رام الله الإخباري
تصادف اليوم الذكرى ال20 لمعركة ومجزرة نيسان الشهيرة في مخيم جنين، والذي تعرض لهجمة اسرائيلية شرسة، ضمن حملة “السور الواقي” التي أعلنها وقادها رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أرئيل شارون، والتي قال حينها إن الهدف منها “كبح جماح المقاومة وتصفيتها ووقف عملياتها واحتلال أراضي السلطة الوطنية وتدمير مقراتها”.
وشهد مخيم ومدينة جنين، معارك عنيفة بين وحدات الاحتلال وفصائل المقاومة التي توحدت أجنحتها المقاتلة تحت إطار غرفة العمليات المشتركة التي خاضت معارك عنيفة على مدار أسبوعين، انتهت بارتكاب مجزرة اسرائيلية، استشهد فيها 63 مواطنًا بينهم 23 مقاومًا، منهم مجموعة من قادة المعركة والمقاومة ونساء وأطفال ومرضى ومعاقين، بينما اعترف الاحتلال بمقتل 32 جنديًا واصابة العشرات بعدما هدم 400 منزل بشكل كامل و800 منزل بشكل جزئي، وشرد المئات من العائلات، واعتقل المئات ومنهم قادة ومقاتلي المعركة الذين ما زال العشرات منهم يقضون أحكامًا عالية بالسجون تصل للمؤبدات.
ووسط استعدادات، اللجنة الشعبية للخدمات والفصائل ومؤسسات وفعاليات المخيم في الذكرى، بعدة مبادرات وأنشطة، استهدف الاحتلال المخيم، بهجمة جديدة قبل يوم واحد من ذكرى تلك المعركة، وقد تصدت المقاومة لقواته في اشتباكات مسلحة عنيفة، وصفها من عاصروا الأحداث، بأنها شبيهة بمعركة المخيم، معتبرين ذلك رسالة جديدة للاحتلال تؤكد فشله في القضاء على المقاومة التي لن تتوقف ما دام هناك احتلال ولجوء.
ويتذكر أهالي المخيم، كالأسير المحرر جمال الزبيدي، بداية الهجوم على المخيم في الساعة الثانية من فجر 2-4-2002، ويقول: “في ظل استمرار عمليات المقاومة الفدائية، رغم الحصار وعمليات الاغتيال، وعجز الاحتلال من كبح جماح الانتفاضة، قرر تنفيذ حملة السور الواقي، فأرسل المئات من الدبابات والجنود المعززة بالمجنزرات وفرق المشاة من الوحدات المختارة للمخيم الذي قرر الصمود والثبات، فالتزم الأهالي منازلهم وشكلوا الحاضنة للمقاومة التي خاضت معركتها على مدار أسبوعين”.
خلال تلك الفترة، وصف شارون المخيم “بعش الدبابير وعاصمة الانتحاريين”، بعدما نفذ عدد من أبناء المخيم عمليات فدائية في الداخل، وأمام فشل الجدار والحصار وعمليات الاغتيال في وقف العمليات التي كانت تنطلق من المخيم، حيث كان يتواجد العشرات من المطلوبين والمقاتلين من الأجنحة العسكرية للفصائل، وتهديدات الاحتلال بهجوم واسع، توحدت المقاومة وشكلت غرفة العمليات العسكرية التي انضم إليها مجموعة من ضباط وأبناء الأجهزة الأمنية، والذين قرروا خوض المعركة موحدين، واتفقوا على الصمود وعدم مغادرة المخيم والقتال حتى آخر نفس.
قبيل الموعد المحدد للعملية، توزعت فرق المقاومة على مداخل المخيم، ونصبت السواتر والحواجز ووزعت العبوات المصنعة محليًا، والتي تميز بها المخيم ومقاتليه الذين تمتعوا بمعنويات عالية، وأقسموا على الصمود والقتال مهما كان الثمن، وبعد ساعتين من مسيرات داعمة للمقاومة في جنين والمخيم، اندلعت المعركة، ويقول الزبيدي ” غطاء من الطائرات، بدأت دبابات الاحتلال بالزحف نحو جنين والمخيم، حيث كان يتوزع المقاتلين والفرق المتعددة كل في مجال مهامها، وكانت الدقائق الأولى حاسمة، فقد جوبه الاحتلال بمقاومة عنيفة، وتصدت المقاومة للاحتلال على كافة المداخل، وتوقفت الدبابات أمام سيل الرصاص والقذائف، فتعرض المخيم للقصف، فدمر الاحتلال محولات الكهرباء ووسائل الاتصال والتواصل، وحاصر المخيم بالكامل، وقسمت الدبابات جنين لعدة أجزاء، ورغم ذلك، لم تتوقف المقاومة”.
تعالت التكبيرات والأصوات في المخيم، ولم يتراجع الأهالي والمقاومة حتى أشبال العبوات أمام المخاطر بعدما غص المخيم في ظلام دامس، ويقول المحرر نضال البدوي “كان القرار الموحد بمنع الاحتلال من دخول المخيم، وتمكنت المجموعات المقاتلة من صد العدوان والصمود أمام القصف وإطلاق النار من الدبابات والطائرات، وكلما كان يتعالى أزيز الرصاص تشتد المقاومة وترتفع المعنويات، فإعاقة تقدم الاحتلال رفع المعنويات وشحنها، وفشلت جميع محاولات الاحتلال لإحداث فتحة في جدار المقاومة التي تصدت لجميع عمليات التسلل، وتوقف الاحتلال وعجز عن الدخول لقلب المخيم أمام ضراوة المواجهات والتفجيرات لعدة أيام”.
في اليوم الأول من المعركة، استشهد قائد كتائب شهداء الأقصى زياد العامر، خلال خوضه اشتباكًا مع قوات الاحتلال، وبحسب الشهود، تقدم العامر المطارد منذ بداية انتفاضة الأقصى صفوف المقاومين، واشتبك مع الجنود حتى تمكن من إصابة أحدهم، وعندما حاول الوصول لسلاحه، أصيب واستشهد على الفور، ثم سقط المزيد من الشهداء، ورغم الخسارة الكبيرة للمقاومة باستشهاد العامر، فإن الاشتباكات اشتدت وشكل استشهاده دافعًا لمواجهة أعنف مع الاحتلال الذي بقي عاجزًا عن تحقيق هدف العملية.
تدخلت الطائرات وبدأت بقصف عنيف أغرق المخيم في ظلام دامس وقطع المياه ووسائل الاتصال، ومنع الاحتلال طواقم الاسعاف من دخول المخيم، وأغلق الطرق أمام الصحفيين ووسائل الإعلام التي لم تجد طريقًا للمدينة والمخيم، لكن المقاومة لم تتوقف رغم توالي سقوط الشهداء، ومما ميز المشهد التفاف أهالي المخيم حول المقاومة ورفضهم مغادرة منازلهم التي فتحوها أمامها للتنقل والتحرك للإفلات من القصف الذي أوقع إصابات في صفوف المقاومين والمدنيين الذين نزف بعضهم في الشوارع حتى استشهد، لأن الاحتلال منع نقلهم للمشفى القريب من المخيم، وحظر على سيارات الاسعاف التنقل”.
يروي المحرر البدوي، أنه أمام عجز الاحتلال عن وقف المقاومة، ومع احتلال المنازل على أطراف المخيم والمطلة عليه، واحتجاز المواطنين بما فيهم نساء وأطفال وعزلهم عن العالم في وقت بدأت تشح فيها المياه والطعام وحتى حليب الأطفال، حضر شارون ووزير حربه للمخيم، ووقف على جبل الجابربات المطل إليه، وسط حالة ذهول وصدمة من صمود المقاومة وثباتها وإلحاقها أفدح الخسائر في الجنود، وأصدر تعليماته باستبدال الجيش، وأرسل المئات من جنود الوحدات المختارة، لكن المعركة لم تتوقف، وكلما اشتد الحصار، يرد المخيم برفض الاستسلام والتراجع.
في غضون ذلك، اعترف الاحتلال بوقوع جنوده في الكمائن في عدة أحياء ومنازل، أهمها كمين انتهى بمقتل 13 جنديًا، حاصرتهم المقاومة بقيادة قائد سرايا القدس محمود طوالبة في أحد المنازل، واشتبكوا معهم حتى تفجر المنزل، وقد طلب الاحتلال هدنة حتى تمكن من إخلاء جنوده، وفي عدة مواقع رصد الأهالي صرخات الجنود وبكائهم أمام شدة الاشتباكات ووقوعهم في كمائن ومناطق زرعتها المقاومة بالعبوات المصنعة محليًا، وقد رد الاحتلال على ذلك بتكثيف غاراته وعمليات القصف من الطائرات والدبابات على كل جسم يتحرك، مما أدى لسقوط المزيد من الشهداء بينهم المواطنة يسرى أبو خرج والتي تعاني من إعاقة وأمراض عدة، حيث طالها الرصاص داخل غرفتها في الطابق الأخير من منزلها في المخيم، كما شوهدت دبابات الاحتلال، تدوس على جثمان الشهيد جمال الصباغ دون مراعاة استشهاده”.
مع استمرار العملية والحصار المشدد على المدينة والمخيم، رفض الاحتلال نداء المؤسسات الدولية لإدخال الطواقم الطبية لإسعاف وانقاذ الجرحى ونقلهم للمشافي، وطارد الطواقم الصحفية ولم يسمح لها بالتغطية، بينما بدأت تتعالى نداءات الأسر المحاصرة والتي استخدم عدد من أفرادها كدروع بشرية، لكن الاحتلال أكمل حملته وطالت المدنيين في منازلهم كما حدث مع المواطنة مريم وشاحي والتي أفاد ابنها، أن الاحتلال أطلق النار والقذائف، وفوجيء بإصابة والدته وهي تجهز الخبز والطعام للمقاومين داخل مطبخها على مشارف المخيم، وقال: “رغم أن الهلال الاحمر والمشفى لا يبعدان عن منزلنا سوى مسافة قصيرة، عجزت الطواقم الطبية عن الوصول لمنزلنا، ونزفت والدتي حتى استشهدت وبقيت أمامنا في المنزل لعدة أيام، بينما استشهد شقيقي لؤي خلال مشاركته في مقاومة الاحتلال مع أشبال العبوات الناسفة”.
خلال ذلك هاجم الاحتلال المخيم من أحد المداخل وسط إطلاق نار كثيف، وقد أصيب الشاب أحمد البدوي بالرصاص، وبحسب والدته “لم يكن مسلحًا أو مقاومًا، وعندما اشتد القصف خرج لاستطلاع الوضع والمساعدة في انقاذ المصابين، فأصيب مع هجوم الاحتلال، واضطر الأهالي لتركه داخل منزل ليسعفه الجنود الذين شوهدوا ينقلونه على حمالة لجهة مجهولة”.
وتضيف: “بعد 20 عامًا، ما زال مصير أحمد مجهولاً .. الاحتلال أنكر اصابته واعتقاله رغم اعترافه في البداية بذلك، ولم نعثر على جثته بين أنقاض المخيم أو في قوائم الأسرى، وأبكي كل يوم على ابني الذي لا نعرف مصيره”.
من الصور المؤلمة التي لا ينساها أهالي المخيم، عمليات الهدم والتدمير التي نفذها الاحتلال في منازلهم، فبعد العجز عن وقف الاشتباكات وتصفية المقاومين، اأسل الاحتلال البلدوزرات الأميركية الضخمة والتي بدأت بهدم المنازل فوق رؤوس الأهالي، كما حدث مع جمال الفايد الذي يعاني من إعاقة، ويقول شقيقه: “عندما بدأ الاجتياح، لم تتمكن والدتي المسنة من إخراج شقيقي جمال الذي يعاني من إعاقة منذ صغره ولا يمكنه مغادرة فراشه، وعندما بدأت البلدوزرات بالهدم، قفزت والدتي رحمها الله وبعض النساء أمامها، وحاولوا وقف السائق، لكنه رفض وأكمل هدم المنزل على شقيقي الذي اختفى، وحتى اليوم لم نعثر على جثمانه، وما زال مصيره مجهولاً، وتوفيت والدتي حزينة وتبكي على ابنها الأحب لقلبها والذي قضت عمرها ترعاه وتعالجه”.
في الأسبوع الثاني من المعركة، اشتد رحى المعارك، واستبسلت المقاومة في التصدي للاحتلال، رغم سقوط عدد من قادتها، بينهم قائد كتائب القسام الشهيد محمود أبو حلوة، وتوزع المقاومين بين المنازل، ينصبون الكمائن ويفجرون العبوات التي كانت تفاجئ الجنود كما يروي المحرر محمود السعدي الذي اعتقل خلال المعركة “فلم يكن هناك أدنى تفكير بالتراجع أو الفرار من المخيم أو الاستسلام، ورغم انقطاع المواد الغذائية وتأثر الاتصالات، وعمليات القصف، استمرت المقاومة في التصدي والدفاع عن المخيم حتى بدأت المجزرة من خلال عمليات الهدم الواسعة”.
فيما تقول المواطنة أم رمزي “نجوت وأسرتي من الموت بأعجوبة، فقد فوجئنا بالمنزل يهتز، وكانت الصدمة رؤية الجرافات تقوم بهدم المنازل دون الطلب منا مغادرته، قفزنا وهربنا إلى جنين، وفي الطريق احتجزنا الجنود قبل أن يسمحوا للنساء فقط بالمرور، بينما اعتقل الذكور من سن 14 عامًا وما فوق”.
خلال ذلك، حاول الاحتلال حصار المقاومين ودفعهم لمناطق في مرمى الدبابات والطائرات، وكان قائد سرايا القدس محمود طوالبة مع رفاقه في حي جورة الذهب، أقسموا على القرآن الكريم بالمقاومة حتى الرمق الأخير ورفض الهرب، وخلال تصديهم، استهدف الاحتلال المنزل الذي تحصنوا فيه بقذائف أدت لانهياره وإصابتهم، فاستشهد مع رفاقه بعدما تعرض للمطاردة منذ بداية انتفاضة الأقصى.
توالى سقوط الشهداء، ورفضت المقاومة رفع الراية البيضاء، فوقع الضابط في الأمن الوطني أبو جندل الذي انضم لصفوف المقاومة، لكمين احتلالي بعدما قاتل ورفاقه بشراسه، وأكدت المواطنة أم علي عويس، أنه بعد إصابة أبو جندل برصاص الاحتلال خلال قتاله، رفض الجنود اسعافه وأعدموه بدم بارد فوق أنقاض المخيم الشاهد على بطولاته، لكن المعركة لم تتوقف رغم توالي سقوط الشهداء.
في غضون ذلك، وبينما تصدرت أحداث جنين ومعركة المخيم الأنباء على مستوى العالم، بدأت تلوح في الأفق، معالم قرار إسرائيلي بارتكاب مجزرة بدأت فصولها الأولى، كما يروي الشاهد جمال الزبيدي الذي حوصر بمنزله في جورة الذهب واستشهد ابن شقيقه القائد في سرايا القدس طه الزبيدي، بينما استمر أبناء شقيقه زكريا ويحيى الزبيدي القتال مع باقي المقاتلين، دخلت البلدوزرات، وشرعت بعمليات الهدم انطلاقًا من ساحة المخيم وحي جورة الذهب وصولاً لحي الحواشين حيث كانت المقاومة ما زالت صامدة.
وروت المواطنة لينا السعدي، أن الجنود هدموا بوابات وواجهات منزلها ولم يسمعوا صرخاتها واستغاثة والدتها المسنة والعجوز، وتضيف: “شعرنا أن الموت يحاصرنا عندما شاهدت المنزل ينهار، وبدأت بالصراخ مع والدتي، لكن الجنود لم يهتموا واستمروا في الهدم، وبفضل رب العالمين نجونا لكن بقينا محتجزين ومحاصرين لعدة أيام دون طعام وشراب حتى انسحب الاحتلال ووصل إلينا الصحفيون وانقذونا وأخرجونا بمساعدة الأهالي”.
ثار العالم والقيادة الفلسطينية والقوى والفصائل، أمام الأخبار التي أكدت بدء المجزرة في المخيم، لكن إسرائيل وبعد الخسائر الكبيرة التي منيت فيها إثر وقوع العشرات من الجنود بين قتلى وجرحى، واصلت صب حمم غضبها على المخيم وأهله، فاستمرت البلدوزرات في الهدم وتشريد الأهالي، وقد طلب الجنود من الأهالي مغادرة منازلهم ورفع أيديهم، وتقول المواطنة أم إبراهيم: “خرجنا من منازلنا وسط خوف ورعب، فقد كان الدمار في كل مكان، وسط حصار الدبابات، وعزل الجنود الشبان والرجال بمن فيهم المسنين الذين أرغموهم على التعري، لم يراعوا وجود نساء وانسانيتهم، وشعرنا أننا أمام نكبة جديدة”.
تحت القصف وتهديد السلاح، غادرت النساء والأطفال المخيم سيرًا على الأقدام في مشهد أعاد لهم صور النكبة، وتفرق شمل العائلات التي طاردها الجنود نحو المدينة والبلدات والقرى المجاورة حتى زبوبا ورمانة والطيبة واليامون، وسط مشاعر الخوف والهلع بعدما اعتقل الجيش كل الذكور ونقلهم لمعسكر سالم غرب جنين.
وتركزت المعركة في فصلها الأخير وسط المخيم، وفي آخر منزل بين الركام الهائل وكأن المنطقة تعرضت لزلزال، فقد تحصنت آخر مجموعة من المقاتلين والأهالي في المنزل الذي حاصره المئات من الجنود، ويروي المحرر جمال حويل أحد قادة كتائب شهداء الأقصى في المعركة: “إن عمليات الهدم والقصف، أرغمت المقاتلين على اللجوء لآخر منزل لم يهدم في جورة الذهب، كان بيننا جرحى ونساء وأطفال، لكن رفضنا تسليم أنفسنا وقررنا إكمال المعركة .. وأمام خوفنا على حياة ومصير المدنيين وتهديدات الاحتلال بقصف المبنى، وجهت نداءاً عبر قناة الجزيرة لإنقاذ الجميع ومنع الاحتلال من ارتكاب مجزرة، ورفضنا التفاوض إلا من خلال الرئيس ياسر عرفات رغم حصاره في المقاطعة، وبدأ تحرك كبير من الرئيس والقوى وعدة منظمات إنسانية ودولية، وبعد جهود كبيرة، وافقنا على الخروج وانهاء المعركة لكن رفضنا الخضوع لشروط الاحتلال الذي طلب منا الخروج عراة”.
اصطف الجنود في طابور طويل، لمتابعة مشهد اعتقال آخر دفعة من المقاتلين، ومن المشاهد التي يرويها حويل الذي اعتقل وقضى 7 سنوات، أن قائد العملية الإسرائيلية، وقف أمامهم وأدى التحية العسكرية للمقاتلين الذين صمدوا وقاموا جنوده ببسالة، وتعرض المعتقلون للضرب والتنكيل حتى نقلوا لأقبية التحقيق وصدرت بحقهم أحكام منها المؤبد عدة مرات لبعضهم.
المشاهد التي ظهرت بعد انسحاب الاحتلال من المخيم بعد التدمير والقتل والمجزرة، أثارت غضب المجتمع الدولي الذي شكل لجنة تحقيق رفض الاحتلال استقبالها والسماح لها بدخول المخيم، كما منع إدخال معدات وأدوات لإزالة الأنقاض والبحث عن ضحايا ومفقودين، فحفر الأهالي الأنقاض بأيديهم ومعدات بسيطة، وعثروا على جثمانين وأشلاء لعدد من الشهداء، بينما سجل للمقاومة، نجاة مجموعة منهم، كان بينهم زكريا الزبيدي أحد قادة كتائب الأقصى، حيث تخفوا تحت أنقاض منزل بعدما هدمته الجرافات حتى انتهت المجزرة التي أدانها العالم واعتبرها جريمة ووصمة عار في جبين إسرائيل التي أعاقت بناء المخيم الذي وصف الرئيس عرفات صموده مع المدينة بجنين جراد، وقد هبت الجماهير الفلسطينية من كافة أرجاء الوطن والداخل لإغاثة ونجدة أهالي المخيم، بينما قدم الرئيس الشهيد صدام حسين مكرمة مالية للكثير من العائلات التي هدمت منازلها، وقد أعيد بناء المخيم بتبرع ودعم من سمو الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أمير دولة الامارات العربية المتحدة.
في الذكرى ..
وعاد أهالي المخيم لمنازلهم ولحياتهم، وأعادت المقاومة ترتيب صفوفها وانطلقت مجموعات جديدة من الأجنحة العسكرية التي ما زالت تقاتل رغم الاغتيالات والاعتقالات، وفي الذكرى، قال أمين سر اقليم حركة فتح في محافظة جنين عطا أبو ارميلة: “شعبنا ما زال يحمل رايات شهداء المخيم وأهله الذين سطروا ملاحم بطولية في مقاومة الاحتلال في معركة سيبقى التاريخ يخلد فصولها ولوحاتها في ظل الصمود البطولي أمام الاحتلال”.
وأضاف أبو ارميلة: “سر الانتصار والصمود على أرض المخيم الوحدة الوطنية التي جسدتها فصائل المقاومة التي قاتلت على قلب رجل واحد، ونحن بأمس الحاجة لهذه الوحدة والتلاحم لإكمال المشوار أمام هجمات الاحتلال التي كان آخرها فجر الخميس والتي أثبت فيها المقاومة أنها لم تهزم ولن ترفع الراية البيضاء”.
أما الشيخ بسام السعدي القيادي في حركة الجهاد الاسلامي، فقال: “شعبنا يفخر بمعركة مخيم جنين التي تجلت فيها الوحدة والمقاومة والروح القوية في مواجهة الاحتلال والصمود رغم المجزرة التي سقط فيها الشهداء والجرحى .. في ذكرى المعركة، علينا أن نحافظ على وحدتنا والعمل على نبذ الانقسام ورص الصفوف لأن الاحتلال ما زال يرتكب الجرائم ويواصل العدوان، فمعركتنا ما زالت طويلة وعلينا الصمود والثبات وصون الدماء الزكية”.
وقال الأسير المحرر إبراهيم جبر الذي اعتقل خلال المعركة بتهمة الانتماء لقيادة حركة حماس: “ذكرى المعركة محطة لنذكر بأهمية التحدي والصمود في معركة شعبنا الطويلة في وجه الاحتلال الذي تذوق طعم الهزيمة على أرض المخيم الذي قاتل موحدًا رغم القصف والدمار .. بعد 20 عامًا، ما زال العدوان مستمر، والجميع مطالب بالوحدة ورص الصفوف لنحافظ على عهد ووصايا الشهداء وارثهم النضالي الخالد”.
المحرر يحيى الزبيدي الذي اعتقل خلال المعركة التي استشهد فيها والدته وشقيقه طه، وقضى 18 عامًا خلف القضبان، ويعتقل الاحتلال حاليًا شقيقه “زكريا” القائد السابق لكتائب الأقصى وعضو المجلس الثوري وأحد أبطال نفق الحرية، قال: “المخيم ما زال صامدًا في وجه الاحتلال، ويعبر عن تمسكه بالوحدة والروح التي تجلت خلال المعركة التي لم تنتهي فصولها، فقد كان سر الصمود الوحدة والتفاف الأهالي”.
وأضاف: “رسالتنا اليوم الوحدة لأنها طريق للنصر ودحر الاحتلال الذي لن ينال من عزيمة وإرادة شعبنا”.
أما المحرر محمد الصباغ رئيس اللجنة الشعبية للخدمات، فقال: “سنحيي ذكرى المعركة ونكرم الشهداء، بفعاليات وبرامج متعددة، لتبقى الملحمة خالدة وماثلة في ذاكرة أجيالنا لنكمل الطريق الذي ما زال طويلاً، ورسالتنا ضرورة تعزيز اللحمة الداخلية ورص الصفوف للصمود في وجه التحديات والمخططات الاسرائيلية”.
الوحدة والمقاومة..
وقالت والدة الشهيد زياد العامر “سنبقى نفخر ببطولات زياد واخوانه الشهداء الذين تصدوا وقاتلوا ودافعوا عن المخيم، لم ولن ننساهم وسنبقى على دربهم حتى تتحرر فلسطين ونعود لأرضنا التي شردنا فيها خلال النكبة”.
بينما تقول والدة الشهيد محمود طوالبة: “الوفاء لشهداء معركة مخيم جنين، يتطلب أن نبقى موحدين، فهذه أرضنا وعلينا أن نقاوم الاحتلال لنحميها ونحررها ونحرر الأسرى ونعود لديارنا التي شردونا منها”.
عشية ذكرى نيسان، شن الاحتلال هجومًا على المخيم استشهد خلاله البطلين يزيد السعدي وسند أبو عطية وأصيب 15 آخرين، وشهد المخيم اشتباكات مسلحة وصفها الأهالي بأنها شبيهة لمعركة المخيم، وقال الناطق باسم كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس “سيقى المخيم عصيًا على الكسر وشامخًا في وجه الاحتلال الذي يواصل ارتكاب المجازر والاغتيالات والاعتقالات والاستيطان، ورغم كل السياسات، ستبقى البنادق لغة الحوار ولن نسمح بتكرار مجزرة مخيم جنين”.
أما الناطق باسم كتائب شهداء الأقصى، فقال: “ذكرى المعركة، تبعث فينا روح التحدي والبطولة لنواصل مشوار الشهداء، فلن نرفع الراية البيضاء، وسنبقى نخوض المواجهة مهما كان الثمن صونًا لدماء وعهد الشهداء .. في كل اقتحام على الاحتلال أن يتوقع مقاومة عنيدة وصلبة، فقد شكلنا غرفة العمليات المشتركة التي ستبقى تحرص المخيم وأحلام ودماء الشهداء حتى النصر والتحرير”.
القدس