حماس أمام الشعب..خياران أحلاهما مرّ!!

علاء مطر

بعيدا عن "فنتازيا" اللواء الدويري وقناة الجزيرة، ومثقفي المقاهي المكيفة في الدوحة وإسطنبول، لابد من أن نسأل أنفسنا سؤال مهم: أين كنا وماذا حققنا..إلى متى ستبقى حماس في مواجهة الشعب الفلسطيني وطموحاته، بعد أكثر من 470 يوما من حرب الإبادة التي لا تتوقف؟ ماذا لو فشلت المفاوضات بين حماس وإسرائيل هذه المرة؟ أكاد أجزم بأن الأغلب سيجيب بأن صمود الشعب الفلسطيني بغزة حطم كل المؤامرات، وصبره على الضيم كان سببا في صمود حماس بمواجهة أعتى جيوش العالم.. جيد..هل تتفقون معي بأن الشعب "استوى" وأنه لم يعد باستطاعته الصمود والصبر على حماقة حماس أكثر؟

أي عاقل يتابع الأحداث جيدا وبشكل منطقي، يدرك بشكل لا شك فيه، أن الشعب أدى ما عليه من صمود وتضحية وصبر لم يشهد له التاريخ، فهو ضحى بدمائه حتى ارتوت أرض قطاع غزة به، وضحى ببيوته حتى أنه لم يعد هناك بيوت واقفة، وضحى بكرامته حتى بات في خيام لا تصلح للعيش الآدمي، وضحى بأبنائه حتى بات أغلبهم في سجون الاحتلال، فماذا تطلبون منه أن يقدم أكثر من ذلك؟

ومنذ السابع من اكتوبر، تواصل قيادة حماس التي تتنقل من الدوحة الى إسطنبول، الحديث عن بطولات وإنجازات مزيفة، وتتجاهل معاناة اكثر من اثنين مليون فلسطيني في القطاع، امتهنت كرامتهم وآدميتهم، من إسرائيل وحماس على حد سواء.

على حركة حماس أن تنظر جيدا لأرض الواقع بغزة، وأن تعود الى رشدها بأن الوطن أهم من كل الأحزاب وأن الشعب وكرامته وأمنه أهم من كل القيادات التي تعيش في الخارج ولا تشعر بالمواطن ولا تعاني معاناته، ولا تعيش ما يعيشه الشعب من ذل وبهدلة يومية.

صحيح أن سكان القطاع بقوا صامتين على تفرد حركة حماس بحكم غزة منذ 17 عاما، وفشلهم الذريع في إدارة القطاع، والفساد المالي والإداري، وحصار مشدد وفقر مدقع بسببها هي، التي كان عناصرها وقياداتها يعيشون حياة "رغيدة"، لكن الأكيد أن الشعب بغزة لن يبق صامتا بعد هذه الحرب، ولن يسمح لأن يقودها يحيى السنوار الذي خرج قبل سنوات من سجون إسرائيل، وليس لديه أي تجربة سياسية أو أفق بالسياسة والقيادة، بل أخذ الأمر كأنه شخصي وأن الذي يديره هو بيته وليس شعبا كاملا، وانكشف بأنه عديم الخبرة في أي قضايا استراتيجية كبيرة.

لن يصمت سكان غزة بعد الآن على حالة المزاجية التي تعاني منها حماس، ففي أي وقت تراه مناسبا من طرفها هي فقط، يطلقون صواريخ، ثم يقررون بكل عبثية أيضا اطلاق مسيرات العودة التي تسببت بقطع أطراف ألاف الشباب ومقتل المئات، لن يبق الشعب صامتا على دفع ثمن أخطاء حماس المغامرة بكل القضية وليس بشعب غزة فقط.

ومن المنطق، أن يتدنى سقف مطالب حركة حماس، لأجل أن تمر صفقة تبادل مرحلية، وتخفيف معاناة شعبها في غزة، الذي مازالت الصواريخ تنهال فوق رؤوسهم في كل دقيقة تمر دون التوصل الى اتفاق ينهي هذه المعاناة.

أجزم لقادة حماس أن سكان غزة لن يقولوا أن المقاومة قد انهزمت، ولن تلوم حماس على أي تنازل تقدمه في الوقت الحالي، لأن أهل قطاع غزة وخصوصا أهالي الشمال الذين يعانون من التجويع غير المسبوق، مستعدون الآن لاطلاق سراح جميع هؤلاء المحتجزين مقابل كيس طحين يطعمون به أبنائهم ووقف مسلسل الموت اليومي.

أعلم أنه ليس هناك وقت محدد لعمل مراجعات عظمى مع حماس، ولكن المنطقي هو أننا بحاجة الى عمل تغذية راجعة لكل سلوكنا السياسي والعسكري، فأين كنا وماذا حققنا؟ وهل يجب النظر في برامجنا وسلوكنا؟

ندائي لقادة حماس.. ليس من الخطأ مراجعة أسباب الدخول في معركة عسكرية ضخمة، في السابع من أكتوبر، والمكتسبات السياسية المحققة من ورائها، وما تم هدره من طاقة وقوة وسنوات اعداد، وليس انتهاء بتدمير الحاضنة الشعبية والبيئة المحيطة..ليس خطأ الاعتراف بالخطأ ولكن المصيبة هو الإصرار عليه، فلقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه "الاعتراف بالخطأ فضيلة"..كفى مكابرة ومعاندة وارحموا هذا الشعب!!

ورغم هذا الخطأ الجسيم غير محسوب العواقب، يرى قادة حماس أن "الاعتراف بالخطأ فضيلة" مقولة لا تناسبهم أبدا حتى الآن، رغم أن البشر غير معصومين من الخطأ، حتى الأنبياء والرسل غير معصومين من الخطأ أيضا في الأمور الدنيوية، ويواصلون المكابرة والعناد، ويرفضون الاعتراف بالخطأ، ويغامرون منذ حرب 2008 مرورا بحروب 2012 و2014 و2021 السابقة التي أضرت بالقضية الوطنية، الى أن وصلنا الى عملية السابع من أكتوبر الماضي، والتي كانت خطأ كبيرا، لأنها أعطت إسرائيل مبررا أمام العالم لتنفيذ ما كان يخطط له لغزة وكل القضية الوطنية.

لازلت أجزم بأن حماس ستكون خارج المشهد السياسي الفلسطيني بعد انتهاء حرب غزة، وهذا ما تخطط له إسرائيل والدول الغربية وحتى بعض الدول العربية، فهل تنقذ القطاع من إبادة مستمرة منذ 15 شهرا، أن أنها ستواصل عنادها أمام آلة الحرب التي لا تتوقف..