افتتحت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية في قطاع غزة امس (الاثنين) موقعا أثريا يعود للكنيسة البيزنطية في شمال القطاع بعد إعادة إحيائه وترميمه ليحاكي صورته في القرن الخامس الميلاد في محاولة لتنشيط السياحة الداخلية.
وتقع الكنيسة التي تم إنشاؤها قبل نحو 1700 عام في مخيم "جباليا" للاجئين الفلسطينيين شمال القطاع وكانت ملكا للعائلة المالكة في ذلك الوقت، بحسب الوزارة التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وقالت نريمان خلة المرشدة السياحية في الوزارة لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن الكنيسة التي كانت مغطاة بالرمال بسبب عوامل الزمن والمناخ، تم اكتشافها بالصدفة عندما أعاد عمال محليون بناء طريق صلاح الدين السريع الذي يربط شمال القطاع بجنوبه العام 1998.
وأضافت خلة بينما تتنقل في جنبات الموقع لتشرح أهميته أن الوزارة "عثرت على قبور أباطرة وأنصار الكنيسة، وتم التعرف عليها بعد العثور على عظامهم وفحصها، بالإضافة إلى عملات معدنية وقطع فخارية".
وتابعت خلة أن المؤسسات الخيرية حاولت مرات عديدة ترميم الكنيسة التاريخية لكنها فشلت بسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في القطاع المحاصر الذي شهد جولات قتال بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة.
ومع ذلك أطلقت منظمة غير حكومية دولية تحمل اسم "Premiere Urgence Internationale" برنامجا في العام 2018 بدعم مالي من صندوق حماية الثقافة التابع للمجلس الثقافي البريطاني، بالشراكة مع وزارة الثقافة والإعلام والرياضة الفلسطينية، للحفاظ على التراث الثقافي في غزة وتعزيزه.
ويقول مسئولون فلسطينيون إن البرنامج انتدب مجموعة من الطلاب يدرسون علم الآثار في الجامعات الفلسطينية بالعمل لمدة أربع سنوات على ترميم الكنيسة، حيث أمضوا معظم وقتهم في ترميم وتلميع العشرات من اللوحات القديمة التي رسمتها الفسيفساء على أرضية الكنيسة".
كما أشرف على مشروع ترميم المواقع الأثرية خبراء دوليون كانوا يأتون إلى غزة لمدة أسبوعين على الأقل وقد حضروا لتدريب الخبراء المحليين على كيفية إدارة ومتابعة الترميم وحماية إعادة الإعمار خلال فترة زمنية محددة من المشروع بأكمله ليتم الانتهاء منه.
ويقول جمال أبو ريدة مدير عام الآثار بوزارة السياحة إن "الموقع تم تشييده على مساحة 850 مترا مربعا، بما في ذلك أرضية تضم 400 فسيفساء".
وأضاف أبو ريدة أن الموقع الأثري يتكون من ممرات معمارية شبيهة بالكنائس التي تم بناؤها بالفسيفساء على الطراز البيزنطي الذي كان موجودا في أوروبا الشرقية وتركيا وأماكن أخرى من العالم.
وتابع أن غزة كانت ممرًا تجاريا بين العصور المختلفة لذلك من الطبيعي الكشف عن المواقع الأثرية التابعة للعائلات المالكة، معتبرا أن مثل هذه المواقع الأثرية ستحيي السياحة الداخلية في قطاع غزة وتعرف الناس بتاريخ منطقتهم وأهميتها التاريخية والجغرافية.
وأعرب أبو ريدة عن أمله في أن يعم الهدوء في قطاع غزة بما يسمح لها بإحياء السياحة الخارجية، مشيرا إلى أنه "ليس هناك شك في أن المسيحيين حول العالم يحبون زيارة كنائسهم القديمة والتعرف على أماكنها، ونأمل أن يحدث ذلك في يوم من الأيام".
لكنه أبدى تخوفه في الوقت نفسه من احتمال استهداف الجيش الإسرائيلي الكنيسة في أي جولة من التصعيد العسكري كعقاب لأهالي غزة وحرمانهم من تاريخهم.
ويتكون الموقع من 3 أروقة، الأول للرهبان والثاني رواق للصلاة والثالث هو رواق للتعميد، كما يحتوي على 16 نصا تأسيسيا باللغة اليونانية القديمة، حيث تعد من أكبر النصوص التأسيسية داخل الكنائس.
ويضم الموقع العديد من النقوش والزخارف المختلفة منها الحيوانية والنباتية والهندسية، في إشارة إلى الاستقرار والهدوء الذي ساد الحياة المسيحية في القطاع الذي تسيطر عليه حركة (حماس) منذ صيف 2007.
وتعد مدينة غزة من مدن العالم القديمة وخضعت لحكم الفراعنة، والإغريق، والرومان، والبيزنطيين، والمسلمين، ورغم ذلك إلا أنها تعيش في صراع دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ عقود.
ومنذ عام 2007 فرضت إسرائيل حصارا محكما على القطاع بعد أن استولت عليه حماس، كما شنت أربع عمليات عسكرية واسعة النطاق عليه ما بين عام 2008 حتى 2021 للحد من التهديد الصادر من القطاع.