بعد سلسلة الاغتيالات الي شهدتها مدن طولكرم وجنين في الضفة الغربية مؤخرا، وتعمّد قوات الاحتلال تدمير البنية التحتية والشوارع في المناطق التي يجتاحها، أصبح واضحا زيادة وحشية اسرائيل يوما بعد يوم، وأنها لم يعد لديها خطوطا حمراء أمام الرأي العالمي مثلما كان الوضع سابقا، الأمر الذي يرفع نسبة القلق والخوف عند فلسطينيي الضفة الذين يتابعون يوميا الاعتداءات الإسرائيلية سواء من الجيش أو من قبل المستوطنين الذين أصبحوا فوق القانون وفوق الجيش نفسه.
وعلى عكس ما كان عليه الحال في الماضي، فإن الاحتلال لم يعد يخشى وقوع أي ضرر ضد المدنيين الفلسطينيين، فقد بات شعاره "الهدف يبرر الوسيلة"، فهو يستهدف المسلحين ويقصفهم دون الأخذ بالاعتبار سلامة المدنيين، إن كان يميز أصلا في سياسة القتل التي ينتهجها، الأمر الذي زاد من قلق وغضب أهالي الضفة التي أصبحت النار تلتهب من تحت رمادها.
ورغم ذلك، فإن أهالي الضفة الغربية التي تعيش وضعا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا أفضل بكثير من الوضع الكارثي في قطاع غزة الذي يتعرض للإبادة الوحشية منذ عشرة أشهر، يخشون تكرار سيناريو الإبادة بغزة، رغم سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جر المنطقة بأكملها الى نفس سيناريو غزة وتدمير الضفة وإبادة سكانها، بل وتنفيذ مشروع ضمها الى إسرائيل، وهو المشروع الاستراتيجي الذي يسعى إليه اليمين الإسرائيلي المتطرف منذ نشأة إسرائيل.
ولعل وجود السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، كان نوعا ما صمام أمان لتحول المدن والمخيمات الفلسطينية هناك الى سيناريو غزة، فهي أدركت منذ اللحظة الأولى لظهور المجموعات العسكرية المسلحة في جنين وطولكرم ونابلس وغيرها من المناطق، أدركت السلطة خطورة هذا الأمر، لأنها ترفض العمل العسكري وتنتهج مسار المفاوضات مع اسرائيل، حفاظا على دماء الشعب الفلسطيني، واعترافا منها بحقيقة وحشية إسرائيل وأن الشعب الفلسطيني الأعزل ليس بمقدوره تحدي أقوى جيش في الشرق الأوسط، فاليد لا تواجه المخراز، وهو ما كانت حركة حماس تنتقده باستمرار وتتمسك بقرارها بأن العمل العسكري هو وحده من سينهي الاحتلال، دون النظر الى ما ستؤول اليه الأمور بعد السابع من أكتوبر، حيث القتل والدمار غير المسبوق، حتى أدركت مؤخرا أن نهج السلطة كان أكثر وعيا.
الحقيقة أن السلطة الفلسطينية تحاول كبح جماح بعض المجموعات المسلحة من جر الضفة الغربية الى حرب ضروس مثل ما يجري بقطاع غزة، ومحاولة حقن الدماء قدر المستطاع، فهي مقتنعة بحقيقة أن إسرائيل لا تعترف بالقانون الدولي ولا تضع اعتبارات لأي شيء في العالم أمام وحشيتها وعطشها للقتل والدمار لكل ما هو فلسطيني، كما أن السلطة تدرك تماما الخذلان الذي ستتلقاه من القريب والغريب، فلماذا تضع شعبها في مأزق ولا تعرف كيف تخرج منه دون تحقيق أي أهداف حقيقية مثل ما يجري بغزة تماما.
ولا يمكن إخفاء ارتدادات السابع من أكتوبر، حتى وصلت إلى كافة مفاصل القضية الفلسطينية برمتها سواء بالضفة الغربية أو الداخل أو حتى فلسطينيي الخارج، حتى دفع شعبنا في كل العالم ثمنا لا يُطاق، ولا تتحمله دول كبيرة، الأمر الذي كانت تحذر منه منظمة التحرير، والرئيس أبو مازن، طوال السنوات الماضية، بينما أدركت حركة حماس ذلك متأخرا كعادتها، بعد عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين بغزة.
إن واقعنا الفلسطيني معقد جدا، فنحن تحت احتلال إسرائيلي يسعى لجر المنطقة كلها الى حرب إبادة ينهي القضية الفلسطينية ويضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى حدود إسرائيل التاريخية تحت قيادة حكومة يمينية متطرفة لا تؤمن بوجود الفلسطيني أصلا على هذه الأرض، بينما نعيش تحت ضل قيادة فلسطينية عاجزة حتى الآن عن توحيد الضفة وغزة تحت مسؤولية حكومة واحدة تضم الفصائل كلها، فكيف لهذه القيادة بالضفة وغزة العاجزة عن تشكيل حكومة وحدة وطنية أن تواجه إسرائيل التي شكلت على مدار سنوات الانقسام حكومات يسارية ويمينية ويمينية متطرفة وشكلت مجلسا للحرب وشنت حربا ضروسا على غزة ثم أعادت حله؟ مالكم كيف تحكمون؟