رام الله الإخباري
ينتظر لفيف من المزارعين الفلسطينيين أمام 13 جرارا زراعيا، عند إحدى البوابات الحديدية التي تفصل أراضي قرية بردلة، عن سهل "قاعون"، بالأغوار الشمالية، توطئة لدخول السهل الجميل، بعد 46 عاما من الاغلاق.
في الجهة المقابلة، يسمي أحد جنود الاحتلال أسماء بعض الفلسطينيين ممن شملهم إذن الدخول لأراضي السهل؛ بغية زراعته بالحبوب البعلية.
كان الموعد المقرر لذلك عند التاسعة صباحا، لكن مماطلات الاحتلال أجلت الموضوع أكثر من ساعتين، استغلها الفلسطينيون في تجهيز أنفسهم لهذا الأمر.
في تلك المدة سُمعت أحاديث بين الفلسطينيين المتجمهرين عند البوابة، عن "نشوة النصر" كما وصفوه، وأخرى عن عواقب ليست جيدة مقابل هذا التأخير، فالفلسطينيون ذاتهم يدركون أن كل تأخير ليس لصالحهم. فقد أخبر الاحتلال المزارعين أن موعد خروجهم من أراضي السهل هذا اليوم، يكون عند الثالثة عصرا.
عند بداية سبعينيات القرن المنصرم، فلح المزارعون أراضي السهل آخر مرة، قبل أن يخطرهم الاحتلال وقتها بالاستيلاء عليه؛ بحجة أنه منطقة عسكرية مغلقة، لكن في الواقع حوّل الاحتلال أراضي السهل للمستوطنين لزراعته.
يقول مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس، معتز بشارات: "بعدما استولى الاحتلال على أراضي السهل، شرع المستوطنون بزراعته، لكن بعد عدة قضايا رفعتها محافظة طوباس، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، تمكنا من استعادة هذه الأراضي، وطرد المستوطنين منها".
واستطاع صباح اليوم عدد من مزارعي طوباس، من دخول السهل، بشكل استثنائي، وبإجراءات مشددة، وزراعته بالحبوب الموسمية، وشوهدت جرارات زراعية وهي تعمل في الأراضي المسترجعة (1380) دونما بشكل دؤوب وبسرعة، وبدا السهل بشكل بطيء وهو يتحول من اللون الأخضر، ويأخذ اللون البني بعدما حرثه الفلسطينيون وزرعوه.
وهذه واحدة من المرات التي تستطيع فيها الجهات الفلسطينية، من استرجاع أراض واسعة من الاحتلال، بعد سجال يمتد لسنوات في المحاكم الإسرائيلية، فقد سبق للفلسطينيين أن فعلوا الأمر ذاته قبل سنوات في أراضي سهل الساكوت الحدودي.
قبل نهاية العام الميلادي الحالي بأيام، لا يكون قد فات الفلسطينيين الشيء المؤثر في موسمهم الزراعي، فلا يزال لديهم، حسب تقديرات زراعة طوباس، المجال لبذر الحبوب في الأرض.
يقول محمود صوافطة، وهو واحد من المزارعين الذين استطاعوا زراعة أراضيهم، أن هذه المرة الأولى التي يزرعون أرضهم في السهل منذ عام 1971.
لكن بعد تلك السنة (1971)، أبلغهم الاحتلال بشكل خطي أنه لم يعد بإمكانهم زراعة السهل في السنوات اللاحقة، ومنذ تلك السنة ظل الاحتلال يمنع الفلسطينيين من زراعة السهل في وقت كان المستوطنون يزرعونه بشكل سنوي.
وقد أمكن للفلسطينيين الوصول إلى السهل دون زراعته، لكن منذ عام 2004، وضع الاحتلال سياجا فصل فيه بين أراضي بردلة، وسهل قاعون، ما قاد لانعدام وصولهم إليهم.
محافظة طوباس، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، رفعتا عدة قضايا لاستعادة أراضي السهل، وطرد المستوطنين منه.
"قررت المحكمة الإسرائيلية العليا عام 2017، بدخول الفلسطينيين السهل". قال بشارات.
حاليا هناك 8 قضايا في المحاكم الإسرائيلية تتعلق بسهل قاعون، وقال بشارات، لمراسل "وفا"، إنه من بين القضايا واحدة لإزالة السياج بين أراضي بردلة وسهل قاعون، والأخرى قضية تعويض للفلسطينيين زهاء استخدام المستوطنين لأراضي السهل.
في حصاد موسم عام 1971، كان عريف سليمان، وهو رجل من سليل عائلة زراعية، قد زرع 37 دونما بالشعير، لكن الاحتلال أجهز في تلك السنة على موسمه بالكامل، عندما دمر الموسم بالدبابات، اليوم عاد الرجل وقد اختلقت ملامحه كثيرا، لزراعة الأراضي ذاتها بالقمح.
يقول سليمان: "هذه الأراضي ترفض الموت(..)، سينبت الزرع فيها مجددا".
واقفا على سفح جبل ملاصق للسياج الفاصل وهو مكان يطل على أراض السهل، قال محمد صوافطة: "إنهم يسابقون الزمن". في وصف مجازي عن الحركة المستمرة قبل انتهاء المدة التي منحها الاحتلال للفلسطينيين.
خلف السياج، شوهد عشرات الفلسطينيين وقد جاؤوا لمتابعة زراعة السهل بالحبوب، قال بعضهم إنهم لا يملكون أراض في السهل، لكن حسب وصفهم فإن ما حدث انتصار كبير.
وفا