في ذكرى الغزو.. تقرير يكشف كيف دمرت أمريكا جيش العراق وبنيته التحية

صورةٌ للتاريخ.. إنه طريق الموت.. حيث دُمر الجيش العراقي المنسحب، ليس لإلحاق الهزيمة أو لتحرير الكويت، بل بهدف الإبادة الكاملة..

على هذا الطريق قُتل 11000 جندي بلا رحمة، بمن فيهم من الأطباء والمسعفين والمدنيين المرافقين..

وفي الوقت نفسه استُهدفت البنية التحتية المدنية للعراق بشكل متعمد أعاد البلاد 100 عام إلى الوراء بشهادة الأمم المتحدة.
حتى محطات الكهرباء دمّرت بنسبة 96%، وما زال المواطن العراقي يعاني نقص الكهرباء إلى يومنا هذا.

زوايا المشهد

بين الماضي والحاضر تتشابه الصور.. فالعالم يراقب تصعيداً مسعوراً في حرب كسر العظم بين روسيا والغرب في أوكرانيا.
الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها يقدّمون دعماً منقطع النظير لأوكرانيا.. بينما يرفعون الصوت عالياً بالتنديد والاستهجان من الاستهداف الروسي لأوكرانيا.
جو بايدن وغيره من القادة الغربيين يتهمون بوتين بارتكاب جرائم إبادة جماعية في أوكرانيا..
لكن ما نراه ونسمعه يحرض الذاكرة العربية لاستعادة صورة مؤلمة من التاريخ الحديث، تلخص تناقضاً صارخا بين أقوال الغرب وأفعاله العسكرية المدمرة.

بداية الحرب

لم يكن حدثاً عادياً في تاريخ بلاد الرافدين.. في تلك الليلة فُتحت أبواب جهنم..

سماء العراق التهبت بالصواريخ والقاذفات، وظهرت فظاظة النوايا الأمريكية الحقيقية في تلك الحرب التي استمرت 43 يوماً بمعدل 2500 غارة يومياً..

القصف الأمريكي استهدف بمنهجية ودقة عالية كلّ بنية العراق التحتية.. وتحت ذريعة تحرير الكويت، وجد الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جورج بوش الأب الفرصة سانحة للقضاء على كل أشكال الحياة في بلاد الرافدين.

إبادة المدنيين

مجزرة ملجأ العامرية في بغداد، التي وقعت في 13 من فبراير عام 1991، كانت واحدة من أفظع الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية في العراق حينها..

بالقنابل الذكية الموجهة بالليزر دمّر الطيران الأمريكي الملجأ المكتظ بالمدنيين، وكان حصيلته 408 ضحايا..

صحيفة صنداي تايمز البريطانية أكدت أن البنتاغون اعترف لاحقاً بأن ملجأ العامرية الذي قصفه في بغداد، كان يستخدمه مدنيون يبحثون عن الحماية.. 

 هذا الملجأ كان واحداً من عشرات المجازر بحق العراقيين.

طريق الموت

هذه الصور وثّقت صباح 27 من فبراير عام 1991 عندما أمر الرئيس العراقي "صدام حسين" جنوده بالانسحاب من "الكويت" ليل الـ 26 من فبراير بعد وساطة سوفيتية.. واستجابةً لقرار الأمم المتحدة رقم '660' الذي يكفل انسحاب الجيش العراقي بأمان من الكويت..

في اللحظة نفسها كانت إدارة الرئيس الأمريكي بوش الأب قد أمرت قواتها بمحاصرة الرتل العراقي عند الحدود الكويتية العراقية. كان الأمر واضحًا للقوات: "لا تدعوا أي شخص أو أي شيء عائد من الكويت حياً.. وفعلاً قُصف الرتل الضخم بدايةً من الأمام والخلف، وعلى مدى ساعات أُبيد بشكل كامل، تكريساً للهدف الأمريكي في القضاء على الجيش العراقي الذي كان وقتها يصنف في مرتبة متقدمة عالميا في كثير من المؤشرات.

تدمير البنية التحتية

وجدت دراسة استقصائية نشرتها الأمم المتحدة، تُحلل فيها الأضرار التي لحقت بالعراقيين المدنيين بسبب القصف الأمريكي، أن هدف واشنطن كان إعادة العراق إلى عصر ما قبل الصناعة.

وأيدت صحيفة واشنطن بوست تقارير الأمم المتحدة، وذكرت أن القصف الأمريكي على العراق تسبب عمداً في ضرر كبير لقدرات البلاد وعدم نهوضها مجدداً، باستخدام الأسلحة الموجهة بدقة لاستهداف محطات الكهرباء على وجه التحديد، ومصافي النفط وشبكة النقل، وتدمير أكثر من 100 جسر، إلى جانب شبكات خطوط السكك الحديدية ومحطات الراديو والتليفزيون.

 البنتاغون اعترف في وقت لاحق بأنه هدم عمداً البنية التحتية للكهرباء في العراق، وأدى ذلك إلى خفض مستوى توليد الطاقة في البلاد بعد الحرب بنسبة 96 %، مما أعادها إلى المستوى الذي كانت عليه عام 1920.

وفعلاً إلى اليوم يعاني العراق من أزمة الكهرباء.

تداعيات كارثية طويلة الأمد

تعرض العراق خلال الحرب للقصف بأكثر من مئة ألف طن من المتفجرات، بما في ذلك مئات الأطنان من ذخائر اليورانيوم المخصّب، مما أدى إلى تشوهات خلقية وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان.. والضرر البيئي الذي لا يزال العراقيون يعانون منه حتى يومنا هذا.
فريق الصحة العامة بجامعة هارفارد حقق في تداعيات الحرب وقتها ووجد أن العراق يعاني من سوء التغذية الحاد، وارتفاع في مستويات الأوبئة، وأمراض الكوليرا والتيفوئيد، وأن ما لا يقل عن 170 ألف طفل عراقي دون سن الخامسة، مهددون بالوفاة.

غزو العراق 2003

قامت أمريكا باختلاق حجج كاذبة لشن حرب أخرى مدمرة على العراق، وهذه المرة كانت بهدف الغزو الذي تسبب بمقتل حوالي 670 ألف عراقي.
دراسة أعدتها مجلة لانسيت الطبية البريطانية أثبتت أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق والوفيات التي تسبب بها الحصار الخانق في الفترة من 1991 إلى 2003 أودت بحياة 1.9 مليون عراقي.

ثم من عام 2003 وصعوداً قُتل حوالي مليون عراقي، وتراوحت بشاعة الطرق التي قتل فيها هؤلاء الضحايا ما بين دفن عشرات الآلاف من الجنود الأحياء في خنادقهم، والموت بسبب الحرمان من الغذاء والدواء، وصولاً إلى استهداف المدنيين بغارات عشوائية مكثفة... وليس انتهاءً بجرائم التعذيب في سجن أبو غريب.

العراق ليس الشاهد الوحيد على وحشية أمريكا وجرائمها بحق الإنسانية، فهناك فيتنام وأفغانستان وغيرهما من البلدان التي عانت ويلات الحروب الأمريكية، التي تدافع الآن عن قيم الحرية والعدالة وتتبنى مفاهيم جرائم الحرب في ما يحدث في أوكرانيا..
لكن الواقع يكشف تناقضا صارخا ما بين الأقوال والأفعال.. والنوايا المبيتة.