منذ السنة الاولى لسيطرة إسرائيل على مدينة القدس عام 1967 سعت بكل ثقلها الى فرض سيطرتها على المدارس العربية وعلى المناهج الدراسية، حيث كان الرفض والاحتجاج والاضراب قد ادى الى وقف تلك المحاولات حينها.
هذه المحاولات تجددت بالفعل خلال السنوات القليلة الماضية وهذه الأيام، وبدأت تأخذ صداها، وغيرت المناهج الدراسية لبعض الصفوف بشطب فقرات أو دروس من المنهاج الفلسطيني، ثم ادخلت نظام "البجروت" المطبق في مدارسها الى بعض المدارس في القدس عبر المراكز والكليات، فيما كان آخرها إقرار خمسة مدارس مؤخرا نظام التعليم الاسرائيلي لتطبقه فيها العام الدراسي القادم، حيث شهدت القدس الشرقية في السنوات الأخيرة، زيادة ملحوظة في عدد الطلاب الذين يلتحقون بالبرنامج التعليمي الإسرائيلي بدلاً من البرنامج الفلسطيني (التوجيهي). وفقًا لبيانات وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، يتوقع استمرار هذا الاتجاه التصاعدي في العام 2024.
ولا يخفى على أحد أن أسباب تفضيل البرنامج الإسرائيلي على البرنامج الفلسطيني، هو أن الأول يتلقى ميزانيات أكبر، حيث يتم تخصيص ميزانيات عالية للمدارس التي تتبنى البرنامج الإسرائيلي، مما يوفر موارد تعليمية متقدمة، بنية تحتية محدثة، ودعماً إضافياً للطلاب، بالإضافة إلى استخدامه طرق تدريس حديثة، ومبتكرة تشمل التكنولوجيا والتعلم التفاعلي، مما يجذب الكثير من الأهالي الذين يسعون إلى تعليم يواكب العصر، فيما يوفر المنهاج الإسرائيلي خيارات أوسع من المواد الدراسية، مثل البرمجة، الفنون، واللغات الأجنبية، مما يتيح للطلاب آفاقاً أكاديمية ومهنية أوسع.
هذا خلافا للدوافع الاجتماعية والاقتصادية، التي تشمل فرص التعليم العالي والعمل، ليكون هذا البرنامج بوابة لدخول الجامعات الإسرائيلية بسهولة أكبر، والتي تتميز بجودة عالية وتوفر فرص عمل أوسع، بالإضافة الى اتقان اللغة العبرية، وهو أمر ضروري للتفاعل في سوق العمل الإسرائيلي.
وللعلم فإن الضجة المثارة ضد المنهاج الاسرائيلي ترجع الى عدة أسباب، منها انه يلغي اي ذكر لحق الفلسطينيين بالقدس، وتلغي ذكر المعارك والبطولات والشهداء والأسرى، فيما تثبت الرواية الاسرائيلية عن الأرض والتاريخ في ارض فلسطين، وهو ما يثير حالة من الجدل الثقافي والسياسي، في الأوساط المحلية، حيث يرى البعض فيها تهديدًا للهوية الوطنية الفلسطينية.
والحقيقة، أن هناك تفاوت واضح في آراء الأهالي في القدس الشرقية، ففي الوقت الذي يركز فيه البعض على الفوائد العملية للبرنامج الإسرائيلي، يتمسك آخرون بالبرنامج الفلسطيني كجزء من الحفاظ على التراث والثقافة الوطنية.
إن الزيادة في أعداد الطلاب للالتحاق ببرنامج التعليم الإسرائيلي تشير إلى تحول تدريجي في أولويات العديد من الأسر بالقدس الشرقية، حيث يبحثون عن فرص تعليمية أفضل لأبنائهم، حتى وإن كان ذلك يعني التوجه نحو برنامج يتسم بحساسية سياسية واجتماعية.