كيف تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في اندلاع أزمة غذاء عالمية؟

إن أزمة الغذاء العالمية الحالية ليست مجرد مشكلة مؤقتة سببتها الحرب الروسية الأوكرانية، ولكنها نتيجة حتمية لتطور نظام الغذاء الدولي على مدى المائتي عام الماضية، فهي أزمة طويلة الأجل متأصلة في تطور الرأسمالية العالمية.

مع تقدم الوضع في أوروبا الشرقية وتطور الحرب الروسية الأوكرانية عاد انتباه العالم إلى تلك الأزمة، هذه الحرب بلا شك متورطة للغاية فروسيا وأوكرانيا مصدران مهمان للغاية للحبوب الغذائية، لذا فإن الحرب الحالية لها تأثير كبير على مشكلة الغذاء في جميع أنحاء العالم، في الواقع إن الارتفاع الحالي في أسعار القمح في السوق الدولية قد لحق بمستوى أزمة سوق الغذاء العالمية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

قال الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" إن الصراع بين روسيا وأوكرانيا يؤدي إلى تفاقم الأزمة الثلاثية للغذاء العالمي والطاقة والتمويل، مما يؤثر على الدول والاقتصادات الأكثر ضعفاً في العالم، إن تأثير الصراع عالمي ومنهجي، ومن المرجح أن يتعرض ما يصل إلى 1.7 مليار شخص لاضطرابات في الغذاء والطاقة والنظم المالية التي تؤدي إلى تفاقم الفقر والجوع.

روسيا وأوكرانيا هي سلة الغذاء في العالم

من منظور صناعة الغذاء العالمية، فإن الحرب الروسية الأوكرانية هي بلا شك معركة بين مخازن الحبوب الكبيرة على الأرض، فأوكرانيا هي رابع أكبر مصدر للحبوب في العالم وتعرف باسم "مخزن الحبوب في أوروبا"، فهي تمتلك ربع مساحة الأرض السوداء وتبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في السهول الكبرى حوالي 42.56 مليون هكتار وتزود 400 مليون شخص في العالم بالغذاء.

في العام الماضي بلغت الصادرات الزراعية الأوكرانية 27.7 مليار دولار بزيادة قدرها 25% على أساس سنوي، من بينها، يبلغ حجم تصدير القمح 20 مليون طن وهو ما يمثل 9.85% من الاجمالي العالمي مما يجعلها خامس أكبر مصدر للقمح، ويبلغ حجم تصدير الشعير 5.8 مليون طن وهو ما يمثل 16.67% من العالم مما يجعلها ثالث أكبر مصدر للشعير، يبلغ حجم تصدير الذرة 27.5 مليون طن وهو ما يمثل 13.74% من الإجمالي العالمي مما يجعلها رابع أكبر مصدر للذرة، بالإضافة إلى ذلك، تعد أوكرانيا أيضًا أكبر مصدر لزيت عباد الشمس في العالم حيث يمثل إنتاجها 28.6% من الإجمالي العالمي، وتمثل صادرات زيت عباد الشمس 50% من الإجمالي العالمي.

أما روسيا فهي تعد ثالث أكبر مصدر للحبوب في العالم والمصدر الرئيسي للحبوب في دول الشرق الأوسط وأفريقيا، تتوزع الأراضي الصالحة للزراعة في روسيا بشكل أساسي في المنطقة الوسطى ومنطقة الفولجا والجنوب، وتبلغ مساحتها المزروعة 126 مليون هكتار ويبلغ إنتاج الحبوب السنوي أكثر من 130 مليون طن.

في العام الماضي، بلغت الصادرات الزراعية الروسية 37.7 مليار دولار أمريكي بزيادة سنوية قدرها 23.6%، من بينها، يبلغ حجم تصدير القمح 32 مليون طن وهو ما يمثل 15.76% من الإجمالي العالمي مما يجعلها ثاني أكبر مصدر في العالم، ويبلغ حجم تصدير الشعير 4.5 مليون طن وهو ما يمثل 12.93% من الإجمالي العالمي مما يجعلها رابع أكبر مصدر للشعير، أما صادرات الذرة فتبلغ 4.5 مليون طن وهو ما يمثل 2.25 % من الصادرات العالمية.

يبلغ إجمالي إنتاج القمح من روسيا وأوكرانيا 108.16 مليون طن ما يمثل 25.6% ​​من إجمالي الصادرات العالمية، أما إجمالي إنتاج الشعير يبلغ 27.4 مليون طن ما يمثل 29.6% من إجمالي الصادرات العالمية، وتمثل إجمالي صادرات الذرة 19% من الإجمالي العالمي من البلدين، وإجمالي صادرات زيت عباد الشمس 80% من العالم.

كيف تسببت الحرب في أزمة الغذاء؟

1 .انخفاض إنتاج الحبوب في أوكرانيا

ألحقت الحرب أضرارًا بالغة بالبنية التحتية في أوكرانيا وبعض الأراضي الصالحة للزراعة، وأخرت وقت الزراعة والإنتاج وقللت بشكل مباشر من إنتاج الحبوب في أوكرانيا، وفقًا لتقديرات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، فإن 20% إلى 30% من الحبوب الشتوية والذرة وبذور عباد الشمس قد لا تُزرع أو تُحصد في أوكرانيا هذا العام، ويقدر أحدث تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن إنتاج القمح العالمي سينخفض ​​بنسبة 20% هذا العام بسبب الوضع الحالي في أوكرانيا.

2 .المعركة الشرسة في منطقة ودونغ التي أعاقت الإمدادات الغذائية

حاصر الجيش الروسي موانئ مثل أوديسا وأغلق قناة البحر الأسود المسؤولة عن 90% من صادرات الحبوب الأوكرانية، اليوم لا يمكن شحن كميات كبيرة من القمح وفول الصويا والذرة خارج ميناء أوديسا.

قال الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" مؤخرًا إن أوكرانيا قد تخسر عشرات الملايين من الأطنان من الحبوب بسبب استمرار حصار روسيا لموانئ أوكرانيا على البحر الأسود، مما ستؤدي إلى أزمة غذائية ستؤثر على أوروبا وآسيا وأفريقيا.

3 .تقيد روسيا وأوكرانيا صادرات الحبوب

أعلنت روسيا حظرًا مؤقتًا على تصدير القمح والجاودار والشعير والذرة وغيرها من الحبوب إلى "دول غير صديقة"، كما فرضت أوكرانيا قيودًا على تصدير الحنطة السوداء والجاودار والأرز والشوفان.

4 .ارتفاع أسعار الطاقة

أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى ارتفاع أسعار الأسمدة، الأمر الذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار تجارة السلع الغذائية، لقد أدت الحرب إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط والغاز الطبيعي وهو المصدر الرئيسي لصناعة لأسمدة، في الوقت نفسه، تعد روسيا وبيلاروسيا الموردين الرئيسيين للأسمدة، ويشكل إنتاج وتصدير أسمدة البوتاس من البلدين 40% من الإجمالي العالمي.

أزمة في الأسمدة الزراعية

ارتفع مؤشر أسعار الأسمدة الذي يقدمه البنك الدولي إلى 237.6 في مارس بزيادة 1.3 مرة عن العام السابق، مسجلًا مستوى مرتفعًا جديدًا منذ عام 2008، ارتفع سماد كلوريد البوتاسيوم إلى 562 دولار للطن في مارس بزيادة قدرها 1.8 مرة مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق، كما ارتفعت أسعار اليوريا 1.6 مرة إلى حوالي 907 دولارات للطن.

ارتفعت أسعار الأسمدة العالمية وخفض المزارعون مشترياتهم من الأسمدة مما أدى بدوره إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، وتتوقع شركة Nutrien أكبر منتج للبوتاس في العالم انخفاض شحنات البوتاس العالمية إلى ما بين 60 مليون و 65 مليون طن في عام 2022.

في أمريكا الشمالية أظهر مسح وزارة الزراعة الأمريكية الذي صدر في نهاية شهر مارس أنه من المتوقع أن تنخفض مساحة زراعة الذرة التي يتم تسميدها بنسبة 4%، وفي أمريكا الجنوبية من المتوقع أن ينخفض ​​إنتاج البرازيل السنوي من فول الصويا بنسبة 14% إذا تم تقليل استخدام البوتاس بنسبة 20%، وفي آسيا حذر المركز الدولي لتطوير الأسمدة (IFDC) من أن المزارعين في الدول الآسيوية مثل الهند وبنغلاديش وإندونيسيا يقللون من استخدامهم للأسمدة مما قد يؤدي إلى انخفاض بنسبة 10% في محصول الأرز في الموسم المقبل أي ما يعادل حوالي 36 مليون طن أرز، وفي أفريقيا لاحظ المركز الدولي لتطوير الأسمدة (IFDC) أن استخدام الأسمدة في أفريقيا قد انخفض بنسبة 30% مما قد يقلل من إنتاج الحبوب الأفريقية بمقدار 30 مليون طن.

ما الدول التي ستتأثر بأزمة الغذاء؟

عادة، تؤدي زيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 1% إلى وقوع 10 ملايين شخص في براثن الفقر المدقع، على غرار أزمات الغذاء في التاريخ تتحمل الدول الأكثر تهميشًا والأكثر ضعفًا في العالم العبء الأكبر، وهذه المرة ستتضرر تلك الدول بشكل مباشر وسريع.

وجهات تصدير الحبوب لروسيا وأوكرانيا هي بشكل رئيسي الشرق الأوسط وأفريقيا، فكل من كينيا وجيبوتي وإريتريا والسودان وبوروندي وأوغندا والصومال ورواندا ودول أفريقية أخرى تستورد 90% من وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، وتستورد كل من مصر وتركيا وبنغلاديش وسوريا أكثر من 60% من وارداتها من القمح، ويعتمد لبنان وتونس واليمن وليبيا أيضًا بشكل كبير على القمح من هذين البلدين.

من المتوقع أن تضرر تلك الدول السابق ذكرها بشدة من تداعيات تلك الأزمة، فعلي سبيل المثال: مصر التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة تعتمد بشكل أساسي من القمح من روسيا وأوكرانيا، يتم استيراد 60% -85% منه من روسيا، بعد اندلاع الحرب ارتفع سعر دقيق القمح في مصر بنسبة 20% وانخفض مخزون القمح عن ثلاثة أشهر، ومن المرجح أن تسقط في أزمة غذائية، مثال آخر هو لبنان وسريلانكا اللتان غرقتا في أزمة اقتصادية وكارثة إنسانية، يتم استيراد 90% من القمح اللبناني من روسيا وأوكرانيا وتبلغ قيمة الواردات الغذائية السنوية 800 مليون دولار أمريكي، لكن هذا البلد ليس لديه الكثير من النقد الأجنبي لاستيراد القمح والآن ثلاثة أرباع السكان يعيشون في فقر، أما سيرلانكا فقد تعثرت الديون السيادية لها وليس هناك ما يكفي من العملات الأجنبية لاستيراد الطاقة والغذاء والدواء، كما اندلع عدد كبير من المتظاهرين الساخطين والحكومة في اشتباكات خطيرة في الشوارع.