بين حسابات الحرب ومعاناة الشعب: مفارقات الواقع في غزة

2-7-730x438.jpg

علاء مطر

منذ السابع من أكتوبر، والعالم يراقب الحرب في غزة بصدمة، بين هول المجازر الإسرائيلية التي لم تستثنِ طفلاً ولا شيخًا، وبين واقعٍ مرير يعيشه أكثر من مليوني إنسان، باتوا بين نار القصف الإسرائيلي، وسندان الحصار والمجاعة.

طوال عام ونصف من الدمار، كانت الرواية السائدة أن حماس فوجئت برد الفعل الإسرائيلي، وأن حجم الرد كان أكبر مما توقعته، ولكن مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار، واتمام عملية تبادل الأسرى، وظهور المشاهد التي رافقت تسليم الأسرى الإسرائيليين، بات واضحًا أن الأمور أكثر تعقيدًا مما كنا نعتقد.

بمجرد سريان اتفاق وقف إطلاق النار، وبدء تسليم أول دفعة من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، حتى ظهرت العروض العسكرية والتي كشفت عن إمكانيات حماس بعد عام ونصف من القصف والتجويع، بات واضحًا أن الحقيقة مختلفة تمامًا.

فما شاهدناه من عروض يؤكد لنا أن الحركة كانت تدرك تمامًا حجم الرد الإسرائيلي، وعملت على حماية نفسها وتأمين قدراتها العسكرية قبل الحرب وخلالها، بينما لم يكن الشعب ضمن حساباتها، ولذلك نجد اليوم أن المدنيين هم من يدفعون الثمن الأكبر، حيث يواجهون مجاعة قاتلة، ويفتقدون لأبسط مقومات الحياة، بينما بقيت الحركة قادرة على الاستعراض بقوتها رغم كل الدمار.

المشاهد التي رافقت تسليم الأسرى الإسرائيليين أظهرت حجم التنظيم والانضباط داخل الحركة "معدات ثقيلة، جرافات، أخشاب، جلود، طباعة متقنة، أسلحة، زي عسكري نظيف، جيبات مجهزة، توابيت مُصنعة بعناية، وانضباط أمني صارم"، كل ذلك بعد عام ونصف من القصف والحصار.

لا أحد ينكر أن إسرائيل مارست جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الفلسطينيين، لكن السؤال الأهم هنا: ماذا فعلت قيادة غزة لحماية شعبها خلال هذه المحرقة؟ كيف استطاعت الحركة تأمين احتياجاتها العسكرية في حين تُرك المدنيون ليواجهوا الموت جوعًا وبردًا؟ كيف توفرت الإمكانيات لصناعة توابيت وتسليم الأسرى بطريقة منظمة، بينما لا يجد الناس في غزة ما يدفنون به موتاهم؟

هذه الأسئلة لا تعني تبرئة الاحتلال أو التقليل من جرائمه، لكنها تفرض علينا مواجهة الحقيقة كما هي، دون مجاملات أو شعارات، الشعب الذي ضحى بكل شيء يستحق قيادة تفكر في مستقبله، لا أن تتركه يتضور جوعًا بينما هي تستعرض قوتها.

الواقع في غزة لم يعد يحتمل التأجيل أو التبرير، وأصبح لزاما على قيادة حماس أن تتحمل مسؤولياتها تجاه الناس، وأن تسخّر إمكانياتها لإنقاذ من تبقى على قيد الحياة، لا أن تتركهم يموتون ببطء، إذا كانت قادرة على تأمين احتياجاتها رغم الحرب، فلا عذر لها في ترك المدنيين بلا غذاء أو مأوى.

في النهاية، غزة ليست مجرد ساحة معركة، بل موطنٌ لمليوني ونصف المليون مواطن الذين يستحقون الحياة بكرامة، أما القيادات فسيحكم عليها التاريخ ليس فقط بما أنجزته عسكريًا، بل أيضًا بما فعلته -أو لم تفعله- لحماية شعبها.