انتهاكات جسيمة ... الاحتلال اعتقل 3100 فلسطيني خلال أيّار/ مايو 2021

اعتقالات في الشهر الماضي

شهد شهر أيّار/ مايو2021، تصعيداً خطيرًا في عمليات القمع والاعتداءات التي شنتّها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحقّ الشعب الفلسطينيّ في مختلف وتحديدًا مع شرارة الأحداث التي بدأت في باب العامود في القدس في 13

نيسان/ أبريل 2021، حيث بدأت قوات الاحتلال بمنع الفلسطينيين من التواجد في منطقة باب العامود، بالتزامن مع ما يحدث في حيّ الشيخ جرّاح من تهجير قسريّ وتطهير عرقيّ للفلسطينيين.

وتتابعت الأحداث، حيث تصاعدت المواجهة، لتُرصَد عمليات قمع واعتداءات واسعة، بما في ذلك من عمليات اعتقال كثيفة، طالت كافة الفئات، واستمرت في تصاعد خاصّة مع بدء العدوان الإسرائيليّ على غزّة، الذي استمر لـ11 يوماً، الأمر الذي دفع الشعب الفلسطينيّ في كافة أماكن تواجده إلى الخروج إلى الشوارع لمواجهة سياسات الاحتلال وانتهاكاته الجسيمة.

هذه ليست المحطة الأولى التي يواجه فيها الفلسطينيون هذا النوع من التصعيد، بما فيه من اعتداءات خلالها استخدم الاحتلال كافة أدواته وسياساته التي اتبعها على مدار العقود الماضية، وكانت عمليات الاعتقال الممنهجة، أبرز تلك الأدوات التي حاولت من خلالها، أن تعمل على وأد أي مواجهة راهنة يسعى فيها الفلسطينيون إلى التحرر وتقرير المصير.

فمنذ عام 2015، التي شكّلت كذلك نقطة تحول في قضية المعتقلين والأسرى، لاسيما فيما يتعلق بحجم الاعتقالات في حينه، شكّلت هذه المرحلة نقطة تحول من حيث أعداد المعتقلين وكثرة الانتهاكات التي وثقتها المؤسسات، إضافة إلى النشطاء والصحفيين، والمواطنين الذين ساهموا بشكّل أساسيّ في نقلها والكشف عنها.

ووفقًا للمتابعات التي تمت خلال شهر أيّار/ مايو فإنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اعتقلت (3100) فلسطيني من بينهم (42) من النساء و(471) طفلًا، من مختلف المناطق ضمن حملات اعتقال عشوائية ومنظمة.

وكانت أعلاها في الأراضي المحتلة عام 1948، حيث بلغت نحو (2000) حالة اعتقال من بينهم (291) طفلًا،[1] وسُجلت العديد من الانتهاكات الجسيمة، رافقت عمليات الاعتقال الكثيفة والممنهجة في مختلف البلدات، ولم

تتوقف عند لحظة الاعتقال بحق المعتقلين وعائلاتهم، بل بقيت مستمرة عبر سلسلة من الأدوات والسياسات لاحقًا، بما فيها عمليات الترهيب والتهديد والتعذيب، حيث وجهت أكثر من (170) لائحة اتهام بحق المعتقلين، كانت أبرز هذه التهم، المشاركة في المظاهرات الرافضة لسياسات الاحتلال.

وساهمت أجهزة الاحتلال بمستوياتها المختلفة إلى جانب المستوطنين في ترهيب وتخويف الفلسطينيين، عبر اقتحام منازلهم وتدمير ممتلكاتهم، ونشر قوات المستعربين بينهم، وإطلاق الرصاص الحيّ والمطاطيّ صوبهم، والاعتداء الجسديّ الوحشيّ عليهم.

وعلى غرار ما جرى في الأراضي المحتلة عام 1948، طالت حملات اعتقال واسعة معظم المدن والقرى والمخيمات الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة بما فيها القدس، وسَجلت مؤسسات الأسرى نحو (1100) حالة اعتقال من بينهم (180) طفلاً/ة، و(42) من النساء والفتيات، وكانت أعلاها في القدس وصلت إلى (677) حالة اعتقال.

ومن ضمن ما تابعته المؤسسات: استمرار ملاحقة المرشحين لانتخابات المجلس التشريعيّ، حيث اعتقل الاحتلال 6 من مرشحين قائمة "القدس موعدنا"--واحدة من القوائم الانتخابية للمجلس التشريعي-، إضافةً إلى نائبيْن سابقيْن في المجلس التشريعي، رافقها مداهمات ليليّة للبيوت وتفتيش وتخريب لممتلكات العائلات. ومارست سلطات الاحتلال أساليبها الممنهجة في القمع والترهيب والتخويف لتمتّد إلى عقوبات جماعيّة لكافّة فئات المجتمع.

وبلغ عدد أوامر الاعتقال الإداريّ الصادرة (200) أمر اعتقال إداري بينها (116) أمر اعتقال إداريّ جديد.

وتشير مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز معلومات وادي حلوة –القدس) في تقرير صدر عنها اليوم الأحد، إلى أن عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بلغ حتى نهاية أيار/ مايو 2021 نحو (5300) أسير/ة، بينهم (40) أسيرة، فيما بلغ عدد المعتقلين الأطفال والقاصرين في سجون الاحتلال نحو (250) طفلًا كان من بينهم (81) طفلًا من الأراضي المحتلة عام 1948 ما زالوا معتقلين، و بلغ عدد المعتقلين الإداريين إلى نحو (520) معتقلاً.

ويرصد التقرير مجموعة من القضايا المركزية التي كشفتها المواجهة الراهنة، من انتهاكات متنوعة وكثيفة نفّذتها أجهزة الاحتلال، ويستعرض جملة من الحالات التي وثقتها المؤسسات في مختلف المناطق.

الأراضي المحتلة عام 1948: تشويش الصورة عبر تلفيق التُهم

اعتقلت شرطة الاحتلال الأسير السابق والصحفيّ رأفت أبو عايش -27 عاماً- من سكان النقب المُحتّل، أثناء ممارسة عمله الصحفيّ في تغطية وقفة للطلاب الفلسطينيين في جامعة بئر السبع أمام مبنى الجامعة، احتجاجاً على ما يحدث في القدس، وضمّت حوالي 60 طالب/ة، تمّ التهجّم عليهم من قِبل أفراد من "اليهود المتطرفين"، الذي يفوقون الطلاب الفلسطينيين عدداً، ووصلت إلى تهديدهم بالقتل، ممّا دعا الطلاب الفلسطينيين إلى نقل الوقفة لمكان سكن الطُلاب.

ويروي أبو عايش أن الشرطة والوحدة الخاصّة "اليسّام" قدمت إلى مكان الحدث، وبدأت بمهاجمة الطلاب الفلسطينيين -رغم أنّهم هم من اتصل بالشرطة للحماية- وضربهم بشكلٍ عنيف بالعصيّ، قاموا خلالها باعتقال اثنين من الطلاب الفلسطينيين.

ويتحدّث أبو عايش عن اعتقاله، أثناء تغطيته لقمع الشرطة للطلاب الفلسطينيين، تم سؤاله عن اسمه، وبمجرد تعريفه عن نفسه، بدأ عناصر من المستعربين بزيّ مدنيّ بضربه واعتقاله، ونُقِل بعدها بسيارة الشرطة إلى عدّة محطات آخرها مركز توقيف وتحقيق عسقلان حيث بقي هناك لمدّة 3 أيام قبل أن يتم الإفراج عنه.

وفيما يخصّ بالتُهم الموجهّة ضدّه، فقد بيّن أنّه اتُهِم بالاعتداء على مستوطن وحرق سيارته في نفس الساعة التي تّم اعتقاله فيها، ووجّهت له تهمة الانضمام "لفصيل إرهابي"، وبعد3 أيامٍ من تحقيق جهاز المخابرات "الشاباك" معه،وعلى شكل جلسات كل واحدة من 4-6 ساعات وبالتناوب بين المحققين، تم فحص الكاميرات المحيطة بالمنطقة التي يدّعون وجوده فيها وقت اعتقاله، وعقب إثباته لتواجده في الجامعة لتغطية الحدث، تم إخلاء سبيله من مركز التحقيق.

تعّرض أبو عايش لانتهاكات عدّة، إضافةً إلى اعتقاله وتلفيق التهم له، منها الشبح على كرسي التحقيق ساعات طويلة، بحيث تم تكبيل يديه وقدميه بالكرسيّ، وكان مشبوحاً طوال التحقيق وبعده، عدا عن عدم قدرته على لقاء محاميه إلّا عبر شاشة زووم في المحكمة – حيث تم تمديد توقيفه 5 أيام على ذمّة التحقيق-، خلالها لم يزّود بملابس غير ملابس "الشاباص" – أي ملابس إدارة سجون الاحتلال، وتعرضّ خلال التحقيق لكيلٍ من الشتائم والصراخ والتهديد بـ"تدمير حياته"، ناهيك عن عدم قدرته على فتح عينيه عند وصوله لمركز التحقيق بسبب الضرب المبرح الذي تلقّاه عليهما.

ملاحقة المرشحين للانتخابات المؤجلة... تقويض لدور السياسيين والناشطين

بعد مرور شهرين على الإفراج عنه بتاريخ 21 آذار/ مارس 2021، أعادت قوات الاحتلال اعتقال الأسير السابق والمُرشّح لانتخابات المجلس التشريعي عن قائمة "القدس موعدنا" يوسف قزّاز -49 عاماً- ، بعد اقتحام منزل العائلة الكائن في مدينة دورا- الخليل فجر يوم ٢٠/٥/٢٠٢١ بقوّة تقارب الـ20 جنديّ، حيث خلعوا الباب الرئيسيّ للمنزل وأعاثوا فيه خراباً، واقتحموا غرف النوم ووجّهوا البنادق نحو رؤوس النائمين، بحسب ما روته زوجته، وأثناء عمليّة الاعتقال كانوا يهددون ويصرخون طالبين قزّاز بالاستعجال في ارتداء ملابسه، وأبعدوا زوجته وابنته عنه أثناء محاولتهم توديعه.

يُذكر أن قزّاز هو أسير سابق قضى ما مجموعه 5 سنوات في سجون الاحتلال، وفي اعتقاله السابق قضى 18 شهر في الاعتقال الإداريّ وقبلها 24 شهراً في الإداريّ أيضاً. ويعاني قزّاز من عدّة أمراض ويحتاج لأدويته التي لم تسمح سلطات الاحتلال له بأخذها.

وبتاريخ 9/5/2021 اعتقلت قوات الاحتلال المرشح عن قائمة "نبض الشعب" ناصر أبو خضير 59 عاماً، بعد اقتحام منزله في بلدة شعفاط، وأفرج عنه بعد عدة أيام، ثم استدعي للتحقيق عدة مرات خلال الشهر الماضي وسلم قرارات مختلفة أبرزها : فرض الإقامة الجبرية عليه في مكان سكنه في بلدة شعفاط دون تحديد فترة زمنية، منعه من دخول الضفة الغربية لمدة 6 أشهر، قطع التأمين الصحي والوطني عنه.

وتحرر القيادي أبو خضير من سجون الاحتلال شهر آذار/ مارس الماضي، من آخر اعتقال له.يذكر أن أبو  خضير قضى في سجون الاحتلال قرابة 17 عاماً على فترات متفاوتة.

التنكيل بالأطفال... أطفال 13 عاماً رهن الاعتقال

خلال الشهر المنصرم، اعتقلت قوات الاحتلال 180 طفلاً من الضفّة الغربيّة، ومن خلال شهادات الباحثين الميدانين، تم توثيق حالات لأطفال تم التنكيل بهم رغم صغر سنّهم وعدم قانونيّة احتجازهم.

اعتقلت قوات الاحتلال الطفل ج.ع -13 عاماً- أثناء تواجده في حديقة البالوع قرب مستعمرة "بيت إيل"- رام الله، إذ قفز جنديٌ فوقه ووضعه على الأرض وضربه بعُقب البندقية على رأسه أكثر من 5 مرات بشكل قويّ، إضافةً الى الشتم المستّمر بحقه، وأكمل جندّي آخر ضربه على منطقة الحوض ممّا سببّ له ألاماً شديدة، كما رشّوا في عينه اليمين الفلفل ومن مسافة الصفر أثناء انبطاحه على الأرض، فاحمّرت عينه اليمنى بشكلٍ كبير.

وخلال عمليّة الاعتقال، نكّلت به قوات الاحتلال، حيث أمروه بالانبطاح على الأرض وقيّدوا يديه للخلف بقيودٍ بلاستيكيّة، واقتادوه إلى معسكر "بيت إيل" إذ عصّبوا عينيه، ثم إلى مركز شرطة "بينامين" حيث وضعوه على كرسي باتجاه الحائط، وقيّدوه إلى الأمام بالقيود البلاستيكيّة وشّدها الجنديّ متعمداً وبقي هناك لما يقارب الـ3 ساعات حتى بدأ التحقيق معه.

وفي النهاية تم رميه خارج المركبة التي اقتادوه بها إلى منطقة مجهولة، ضربوه على رقبته وضرب جنديّ رأسه برأس ج.ع من 5- 8 مرات وضربه بالمركبة ورماه إلى خارج الجيب بعد فكّ العصبة عن رأسه وفكّ القيود البلاستيكيّة عن يديه، ليكتشف الطفل أنّه في منطقة حزما -القدس، بحسب شهادة الطفل.

وفي ذات السياق، اعتقلت قوات الاحتلال الطفل ك.د -13 عاماً- من قرية تياسير، أثناء تواجده قرب حاجز تياسير  العسكريّ الواقع شرق مدينة طوباس في تاريخ 15/5/2021، في الوقت الذي أقيمت فيه تظاهرة احتجاجاً على العدوان الإسرائيليّ على غزّة، حيث لحق جنود الاحتلال به وأطلقوا الرصاص صوبه، قبل اعتقاله والاعتداء عليه بالضرب على الوجه، ونُقِل على حاجز تياسير مكبّلاً ومُغمّى العينيين، وتم الإفراج عنه في اليوم التالي عند نفس الحاجز. لكّن ضابط المخابرات اتصّل بوالده في اليوم التالي لإفراجه مطالباً إياه بتسليم ابنه للتحقيق معه.

يُذكر بأن الطفل ك.د يعاني حالياً من أزمة نفسيّة، ومنذ لحظة الإفراج عنه وهو مصدوم وغير قادر على الكلام بحسب شهادة والده.

المسكوبية: شاهد مستمر على جريمة التعذيب

عاد اسم معتقل "المسكوبية" إلى الواجهة خلال عمليات التصعيد التي نفذتها أجهزة الاحتلال، كشاهدٍ على العشرات من المعتقلين الذين تعرضوا لعمليات تعذيب جسدي ونفسي، فمنذ شهر آب/ أغسطس عام 2019، صعّدت أجهزة الاحتلال ومحققيها، أساليب التعذيب التي أعادت فعليًا الرواية الأولى عن عمليات التعذيب النفسي والجسدي خلال الستينيات والسبعينيات، ومنذ بداية المواجهة الحالية، تابعت المؤسسات العديد من الشهادات حول عمليات تعذيب جسدي ونفسي تعرض لها المعتقلون.

حالة المعتقل جلال جبارين (36 عامًا) من بلدة سعير/ الخليل.

اُعتقل جبارين من منزله فجر الـ14 أيّار/ مايو 2021، بعد إجباره على خلع ملابسه، وتفتيشه وتفتيش منزله، مستخدمين الكلاب البوليسية، جرى نقله لاحقًا في سيارة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال، إلى مستعمرة "كريات أربع" وطيلة تلك الرّحلة كان يتعرّض للضّرب المبرح، ثم نقل إلى منطقة قريبة من معسكر "عتصيون" حيث تم إخراجه من السيارة العسكرية، وهناك استأنف جنود الاحتلال عملية الاعتداء عليه بالضّرب المبرح، ومن شدّة الضرب وقع أرضاً مرّتين كما قاموا بتصويره، ولاحقًا نُقل إلى مركز توقيف وتحقيق "عتصيون"، حيث طلبوا منه التوقيع على ورقة تُبرّئ الجنود من الاعتداء عليه؛ إلّا أنه رفض ذلك.

وأشار جبارين إلى أنه نُقل في نفس اليوم إلى مركز تحقيق "المسكوبية"، وفيه تعرض للتعذيب على مدار عشرة أيام، ولساعات طويلة، من بينها التّحقيق معه لمدّة (38) ساعة بشكلٍ متواصل، وهو مشبوح على الكرسي ومكبّل اليدين والقدمين، إلى جانب حرمانه من النوم، ومن تناول الطّعام الجيّد، الأمر الذي اضطره خلال أول يومين من الاعتقال الى الامتناع عن تناول الطعام.

وخلال فترة اعتقاله صدر بحقّه أمر منع من لقاء المحامي، يذكر أن جبارين أسير سابق كان قد تعرّض للاعتقال سابقاً عدّة مرات.

مريم عفيفي – اعتقال وتنكيل، وإفراج دون شروط

 اعتقلت قوات الاحتلال مريم عفيفي -26 عاماً- يوم 8/5/2021 حوالي الساعة 10:30 مساءً بينما كانت تتواجد في حي الشيخ جراح. حيث شاهدت جنود الاحتلال يعتدون على فتاة وسقطت أرضاً، فتوجهت تجاه الفتاة وأثناء محاولتها الاقتراب من الفتاة قام أحد الجنود بالصراخ عليها ودفعها بشدّة.

حاولت مجدداً الاقتراب منها للاطمئنان عليها، هجم عليها جندي وبدأ يشد بحجابها بشكل عنيف، وقام بسحبها للخلف بقوة، وفي الأثناء خُلع حذائها وقام الجندي بالدوس على أرجلها، ثم انضم عددٌ آخرٌ من الجنود الذين بدأوا بركلها وضربها على كافة أنحاء جسدها.

ثم قاموا بتقييد يديها للخلف وأرجلها، ومن ثم بسحلها لمنطقة يتجمع فيها الجنود والشرطة وأجلسوها أرضاً. بعد ما يقارب النصف ساعة، نقلت لمركز الشرطة حيث قبعت حتى صباح اليوم الثاني في غرفة مع عدد من المعتقلين الآخرين.

نقلت مريم إلى مركز "المسكوبية" في اليوم التالي، حيث بقيت في زنزانة باردة جداً، وعندما طلبت إيقاف تشغيل المكيف، لم يستجيبوا لطلبها. ثم جرى نقلها إلى المحكمة لتمديد توقيفها في مركز "المسكوبية"، أثناء ذلك قامت مجندة بتكبيل يديها بقيود حديدية وقامت بشدهم، بالإضافة إلى شد قيود الرجلين مما سبب لها آلاماً شديدة.

وأفادت مريم أنه جرى نقلها مرتين إلى المحكمة، المرة الأولى حيث لم يتواجد القاضي بسبب استراحة المحكمة في ساعات الظهر، وبعدها أعادوها إلى الزنزانة، وبعد فترة زمنية عادوا وأحضروها للمحكمة، وأثناء تنقلاتها هذه كانت القيود تضغط على يديها ورجليها.

عُرضت مريم على المحكمة، وطلبت النيابة العامة تمديد اعتقالها، إلا أن القاضي وبعد الاطلاع على المقطع المصور لاعتقالها، قرر الإفراج عنها من المحكمة دون شروط وذلك بتاريخ 9/5/2021.

القدس: مواجهة مضاعفة

واصلت سلطات الاحتلال حملات الاعتقال اليومية والغير مسبوقة في مدينة القدس، خلال شهر أيّار/ مايو، ونفذت مئات الاعتقالات الميدانية إضافة إلى اعتقالات بعد اقتحام المنازل في المدينة. وبلغت حصيلة الاعتقالات في القدس 677 حالة اعتقال من المدينة، من بينها 124 قاصرًا/ة منهم حوالي 20 حالة اعتقال لأطفال تتراوح أعمارهم بين 13-14 عاماً، إضافة إلى 32 من النساء، بينهن 8 قاصرات.

وتوزعت الاعتقالات الميدانية، بين الأقصى وأبوابه 117 حالة اعتقال، ومن باب العامود والمناطق القريبة منه 138 حالة اعتقال، ومن حي الشيخ جراح بتسجيل 79 حالة اعتقال، كما سجلت مئات حالات الاعتقال من البلدات والأحياء المختلفة.

وبلغت أعداد حالات الاعتقال في القدس منذ بداية الهبة في باب العامود في الثالث عشر من شهر نيسان/ أبريل الماضي حتى نهاية أيار، 845 حالة اعتقال، أفرج عن معظمهم بشروط أبرزها الإبعاد عن مكان الاعتقال، الحبس المنزلي لفترة تتراوح بين "3 أيام حتى أسبوعين" ودفع كفالة نقدية، فيما قدم لعدد منهم لوائح اتهام، وما زال بعضهم داخل زنازين التحقيق.

وفي توثيق لحالات الاعتقال، فقد استُخدِمت القوة المفرطة خلال عمليات الاعتقال والاحتجاز داخل مركبات الشرطة، وخلال النقل إلى مراكز التوقيف، وسُجِلت إصابات لعشرات المعتقلين كسور باليد، والأنف، والصدر وجروح خاصة في منطقة الرأس والوجه، وتعمدت القوات ركل المعتقلين وضربهم بالهراوات، وأعقاب المسدسات والبنادق. وعلى إثر ذلك نُقِل عشرات المعتقلين من مراكز التحقيق إلى المستشفيات لتلقي العلاج، ومنهم من بقي رهن الاعتقال، ومنهم من أخلي سبيله بشرط العودة للتحقيق بعد العلاج.

 وجهت للمعتقلين جملة من التهم كان أبرزها:"المشاركة في المواجهات، إلقاء الحجارة، استخدام العلب، والمفرقعات، والزجاجات الحارقة، رفع العلم الفلسطيني، التكبير في الأقصى، تمزيق علم دولة الاحتلال، تحطيم كاميرات المراقبة، حرق على خلفية قومية، اعتداء على أفراد الشرطة، اعتداء على مستوطنين"، وقدمت للعشرات من المعتقلين لوائح اتهام، فيما يقبع بعضهم بالتحقيق، وأفرج عن المئات بشروط وقيود مختلفة.

كما حولت سلطات الاحتلال خلال أيار الماضي، 11 مقدسياً للاعتقال الإداري بقرار من وزير الجيش، لفترة تتراوح بين 3-6 أشهر، ومن بينهم أسرى قطع عنهم التأمين الصحي.

كما وصعدت سلطات الاحتلال من إصدار قرارات الإبعادات خلال الشهر المنصرم، حيث رصد أن أكثر من 270 قرار إبعاد أصدر منها إبعاد عن "الأقصى/ القدس/ البلدة القديمة/ منع دخول إلى بقية مناطق الضفة / منطقة باب العامود والشوارع المحاذية لها"، ولفترات متفاوتة بين أسبوع حتى 6 أشهر، وصدرت القرارات من خلال المحاكم، أو تمت بعد ساعات من التحقيق في المراكز المختلفة، خاصة في مركز "القشلة" في البلدة القديمة في القدس ومركز شرطة صلاح الدين.وأبعدت العشرات من الشبان والفتيات الذين اعتقلوا من منطقة الشيخ جراح عن الحي، كما أبعدت عدداً من الشبان عن مناطق سكناهم "الطور، العيسوية، وجبل المكبر".

احمد أبو اسنينة... فقد عينه واُعتقل من داخل المستشفى

أُصيب الشاب الجريح أحمد أبو اسنينة-28 عاماً- بعيار مطاطي داخل المسجد الأقصى المبارك، في الخامس والعشرين من شهر رمضان، خلال توجهه إلى المسجد لإيصال غرض لوالدته التي كانت تصلي صلاة التراويح، وتصادف ذلك واقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى وإطلاق الأعيرة المطاطية بكثافة وبصورة عشوائية في المسجد.

عيار مطاطي أصاب عين الشاب أبو اسنينة، وأفقده وعيه ونقل بحالة خطيرة إلى المستشفى، وبعد حوالي أسبوعين من الإصابة اعتقلته قوات الاحتلال من داخل المستشفى.

وقال الشاب ابو اسنينة:"عيني سقطت أمامي داخل الأقصى، ثم فقدت وعي بالكامل، ونقلت بحالة صحية خطيرة للغاية إلى المستشفى، بسبب الكسور في الجمجمة، وعدة عمليات جراحية أجريت لي خلال فترة العلاج، في العين والرأس البطن، وبحسب الطاقم الطبي كنت بحاجة للبقاء داخل المستشفى للعلاج والمتابعة لمدة 60 يوماً".

وأضاف أبو اسنينة: "في السابع والعشرين من شهر أيار/ مايو، فوجئت بحضور ممرضة لإبلاغي بأنه سيتم إخراجي من المستشفى، وبعدها بعدة دقائق اقتحم الغرفة "مجموعة من عناصر "الشاباك"  بالزي المدني" أبرزوا بطاقتهم وعرّفوا بأنفسهم، ثم قاموا باعتقالي".

وأوضح أبو اسنينة بأنه نقل إلى مركز التوقيف، وبقي لأكثر من 6 ساعات متنقلاً بين أفراد الشرطة و مخابرات الاحتلال "الشاباك" رغم تعبه وشعوره بالدوخة بين الحين والآخر، ثم أفرج عنه وحُوِّل إلى الحبس المنزلي لمدة 4 أيام بشرط عودته إلى التحقيق، وفي اليوم المحدد "30/5" توجه للتحقيق في مركز شرطة "القشلة" وبقي عدة ساعات تحت أشعة الشمس بانتظار دخوله للتحقيق، ثم أفرج عنه وفرض عليه الحبس المنزلي مجدداً لمدة يوم.

قطع التأمين الصحي

ضمن سياسة العقاب الجماعي ضد الأسرى/ والأسرى المحررين وعائلاتهم، قطعت سلطات الاحتلال حق "التأمين الوطني الصحي" عن 19 فلسطينياً مقدسياً، بينهم 3 أسرى في السجن وزوجة أسير فلسطيني، والبقية هم من الأسرى السابقين، وفوجئت العائلات بقطع التأمين الصحي لها خلال توجهها للعلاج في المراكز الصحية، دون أي إنذار أو توضيح قانوني.

واستهداف هذا الإجراء الأسرى السابقين الذين تعرضوا للاعتقال والإبعاد عن القدس والأقصى ومنع دخول الضفة الغربية والحجز على حساباتهم البنكية.

أما الذريعة التي علم بها بعض الأسرى السابقين عن سبب قطع التأمين الصحي، هو "الإقامة خارج مدينة القدس"، الأمر الذي نفوه مؤكدين أن منازل معظمهم داخل أسوار البلدة القديمة أو محيطه.

العقوبات الجماعيّة... ترمسعيّا وعقربا

 شهدت قريتيّ ترمسعيّا وعقربا اقتحامات ومداهمات واسعة خلال الثلث الأول من شهر أيّار المنصرم، تَبِعت عمليّة لإطلاق النّار على جنود الاحتلال على مفترق/ حاجز زعترة جنوب نابلس، واعتقلت سلطات الاحتلال 9 أفراد من عقربا بينما اعتقلت 5 من ترمسعيّا، وشملت اقتحامات المنازل استخدام الكلاب البوليسيّة ورمي قنابل الغاز والتهديد المستّمر للأهالي.

وخلال اتصال هاتفي مع زوجة المعتقل ورئيس البلديّة السابق لافي شلبي، وضحّت السيدة بسمة الشلبي أن قوات الاحتلال الخاصة "اليمّام" اقتحمت بلدة ترمسعيا عند الساعة الثالثة فجراً واقتحمت بيت العائلة واعتقلت زوجها في تاريخ 5/5/2021، حيث خلعوا أبواب المنزل، واعتدوا على ابنهم -16 عاماً- قبل أن يحاول أحد الجنود إلقاء الطفل على أمّه التي انعزلت في غرفة أخرى من المنزل بسبب إصابتها بفايروس كورونا، وقاموا بنقل السيد لافي إلى الطابق الثاني من المنزل -لوحده- وحققّوا معه ميدانياً إذ كانوا يهدّدونه ويضغطون على زوجته ويهددونها، كذلك لم يسمحوا لها بأخذ أيّة أدوية على الرغم من إصابتها بالفايروس وارتفاع ضغط الدّم لديها.

وفي عقربا، اقتحمت قوات كبيرة من الاحتلال (جيش ووحدات خاصّة) البلدة، وفرضت سيطرتها الكاملة عليها ومنعت السكان من التحرك وذلك في تاريخ 3/5/2021 ، وفرضت الإغلاق ونصبت حواجز عسكرية حول القرى المجاورة لها.

وفي اليوم التالي وصلت تعزيزات كبيرة ومدرّعات إلى البلدة، واقتحمت عدداً من البيوت وعمدت إلى تخريب الممتلكات وتدميرها أثناء تفتيش البيوت.

عشرات الإصابات والجرحى

استخدمت قوات الاحتلال كافة الأسلحة والأدوات بحق المعتقلين، سواء بالضرب المبرح، والسحل أو باستخدام الهراوات وأعقاب البنادق، والمياه العادمة، وكذلك بإطلاق قنابل الغاز والصوت والرصاص الحي، والمطاط اتجاههم، مما أدى إلى إصابة العشرات بإصابات مختلفة عدداً منها بالرصاص الحي.

ومن بين الحالات التي تابعتها المؤسسات، الأسير الجريح فادي ضراغمة -18 عاماً- من طوباس، حيث أُصيب برصاصة في ركبته بعد أن قامت قوات الاحتلال المتمركزة على حاجز "تياسير" بإطلاق الرصاص الحي صوبه، وبعد سقوطه انهال عليه ثلاثة جنود بالضّرب المبرّح وسحله حتى الجيب العسكريّ، ومن ثم نقله إلى مستشفى "العفولة" الإسرائيلي.

كذلك الأسير الجريح أسامة فنون -23 عاماً- من مدينة الخليل، والذي تم اعتقاله في 12/5/2021، بعد إطلاق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار عليه وسط الخليل، قرب الحاجز العسكري المقام على مدخل شارع الشهداء في المدينة، ما أدى إلى إصابته بجروح متوسطة بالقدم، ونقله إلى سجن "عيادة الرملة".

فيما أصيب الأسير ماهر ضراغمة (22 عاماً) من طوباس، ويقبع حالياً داخل ما يسمى مستشفى "الرملة"، فقد أطلق جيش الاحتلال النار عليه أثناء اجتيازه حاجز "حوارة" العسكري جنوب نابلس، وأصيب بثلاث رصاصات إحداهما أسفل بطنه واثنتين بقدميه، وجرى نقله للمشفى وأجريت له عدة عمليات جراحية.

معطيات خطيرة حول سياسة الاعتقال الإداريّ

شهدت قضية المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال، تحولًا خطيرًا مقارنة مع السنوات القليلة الماضية، وذلك من حيث التزايد في أعداد المعتقلين الإداريين، وشكّلت خلال المواجهة الراهنة، أبرز السياسات التي صعّد الاحتلال منها، فقد أصدر (200) أمر اعتقال إداريّ خلال شهر أيار/ مايو، من بينهم (11) أمر بحق معتقلين مقدسيين.

وشكّلت نسبة المعتقلين الجدد في عدد الأوامر الصادرة، (116) أمر جديد، فيما جددت الاعتقال الإداريّ بحقّ (84) معتقلًا إداريًا.

إن هذه المعطيات تشكل مؤشرًا في غاية الخطورة مقارنة مع الشهور الماضية التي سبقت المواجهة، والتي تؤكد على أنّ سلطات الاحتلال ماضية في استخدام هذه السياسة على نطاق واسع منتهكة بذلك كل القيود التي فرضت دوليًا على استخدام هذا النوع من الاعتقال الذي يُعدّ تعسفياً، حيث تستهدف من خلاله كل من له دورّ طليعيّ على المستوى الاجتماعيّ، والمعرفيّ، والسياسيّ فلسطينيًا.

كما وتهدف سلطات الاحتلال عبر سياسة الاعتقال الإداريّ تقويض أي حالة مواجهة أو تغيير في سبيل تقرير المصير، حيث استخدمت هذه السياسة وبشكل متصاعد منذ السنوات الأولى للاحتلال، وارتفعت أعداد المعتقلين الإداريين في السنوات الأولى للاحتلال ثم انخفض بعد عام 1977، ثم عادت بالارتفاع في انتفاضتي عام 1987، وعام 2000، إضافة إلى عام 2015 فمع بداية (الهبة الشعبية) صعّد الاحتلال مجددًا من الاعتقال الإداريّ، حيث أصدرت سلطات الاحتلال في حينه (1248) أمر اعتقال إداريّ.

وعلى مدار العقود الماضية شكّلت محاكم العسكرية للاحتلال وما تزال أداة أساسية في ترسيخ هذه السياسة، عبر تنفيذها قرارات مخابرات الاحتلال (الشاباك)، وهذا ما يمكن قراءته عبر كافة القرارات التي صدرت عنها بدرجاتها المختلفة بحقّ المعتقلين.

ومنذ مطلع العام الجاري نفّذ مجموعة من الأسرى إضرابات فردية ضد سياسة الاعتقال الإداريّ، حيث يواصل، وحتى اليوم، خمسة أسرى إضرابهم المفتوح عن الطعام رفضًا لاعتقالهم الإداريّ التعسفيّ في سجون الاحتلال، أقدمهم الأسير الغضنفر أبو عطوان (28 عامًا) من دورا/ الخليل، وذلك لليوم (40) على التوالي، كما ويواصل الأسير خضر عدنان (43 عامًا) من جنين، إضرابه عن الطعام (15) على التوالي، والأسيران عمر الشامي، ويوسف العامر إضرابهما لليوم الـ(14) على التوالي، والأسير جمال الطويل لليوم (11) على التوالي، حيث يطالب بإنهاء اعتقال ابنته الإداريّ.