في حملته الانتخابية عام 2015، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه للناخبين باعتباره المرشح الأفضل لضمان أمن إسرائيل وأطفالها.
وفي فيديو دعائي في تلك الحملة، ظهر وهو يقول: “هذه الانتخابات، ستختارون الشخص الأفضل لرعاية أطفالكم”. بل إنه وفي إطار الحملة، كان يطرق أبواب المتزوجين حديثا في إسرائيل ليقول لهم: “أنتم طلبتم بيبي سيتر (جليسة أطفال) وأنا بيبي سيتر” في إشارة إلى اسم شهرته وهو بيبي.
وبعد مرور 8 سنوات على تلك الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء، بدأ منافسوه في استخدام شعاراتها وفيديوهاته ضده، حيث يتم بث تسجيلات نتنياهو وهو يتحدث عن قدرته على ضمان أمن إسرائيل ورعاية أطفالها، وتتخللها مشاهد الأطفال الذين قتلوا أو أصيبوا في الهجوم الذي شنته حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة يوم 7 أكتوبر الحالي.
ويشارك في هذه الحملة التي تستهدف تحميل نتنياهو المسؤولية عن الخسائر التي تكبدتها إسرائيل في هذه الهجمات، ليس فقط خصومه السياسيون، وإنما أيضا الكثير من شركائه السابقين وبعض الرؤوساء السابقين لأجهزة الأمن والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، قال الكاتب إيتان برونر، والكاتبة جاليت ألستاين، إن نقطة التحول في الموقف من نتنياهو بالنسبة للكثيرين في إسرائيل جاءت يوم الأحد الماضي، عندما نشر تغريدة على موقع “إكس”، وتبرأ فيها من المسؤولية عن اقتحام الفلسطينيين للحدود مع غزة، ومقتل 1400 إسرائيلي واختطاف 230 آخرين. وبمجرد أن ألقى المسؤولية على أجهزة الأمن والمخابرات، بدأ التمرد عليه.
ورغم أن نتنياهو الذي يقدم نفسه باعتباره “رجل الأمن” بالنسبة لإسرائيل، حذف هذه التغريدة ونشر اعتذارا عنها بعد ساعات، فإن دعوات استقالته تصاعدت بشدة، لكنه رفض هذه الدعوات وقال: “الشيء الوحيد الذي اعتزم إقالته هو حماس” متعهدا بمواصلة القتال ضد الحركة “حتى ننتصر في المعركة”.
ويقول موشيه يعلون، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق في مقابلة إذاعية، إن رئيس الوزراء “منشغل فقط بالمناورات السياسية وشعاره هو دع الأمة تحترق، وأنا لا أثق في قدرته على قيادة الحملة العسكرية” الحالية ضد حماس.
في المقابل، فإن هجوم حماس خلق في البداية حالة من الوحدة الوطنية في إسرائيل، وشكّل نتنياهو حكومة طوارئ تضم زعيم المعارضة بيني غانتس، وقال إن تحديد المسؤول عن الإخفاق سيأتي بعد الانتصار في المعركة. واستمرت هذه الحالة لمدة ثلاثة أسابيع تقريبا، لكن الأمور بدأت تتغير الآن. ويقول المعارضون إن الرجل الذي أصبح أطول رئيس وزراء بقاء في الحكم في تاريخ إسرائيل، تجاهل نوايا حماس الحقيقية.
وتراجعت نسبة التأييد الشعبي لنتنياهو الذي يحاول المحافظة على بقاء حكومته وتحرير المحتجزين لدى حماس وهزيمتها. وخلال ساعات من الرسالة التي نشرها نتنياهو على موقع إكس، تفجر رد فعل عنيف متجاوزا حدود الانقسامات السياسية. وكان غانتس الذي شغل في الماضي منصب وزير الدفاع، من أوائل الذين طالبوا نتنياهو بالتراجع عن هذه التصريحات.
وقال غانتس عبر موقع إكس: “عندما نكون في حرب، يتعين على القيادة إظهار مسؤوليتها واتخاذ القرارات الصائبة وتقوية قواتنا بأي طريقة تمكنها من إنجاز المطلوب منها… أي تصرف أو بيان آخر من شأنه أن يضر بقدرة الشعب على الصمود وعلى قوته”. وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت عقب هجمات حماس، تدهور شعبية نتنياهو وارتفاع شعبية غانتس.
وفي مقال منشور بصحيفة كاكاليست الإسرائيلية، قال أمنون شاشوا، الشريك المؤسس لشركة “موبيلي إن.في” الإسرائيلية والتابعة لمجموعة إنتل الأمريكية والمتخصصة في وحدات القيادة الذاتية للسيارات، إن “إخفاقات نتنياهو وعدم كفاءته منذ 7 أكتوبر، تقول إنه يجب تغيير هذه الحكومة فورا”. كما خصصت صحيفة هآرتس الإسرائيلية افتتاحية يوم الإثنين الماضي لدعوة نتنياهو للاستقالة.
ولكن بالنسبة للكثيرين من المنتقدين، أصبح نتنياهو قائدا غير موثوق به، منذ اتهامه بالرشوة والاحتيال في أوائل 2020. وفي العام التالي خسر الانتخابات، وتصور كثيرون أن مسيرته السياسية انتهت. لكن منذ عام، استطاع تكوين تحالف من القوميين المتطرفين والأحزاب الدينية وعاد للسلطة من جديد، ولكن سعيه إلى تحصين نفسه من الملاحقة القضائية عبر تعديل النظام القضائي بالكامل، فجّر موجة احتجاجات شعبية استمرت حتى وقعت هجمات حماس.
وعلى الرغم من التفاف الشعب الإسرائيلي حول الحرب على غزة في أيامها الأولى، لم يمر وقت طويل حتى بدأ الكثير من الإسرائيليين يعلنون ازدراءهم لرئيس الوزراء ووزرائه. وفي حين أعرب العديد من المسؤولين داخل الحكومة الإسرائيلية وخارجها عن اعتذارهم عما حدث يوم 7 أكتوبر، فإن نتنياهو لم يعتذر حتى الآن.
وفي مؤتمر صحافي مؤخرا، تركزت كل الأسئلة الموجهة لنتنياهو على ضرورة إعلانه تحمل المسؤولية عن الفشل العسكري الإسرائيلي. ولكن الرجل وبدلا من الاعتذار، بث رسالته التي حمّل فيها أجهزة الأمن والاستخبارات المسؤولية عن الفشل، قبل أن يعود بعد 4 ساعات ويحذف هذه الرسالة.
ولكن سيما كادمون، المحلل المخضرم في صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية، قال إن “نتنياهو أحرز هدفا في نفسه… لقد قدم المبرر الشرعي للجانب الآخر لكي يناقش مدى مسؤولية نتيناهو عما حدث أمام وسائل الإعلام”.