قال تقرر لمنظمة العفو الدولية، إن إسرائيل فتحت أبواب الجحيم والدمار على الفلسطينيين في غزة بصورة سافرة ومستمرة مع إفلات تام من العقاب منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأكدت العفو الدولية أن لديها أدلة وافية تثبت أن إسرائيل ارتكبت ولا تزال ترتكب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وقال التقرير:" لقد تسببت القوات الإسرائيلية في تدمير غير مسبوق، على مستوى وسرعة لم نشهدهما في أي صراع آخر في القرن الحادي والعشرين، حيث سوت مدن بأكملها بالأرض ودمرت البنية التحتية الحيوية والأراضي الزراعية والمواقع الثقافية والدينية، مما جعل مساحات كبيرة من غزة غير صالحة للسكن."
وأضاف:" لقد قُتل 42 ألف فلسطيني، بما في ذلك أكثر من 13300 طفل، وأصيب أكثر من 97 ألف شخص آخرين، وكثير منهم في هجمات مباشرة أو عشوائية متعمدة، مما أدى في كثير من الأحيان إلى محو عائلات بأكملها من أجيال متعددة."
وأشار التقرير الى أن حكومة الاحتلال فرضت ظروفاً معيشية في غزة أدت إلى خلق مزيج قاتل من سوء التغذية والجوع والأمراض، وعرضت الفلسطينيين لموت بطيء مدروس. مشيرا أن حكومة الاحتلال قامت بإخضاع مئات الفلسطينيين من غزة للاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
وأكد التقرير أن" هذه الانتهاكات تشكل في حد ذاتها انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي أو القانون الدولي لحقوق الإنسان. ولكن إذا نظرنا إلى الصورة الأوسع للحملة العسكرية الإسرائيلية والتأثير التراكمي لسياساتها وأفعالها، فإننا نستنتج أن هناك نية إبادة جماعية."
وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “يثبت تقرير منظمة العفو الدولية بوضوح أن إسرائيل ارتكبت أفعالًا تحظرها اتفاقية منع الإبادة الجماعية، بقصد خاص ومحدد وهو تدمير الفلسطينيين في قطاع غزّة. وتشمل هذه الأفعال قتل الفلسطينيين في قطاع غزّة، وإلحاق أذى بدني أو نفسي بهم، وإخضاعهم عمدًا لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي. على مدى شهور، ظلّت إسرائيل تعامل الفلسطينيين وكأنهم فئة دون البشر لا يستحقون حقوقًا إنسانية ولا كرامة، وأظهرت أنَّ قصدها هو تدميرهم المادي”.
وأضافت أنياس كالامار: “يجب أن تكون نتائجنا الدامغة بمثابة صيحة تنبيه للمجتمع الدولي: هذه إبادة جماعية، ولا بد أن تتوقف الآن”.
“يجب على الدول التي تواصل توريد الأسلحة لإسرائيل في هذا الوقت أن تدرك أنها تخل بالتزامها بمنع الإبادة الجماعية، وأنها عرضة لأن تصبح متواطئة في الإبادة الجماعية. ويجب أن تتحرك فورًا جميع الدول التي تمتلك نفوذًا على إسرائيل، وخاصة أهم الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، ولكن أيضًا الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من أجل إنهاء الفظائع التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين”.
وقال التقرير "خلال الشهرين الماضيين، اشتدت حدّة الأزمة بوجه خاص في محافظة شمال غزّة، حيث يكابد السكان المحاصرون التجويع والتهجير القسري والإبادة وسط القصف المتواصل عليهم بلا هوادة والقيود الخانقة التي تحول دون وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح إليهم.
وقالت أنياس كالامار: “لقد أظهرت أبحاثنا أن إسرائيل استمرت لعدة أشهر في ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية، وهي تدرك تمامًا ما تلحقه بالفلسطينيين في قطاع غزّة من أضرار لا يمكن جبرها. وقد تمادت في ذلك ضاربة عرض الحائط بما لا حصر له من التحذيرات بشأن الأوضاع الإنسانية الكارثية، وبالقرارات الملزمة قانونًا من محكمة العدل الدولية التي تأمر إسرائيل باتخاذ تدابير فورية لتمكين المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المدنيين في قطاع غزّة”.
وأضافت أنياس كالامار: “لقد ظلّت إسرائيل تزعم مرارًا أنّ أفعالها مشروعة، ويمكن تبريرها بهدفها العسكري المتمثل في القضاء على حماس. ولكن قصد الإبادة الجماعية يمكن أن يكون قائمًا إلى جانب الأهداف العسكرية، ولا يتعيّن بالضّرورة أن يكون هو القصد الأوحد لدى إسرائيل”.
وقد فحصت منظمة العفو الدولية أفعال إسرائيل في قطاع غزة عن كثب وفي مجملها، آخذة بعين الاعتبار تكرارها وتزامن حدوثها، وكلًا من آثارها الفورية وعواقبها التراكمية التي يعزز بعضها بعضًا. وأخذت المنظمة في الحسبان حجم وشدة الخسائر البشرية والتدمير على مر الزمن، كما حللت التصريحات العلنية الصادرة عن المسؤولين، وتبيَّن لها أن الأفعال المحظورة كثيرًا ما أعلن عنها أو طالب بها في المقام الأول مسؤولون رفيعو المستوى مسؤولون عن جهود الحرب.
وقالت أنياس كالامار: “إذا أخذنا بعين الاعتبار السياق القائم من قبل الذي ارتُكبت فيه هذه الأفعال، من التجريد من الممتلكات، والأبارتهايد، والاحتلال العسكري غير المشروع، نجد أنفسنا أمام استنتاج واحد منطقي لا مفر منه، وهو أن قصد إسرائيل هو التدمير المادي للفلسطينيين في قطاع غزّة، سواء كان ذلك بالتوازي مع هدفها العسكري المتمثل في تدمير حماس أم باعتباره وسيلة لتحقيق هذا الهدف”.
وأضافت“ إن الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ضد الإسرائيليين والضحايا من جنسيات أخرى، بما في ذلك عمليات القتل الجماعية المتعمدة وأخذ الرهائن، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسوّغ الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في القطاع”.
ويقر فقه القانون الدولي بأنّ ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ليس مرهونًا بنجاح الجاني في مسعاه لتدمير الجماعة التي تحظى بالحماية، سواء كليًا أم جزئيًا؛ بل يكفي ارتكاب الأفعال المحظورة بقصد تدمير الجماعة بصفتها هذه.
ويعاين تقرير منظمة العفو الدولية بالتفصيل انتهاكات إسرائيل في قطاع غزّة على مدى التّسعة أشهر التي انقضت بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأوائل يوليو/تموز 2024. وأجرت المنظمة مقابلات مع 212 شخصًا، من بينهم ضحايا وشهود فلسطينيون وأفراد من السلطات المحلية في قطاع غزّة وعاملون في مجال الرعاية الصحية، كما أجرت أبحاثًا ميدانية وعكفت على تحليل مجموعة واسعة من الأدلة المرئية والرقمية، بما فيها صور الأقمار الصناعية. وحللت المنظمة أيضًا تصريحات كبار المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين والمسؤولين العسكريين، والهيئات الرسمية الإسرائيلية؛ وأطلعت السلطات الإسرائيلية على نتائجها مرات عديدة، ولكنها لم تتلقَ أي رد جوهري منها حتى وقت نشر التقرير.
نطاق وحجم لم يسبق لهما مثيل
أدّت أفعال إسرائيل في أعقاب الهجمات المميتة التي شنتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى دفع سكان قطاع غزّة إلى شفا الانهيار. فحتى 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أدى هجومها العسكري الوحشي إلى مقتل أكثر من 42,000 فلسطيني، من بينهم أكثر من 13,300 طفل، وإصابة ما يزيد على 97,000 آخرين، سقط الكثيرون منهم في هجمات مباشرة أو عشوائية متعمدة، أسفرت في كثير من الأحيان عن إبادة عائلات متعددة الأجيال بأكملها. وخلّف هذا الهجوم دمارًا لم يسبق له مثيل، يقول الخبراء إنه حدث بمستوى وسرعة لم يشهد العالم مثيلًا لهما في أي صراع آخر في القرن الحادي والعشرين؛ إذ أتى على مدن بأكملها حتى سوّاها بالأرض، ودمر المرافق الحيوية للبنية التحتية والأراضي الزراعية والمواقع الثقافية والدينية؛ مُحرقًا الأخضر واليابس في قطاع غزّة حتى أحال مناطق واسعة منه إلى أرض خراب غير صالحة للعيش.
ووصف محمد، الذي فرّ هو وعائلته من مدينة غزّة إلى رفح في مارس/آذار 2024، ثم هُجّروا مرة أخرى في مايو/أيار 2024، ما واجهوه من مشاق للبقاء على قيد الحياة في ظروف مروّعة:
“كأنه يوم القيامة هنا في دير البلح. ما من متسع لتنصب خيمتك فتضطر لنصبها على الشاطئ. عليك أن تحمي أطفالك من الحشرات، من الحر، بدون مياه نظيفة، لا مراحيض، كل هذا والقصف لا يتوقف. بتحس إنك مش بني آدم هان [هنا]”.
وفرضت إسرائيل ظروفًا معيشية في القطاع خلقت مزيجًا من سوء التغذية والجوع، والمرض، وساقت الفلسطينيين إلى موت بطيء ومتعمد. كذلك أخضعت إسرائيل المئات من الفلسطينيين من القطاع للاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
وتُعدّ بعض الأفعال التي شملها تحقيق منظمة العفو الدولية، عند النظر إليها بمعزل عن غيرها، انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان. ولكن إذا ما أُخذت بعين الاعتبار صورة الحملة العسكرية الإسرائيلية في مجملها، وما ترتب على سياسات إسرائيل وأفعالها من آثار تراكمية، فعندئذٍ يتجلى قصد الإبادة الجماعية باعتباره الاستنتاج المنطقي الوحيد.
قصد التدمير
للتحقق من أنّ القصد الخاص لإسرائيل هو التدمير المادي للفلسطينيين، بصفتهم هذه، عكفت منظمة العفو الدولية على تحليل النمط العام لسلوك إسرائيل في قطاع غزّة، وما صدر عن مسؤولي الحكومة والجيش الإسرائيليين، وخصوصًا أرفعهم، من تصريحات تجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتطالب بإبادتهم الجماعية، وأخذت بعين الاعتبار سياق نظام الأبارتهايد الإسرائيلي والحصار غير الإنساني للقطاع والاحتلال العسكري غير المشروع للأرض الفلسطينية منذ 57 عامًا.
وقبل استخلاص استنتاجاتها، نظرت منظمة العفو الدولية في ادعاءات إسرائيل بأنّ جيشها استهدف حماس وغيرها من الجماعات المسلحة في مختلف أنحاء قطاع غزّة بصورة مشروعة، وأنّ الدمار غير المسبوق الناجم عن ذلك ومنع وصول المعونات كانا نتيجة للسلوك غير المشروع من جانب حماس وغيرها من الجماعات المسلحة، مثل وضع المقاتلين بين السكان المدنيين أو تحويل وجهة المساعدات. وخلصت المنظمة إلى أن هذه الادعاءات عديمة المصداقية. فوجود مقاتلي حماس بالقرب من منطقة مكتظة بالسكان أو داخلها لا يعفي إسرائيل من التزاماتها التي تستوجب اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لدرء الأخطار عن المدنيين وتجنيبهم الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة. وتبيَّن للمنظمة من خلال أبحاثها أنّ إسرائيل تقاعست عن الوفاء بهذه الالتزامات المرة تلو الأخرى، فارتكبت العديد من الجرائم التي يشملها القانون الدولي والتي لا يمكن تبريرها بالتذرع بأفعال حماس. كذلك، لم تعثر المنظمة على أي دليل على أن تحويل وجهة المساعدات كان سببًا للقيود المفرطة والمتعمدة التي فرضتها إسرائيل على إيصال المساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح.
وفي إطار تحليلها، أخذت المنظمة بعين الاعتبار أيضًا الحجج البديلة مثل تلك القائلة بأن إسرائيل كانت تتصرف بتهور أو أنها لم تكن تبالي ببساطة إن كانت بحاجة لتدمير الفلسطينيين في غضون هذه العملية، مما يظهر استخفافًا قاسيًا بأرواحهم، وليس قصد إبادتهم الجماعية.
وقالت:" لكن بصرف النظر عما إذا كانت إسرائيل ترى في تدمير الفلسطينيين وسيلة لتدمير حماس أو تحصيلًا حاصلًا مقبولًا لتحقيق هذا الهدف، فإن مجرد النظر إلى الفلسطينيين على أنهم طرف يمكن التخلص منه أو أنهم غير جديرين بأي اعتبار هو في حد ذاته دليل على قصد الإبادة الجماعية."
وكانت الكثير من الأفعال غير المشروعة التي وثقتها منظمة العفو الدولية مسبوقة بتصريحات للمسؤولين تحث على تنفيذها. وقد اطلعت منظمة العفو الدولية على 102 من التصريحات التي أدلى بها مسؤولون في الحكومة والجيش الإسرائيليين، وغيرهم، خلال الفترة بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و30 يونيو/حزيران 2024، وكانت تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم أو تحض على ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية أو غيرها من الجرائم ضدهم أو تسوق مبررات لها.
وحددت المنظمة 22 من هذه التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين عن إدارة الهجوم العسكري التي تدعو إلى ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية أو تبررها، مما يقدم دليلًا مباشرًا على قصد الإبادة الجماعية. وتكرر ترديد مثل هذه اللغة بكثرة، بما في ذلك على ألسنة الجنود الإسرائيليين في الميدان، كما يشهد على ذلك المحتوى السمعي المرئي الذي تحققت منه منظمة العفو الدولية، حيث يظهر الجنود وهم يطالبون بـ “محو” غزّة أو جعلها أرضًا خرابًا غير صالحة للعيش، ويحتفلون ويهللون لتدمير منازل الفلسطينيين، ومساجدهم، ومدارسهم، وجامعاتهم.
القتل وإلحاق أذى بدني أو نفسي خطير
وثّقت منظمة العفو الدولية أفعال إبادة جماعية في قطاع غزّة تتمثل في قتل الفلسطينيين وإلحاق أذى بدني ونفسي بهم، من خلال الاطلاع على نتائج التحقيقات التي أجرتها بشأن 15 غارة جوية وقعت خلال الفترة بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و20 أبريل/نيسان 2024، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 334 مدنيًا، من بينهم 141 طفلًا، وجرح مئات آخرين. ولم تعثر المنظمة على أي أدلة على أن أيًا من هذه الغارات كانت موجهة لهدف عسكري.
ومن الأمثلة التوضيحية الغارة التي شنتها إسرائيل في 20 أبريل/نيسان 2024، فدمرت منزل عائلة عبد العال في حي الجنينة شرقي رفح، وأسفرت عن مقتل فلسطينيين من ثلاثة أجيال، من بينهم 16 طفلًا، بينما كانوا نيامًا.
ولئن كانت هذه الحالات لا تمثل سوى غيض من فيض تلك الغارات الجوية الإسرائيلية، فإنها تشير إلى نمط أوسع من الهجمات المباشرة المتكررة على المدنيين والأعيان المدنية أو الهجمات العشوائية المتعمدة. كما أن الهجمات قد شُنّت بأساليب يراد بها إيقاع عدد كبير جدًا من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.
إخضاع الفلسطينيين لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي
يوثق التقرير تعمّد إسرائيل إخضاع الفلسطينيين في قطاع غزّة لظروف معيشية يراد بها أن تؤدي، شيئًا فشيئًا، إلى تدميرهم. وقد فُرضت هذه الظروف من خلال ثلاثة أنماط متزامنة فاقمت الآثار المدمرة لبعضها البعض بصفة متكررة، وهي: تخريب وتدمير مرافق البنية التحتية الداعمة للحياة، وغيرها من الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة؛ والاستخدام المتكرر لأوامر “الإخلاء” الجماعي الواسعة النطاق، والتعسفية، والمبهمة بهدف التهجير القسري لجميع سكان قطاع غزّة تقريبًا؛ وحرمانهم من الخدمات الأساسية، والمساعدات الإنسانية، وغيرها من الإمدادات اللازمة لإنقاذ الحياة، وعرقلة إيصالها إلى القطاع وبداخله.
فبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فرضت إسرائيل حصارًا تامًا على قطاع غزّة، ومنعت عنه الكهرباء والماء والوقود. وخلال الأشهر التسعة التي يتناولها هذا التقرير، واصلت إسرائيل حصارًا خانقًا غير مشروع على القطاع، وفرضت رقابة صارمة على سبل الوصول إلى مصادر الطاقة، وتقاعست عن تيسير السبل المجدية لإيصال المساعدات الإنسانية للقطاع، ومنعت استيراد وإيصال السلع والمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، وبخاصة إلى المناطق الواقعة شمال وادي غزّة؛ وبذلك فاقمت إسرائيل أزمة إنسانية كانت قائمة من قبل. وأدت هذه القيود، مقترنة بالأضرار الجسيمة التي لحقت بالمنازل والمستشفيات ومرافق المياه والصرف الصحي، والأراضي الزراعية في قطاع غزّة، والتهجير القسري الجماعي، إلى مستويات كارثية من الجوع، وتفشي الأمراض بمعدلات مثيرة للقلق البالغ. وكانت الآثار المترتبة على ذلك قاسية وشديدة الوطأة بوجه خاص على الأطفال الصغار والحوامل أو المرضعات، وبات من المتوقع أن تكون لها عواقب على صحتهم على المدى البعيد.
ومرة تلو الأخرى، سنحت لإسرائيل الفرصة لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزّة، ولكنها ظلت ترفض مرارًا وتكرارًا على مدى أكثر من عام اتخاذ خطوات تقع بشكل واضح ضمن سلطتها، مثل فتح نقاط العبور الكافية إلى القطاع، أو رفع القيود الصارمة عمّا يمكن إدخاله إلى القطاع، أو عرقلتها لإيصال المساعدات داخل القطاع في الوقت الذي ظلت فيه الأوضاع تزداد سوءًا على سوء.
ومن خلال أوامر “الإخلاء” المتكررة، هجّرت إسرائيل نحو 1,9 مليون فلسطيني -أي 90% من سكان قطاع غزّة- إلى جيوب من الأرض آخذة في التقلص وغير آمنة، تحت ظروف لاإنسانية، وبعضهم هُجّروا عشر مرات. وبسبب هذه الموجات المتعددة من التهجير القسري، أصبح الكثير من الفلسطينيين عاطلين عن العمل، كما خلفت لديهم صدمات ومعاناة نفسية عميقة، خاصة وأن نحو 70% من سكان غزّة هم لاجئون أو أبناء وأحفاد لاجئين، تعرضت بلداتهم وقراهم لحملة تطهير عرقي نفّذتها إسرائيل أثناء نكبة عام 1948.
ورغم أن الظروف السائدة سرعان ما أصبحت غير صالحة للحياة البشرية، رفضت السلطات الإسرائيلية النظر في أي تدابير من شأنها أن توفر الحماية للمدنيين المهجّرين، وتكفل تلبية احتياجاتهم الأساسية، مما يُظهر أن أفعالها كانت متعمدة.
ورفضت السماح للمهجرين بالعودة إلى ديارهم في شمال القطاع أو إعادة توطينهم مؤقتًا في مناطق أخرى من الأرض الفلسطينية المحتلة أو في إسرائيل، وظلّت تحرم الكثير من الفلسطينيين من حقهم في العودة بموجب القانون الدولي إلى المناطق التي هُجّروا منها عام 1948. وقد فعلت إسرائيل ذلك وهي تدرك أنه ما من مكان آمن للفلسطينيين في قطاع غزّة يمكنهم الفرار إليه.
المساءلة عن الإبادة الجماعية
قالت أنياس كالامار: “إن التقاعس المُدوّي والمشين من جانب المجتمع الدولي على مدى أكثر من عام عن الضغط على إسرائيل لحملها على وضع حد لفظائعها في قطاع غزّة، أولًا من خلال تأخير الدعوات لوقف إطلاق النار، ثم الاستمرار في توريد الأسلحة، هو وصمة عار على ضميرنا الجمعي وسيظل كذلك”.
“يجب على الحكومات أن تكفّ عن التظاهر بالعجز عن وضع حد للإبادة الجماعية التي أصبحت ممكنة بسبب عقود من إفلات إسرائيل من العقاب عن انتهاكاتها للقانون الدولي. يتعين على الدول أن تفعل أكثر من مجرد إطلاق التصريحات التي تعبر عن الأسف أو الاستياء، وأن تتخذ إجراءات دولية قوية ومستدامة، مهما كان ثبوت ارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية مزعجًا لبعض حلفائها”.
“يمنح صدور أمرين من المحكمة الجنائية الدولية باعتقال كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الشهر الماضي بارقة أمل للضحايا بتحقّق العدالة التي طال انتظارها. يجب على دول العالم أن تُظهر احترامها لقرار المحكمة وللمبادئ العالمية للقانون الدولي باعتقال هذين المتهمين المطلوبين للعدالة وتسليمهما للمحكمة الجنائية الدولية”.
“إننا نحث مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية على النظر فورًا في إضافة الإبادة الجماعية إلى قائمة الجرائم التي يُحقق فيها، وأن تستخدم جميع الدول كافة السبل القانونية المتاحة لها لتقديم الجناة إلى العدالة. لا ينبغي السماح لأحد بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والبقاء دون عقاب”.
كما تطالب منظمة العفو الدولية بالإفراج عن جميع الرهائن المدنيين دون شروط، وبمحاسبة حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة عن الجرائم التي ارتكبتها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتحث المنظمة مجلس الأمن الدولي أيضًا على فرض عقوبات موجهة على المسؤولين الإسرائيليين ومسؤولي حماس الأكثر ضلوعًا في الجرائم التي يشملها القانون الدولي.