عريقات الأكاديمي

1091216890

رام الله الاخباري:

منذ ثلاثة عقود، بقي المناضل الكبير صائب عريقات يشغل وسائل الإعلام الفلسطينية والدولية، منذ أن لمع اسمه كمفاوض فلسطيني في مفاوضات مدريد عام 1991، قبل أن يغيبه الموت أمس الثلاثاء.

واليوم ووري الثرى في مقبرة مدينة أريحا بعد مسيرة حافلة في النضال، تدرج فيها عريقات في مناصب عدة في منظمة التحرير الفلسطينية، امتاز خلالها بالحنكة في المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي.

ولد عريقات يوم 28 أبريل 1955 في بلدة أبو ديس بالقدس عندما كانت تحت الإدارة الأردنية آنذاك، وهو السادس من بين سبعة إخوة وأخوات. وفي سنّ السابعة عشرة، ذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية للدراسة الجامعية، حيث كان أبوه يقيم هناك، وحصل على شهادتي البكالوريوس والماجستير في تخصص العلوم السياسية في جامعة سان فرانسيسكو الحكومية عام 1977.

عاد عام 1979 ليعمل محاضراً في جامعة النجاح، قبل أن يحصل على منحة لإكمال دراساته العليا في جامعة برادفورد البريطانية، حيث نال درجة الدكتوراة عام 1983، وكانت أطروحته حول دور "أوبك" في الصراع العربي الإسرائيلي.

وعلى الرغم من ارتباط اسم عريقات طيلة العقود الماضية بالمفاوضات، إلا أن للجانب الأكاديمي في حياته مسيرة طويلة امتدت لأكثر من 12 عاما كمحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس.

ويوضح عميد كلية الاقتصاد والعلوم الاجتماعية بجامعة النجاح د. سائد الكوني أن عريقات بدأ عمله بجامعة النجاح الوطنية في تشرين الأول من العام 1979، مدرساً يحمل درجة الماجستير، قبل أن يحصل على درجة الدكتوراة بتاريخ 15/12/1983.

ويؤكد أن عريقات كان يوصف بالجرأة والخروج عن المألوف في طرحه السياسي حيال آفاق حل القضية الفلسطينية في كلية جامعية كانت تعرف بــ"كلية الجنرالات"؛ لاحتوائها العديد من قيادات القوى الطلابية والنقابية والفصائلية الفاعلة والمؤثرة على المستوى الوطني.

ويضيف الكوني أن عريقات اختلف كثيرا مع قيادات القوى الطلابية والنقابية والفصائلية في الرؤى والطروحات، واتفق أحيانا، ولكنه برغم ذلك نال ثقتهم واحترامهم ومحبتهم، مثلما استحوذ على قلوب وعقول طلبته وزملائه في الكلية والجامعة.

ويؤكد الكوني أن عريقات ناضل بعناد وشراسة لبسط طروحاته بين صفوف طلبته وممثليهم في الحركات الطلابية والفصائلية المختلفة، وعبر عن آرائه عبر صفحات صحيفة القدس، في أوقات كانت تُعد الكلمة الحرة فيها تهمة، يُجرم الاحتلال صاحبها، وتعرضه لملاحقاته ومضايقاته المتنوعة، وعُرف بمواقفه المسؤولة العلنية التي لم ترق يوماً للاحتلال وأعوانه.

بدوره، يقول المحاضر في قسم الاتصال والإعلام الرقمي بجامعة النجاح د. فريد ابو ظهير لـ"وفا"، والذي كان أحد طلبة عريقات في الثمانينيات، إن "عريقات كان شخصا مميزا في الجامعة، فهو ذو طاقة عالية، حيث كان مدير دائرة العلاقات العامة طيلة سنوات دراستي الجامعية، وكان شعلة من النشاط، فلم يكن لديه وقت فراغ أبدا، ولم يكن من السهل ترتيب موعد معه لانشغاله الدائم".

ويضيف "كانت له علاقات واسعة مع أساتذة الجامعة، وكذلك على مستوى فلسطين، وأيضا على المستوى الدولي، كان دائما مشغولا بالتواصل مع شخصيات ومؤسسات وجهات خارجية، فضلا عن أنشطة العلاقات العامة".

ويشير أبو ظهير إن تدريس عريقات كان مميزا، فلم يكن يلتزم بكتاب معين في التدريس، بل كان يطرح مضامين الكتب كأفكار في المحاضرات، ويجعلها مواضيع للنقاش، وكان يغذي عقول الطلبة بالأسلوب النقدي، ويطلب منهم مناقشة القضايا التي يطرحها، وكانت شخصيته بارزة في العملية التعليمية، بمعنى أنه يتفاعل مع القضية والفكرة أكثر مما يعرضها.

ويتابع "أتذكر الدكتور عريقات أنه كان يغضب عندما يتحدث عن الاستبداد، وينفعل عندما يتحدث عن غياب الشعوب عن المشاركة السياسية".

وحول علاقته بالطلبة، يوضح أبو ظهير أن علاقة عريقات اتصفت بالجدية بطلابه وارتبطت بالهدف التعليمي بشكل كبير مع مساحة للصداقة، حيث كان يُظهر إعجابه بالطلبة الذين يحملون أفكارا مخالفة لفكره، ويحترم وجهات النظر، ويهتم بتعددية الآراء.

وأبو ظهير الذي التحق بالعمل في الجامعة عام 1991 بعد إنهائه دراسته الجامعية، ما زال على رأس عمله في التدريس، وتحدث أن عريقات كان يستعد للمشاركة في مؤتمر مدريد في تلك الفترة، وكان يفخر به كونه أصبح زميله بعد أن كان طالبا عنده.

ويضيف أبو ظهير: "كان عريقات يطلب مني القيام ببعض الأعمال أثناء غيابه، وهو ما أضاف لي خبرة جيدة في العمل في الجامعة، وكنت بالطبع أستفيد كثيرا من وجوده في قسم العلوم السياسية والصحافة كأستاذ وزميل، حيث تعلمت الكثير من الأمور الأكاديمية والإدارية".

آخر مرة اجتمع فيه أبو ظهير بأستاذه عريقات عندما كان الأخير ممتحنا خارجيا، وأبو ظهير ممتحنا داخليا لأطروحة ماجستير، يقول أبو ظهير "إنه احتضنني بحنان، وسمعت منه كلاما طيبا من أب حنون، وشرح لي موقفه السياسي من تطورات القضية الفلسطينية، وتضمن كلامه التمسك بالثوابت، وأهمية وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، كان كلاما موجزا، لكنه مركز جدا، وتحدث بشكل فلسفي عن أساليب ومنهاج حل الصراع".

ويشير أبو ظهير إلى دور عريقات في مساعدته في إكمال الدكتوراة، حيث اتصل هاتفيا بمدير المركز الثقافي البريطاني، وأوصى بالمساعدة في تغطية تكاليف الدراسة، ووافق المركز على تسديد جزء من أقساط الدراسة.

ويوضح أن شخصية عريقات السياسية عكست إلى درجة كبيرة شخصيته الأكاديمية، فقد سعى إلى ترجمة المفاهيم التي كان يدرّسها إلى ممارسة وسلوك في عمله السياسي، متابعا "بالرغم من أنني لست متخصصا في السياسة، إلا أنني أعتقد أنه اجتهد في المفاوضات والوصول إلى تسوية تحت مظلة السعي للوصول إلى الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني، صحيح أن الكثيرين اختلفوا معه، سواء في الفكر أو في المنهج، ولكن القليل من الناس استمعوا له عن قرب، وناقشوه بآرائه وأفكاره".