارسهم بأمان، والجلوس في المقاهي دون ترقّب صافرات الإنذار.

الحقيقة، هي أنه في كل مرة يخفت فيها وهج القضية تعطي القدس شرارة النور لتضيء كل فوانيس عتمة السياسة وصمت العرب والعالم، وتعيد فرض القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية كقضية مشتعلة، لأن شعبية وحضور إسرائيل الجهة المحتلة يتراجع على مستوى العالم إلى الدرجة التي بات بعض مريديها يخجلون من إعلان تأييدهم.

ولكن على أرض الواقع، فإن تكرار التصعيدات والتوترات، والاشتباك المستمر بين الفاعلين الإقليميين والمحليين، يحرم سكان القدس الشرقية من الشعور بالاستقرار، خصوصا وأن معدلات البطالة في المدينة شهدت ارتفاعا ملموسا، في حين أن الاستثمارات في البنية التحتية والخدمات تراجعت، مما زاد من مشاعر الإحباط، لكن الأمل مازال حاضرا، يراه المرء في إصرار الناس على متابعة حياتهم، في الأسواق المفتوحة رغم الخطر.

إن الطريق إلى الاستقرار لن يكون سهلا بكل تأكيد، والتحديات ستستمر فهذه طبيعة المدينة المقدسة، نتيجة تداخل العوامل السياسية والدينية والاقتصادية، لكن صوت سكان المدينة واضح: كفى صراعات بالوكالة، كفى دفعًا باتجاه التطرف. آن الأوان لعودة الهدوء، والبدء في بناء حياة أكثر عدلا وإنسانية.

فهل يستطيع أحد إطفاء كل هذا النور للمدينة المقدسة؟ تلك مشكلة إسرائيل في قراءة دروس التاريخ التي ترسب فيها كل مرة، وكل مرة تسجّل فيها القدس نجاحها بامتياز مع مرتبة الشرف في الاستمرار في العيش والحياة والسلام والاستقرار، بل واضاءة النور لكل العالم..