"الفيل" يجثم على أقدام فلسطيني فيحرمه الحركة

مرض الفيل في غزة

رام الله الإخباري

بخطواتٍ متثاقلة، يجرّ الفلسطيني بسام أبو يوسف، قدميْه التي تزن الواحدة منها نحو 30 كيلو غرامًا على الأرض، بسبب "داء الفيل" الذي ألمّ به.

يصعب على أبو يوسف (50 عاماً) اجتياز بضعة أمتار داخل منزله في بلدة "عبسان"، شرقي مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة.

فمنذ أكثر من ثلاثة شهور، يعاني من توقف شبه كامل عن الحركة، ولم يعد الرجل الذي تنتفخ أقدامه حدّ الانفجار، قادرًا على جرها لما تسببه من آلام كبيرة، وخوفًا من حدوث مضاعفات.

لذا يلازم أريكته الموضوعة أمام نافذة كبيرة في صالة منزله، حتى يراقب الناس في الخارج لعل ذلك ينجح بتشتيت معاناته، لكنه لا يتزحزح عن الأريكة إلا للضرورة القصوى،

تلك الانتفاخات، على حدّ ما أبلغه الأطباء، عبارة عن احتباس للسوائل في الأقدام، وهو ما تمّ تشخصيه لاحقاً على أنه "داء الفيل" المعروف علميا باسم "مرض الفيلاريات اللمفي".

وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن "الفيل" يحدث عندما تنتقل طفيليات فيلارية إلى الإنسان عن طريق البعوض، وعادة ما تُكتَسب العدوى في مرحلة الطفولة، فيما تُسبِّب ضرراً غير ظاهر في الجهاز اللمفي.

ووفق المنظّمة، فإن العدوى بالفيلاريات المصغرة تنتقل إلى البعوض من خلال امتصاص الدم عند لدغ شخص مصاب بالعدوى.

وتنضج الفيلاريات المصغرة لتتحول إلى يرقات مُعدِية داخل البعوضة، وعندما يلدغ البعوض المصاب بالعدوى الإنسان، تترسب اليرقات الطفيلية البالغة على الجلد حيث يمكنها أن تنفذ منه إلى داخل الجسم.

بعدها تنتقل اليرقات إلى الأوعية اللمفية حيث تتحول إلى ديدان بالغة، لتستمر بذلك دورة انتقال العدوى، مسببة (تورم الأنسجة) بشكل عام، أو داء الفيل (تضخم الجلد / الأنسجة) في الأطراف.

ومن الممكن أن تفضي المضاعفات الصحية التي يُصاب بها المريض، وفق المنظّمة، إلى إعاقة دائمة إلى أجانب الأضرار النفسية والاجتماعية والخسائر المالية التي تؤدي إلى وقوعهم في براثن الفقر.

بداية المرض

بدأت إصابة "أبو يوسف" بالداء منتصف عام 2015، حين ظهر انتفاخ صغير في فخذه الأيمن سرعان ما ازداد حجمه، حيث بلغ وزن الكتلة المنتفخة، بعد مرور 7 أشهر نحو 20 كيلو غراما.

لم تنجح زياراته المتكررة إلى الأطباء لتشخيص المرض أو الحد من مضاعفاته أو حتّى لوصف بعض الأدوية التي تحدّ من آثاره الكارثية، كما قال.

إلا أنه ومع بداية عام 2016، تمكّن من الوصول إلى وفد بريطاني طبي كان في زيارة لقطاع غزة، أقرّ له عملية لاستئصال الجزء المنتفخ من الفخذ الذي زاد وزنه عن 20 كيلوغراما؛ بواقع 12 كيلوغرام سوائل والبقية كتلة جافة ودهون.

وبعد مرور 3 أشهر من المتابعة مع الوفد الطبي، تم تشخيص المرض على أنه "الفيل".لكن معاناة أبو يوسف لم تتوقف بعد استئصال الجزء المنتفخ، حيث ظهرت انتفاخات جديدة في أماكن مختلفة من القدم بعد فترة زمنية قصيرة.

وانتشرت عدوى الفيل إلى كلتا قدميْه حيث ظهرت عدة انتفاخات في أماكن متفرقة من الأقدام.وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة، ازداد وزن القدميْن بنحو 10 كيلو غرامات، بواقع 3 كيلو كل شهر.

"أبو يوسف" طرق كافة أبواب العيادات الخاصة والمستشفيات، إلا أن طبيباً لم ينجح في وصف علاج يشفي أوجاعه.ويتابع قائلاً: "الطبيب الأخير قال لي وفّر على نفسك مصاريف الطريق والتجول بين العيادات والمستشفيات مرضك ليس له علاج بغزة".

 معاناة متزايدة

يفتقد أبو يوسف حاليًا، عقب دخول إصابته بداء الفيل عامها الرابع، الكثير من التفاصيل التي كان يعتبرها صغيرة أو هامشية في الحياة، لم يكن يلقى لها بالاً.

ويقول: "اليوم لم أعد قادراً على الحركة، ولا الذهاب خارج المنزل، لم أعد قادراً على توفير المستلزمات الأساسية".

تغيرت كافة ظروف الحياة بالنسبة لأبو يوسف، إذ بالكاد يجد ثياباً تتناسب مع حجم أقدامه التي باتت تشبه أقدام الفيل، لكثرة انتفاخها وتراكم الترهلات.

ويشكو أبو يوسف من آلام شديدة جراء الضغط الذي يشكّله الوزن الكبير للأقدام على المفاصل والعظام، والأعصاب داخل القدم الواحدة.

وفي فصل الصيف تزداد معاناة الرجل الخمسيني حيث يُسبب ارتفاع درجة حرارة الجو، التهابات للمناطق المنتفخة والمعرّضة للاحتكاك بالجسد أو مؤثرات خارجية.

فيما يفاقم الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة للعام الـ12 على التوالي من معاناة أبو يوسف.

ويخلو قطاع غزة من أجهزة الإشعاع الذري والأجهزة الطبية القادرة على تحديد الأوعية اللمفية السليمة من المُصابة، على حدّ قول أبو يوسف نقلاّ عن أطبائه.

ومن أجل العلاج، يحتاج أبو يوسف لتحويلة طبية للعلاج بمستشفى خارج قطاع غزة قبل أن تُفضي إصابته إلى عواقب غير محمودة.

لكن أبو يوسف، الذي استقر في قطاع غزة عام 2005، بعد أن عاد وزوجته وأبنائه من السعودية، لا يملك هوية (رقم وطني) فلسطينية، يمكنه بواسطتها السفر إلى الخارج.

وبعد مرور سنوات على وصوله لغزة، لا زال أبو يوسف يكابد بين أروقة المؤسسات الحكومية من أجل الحصول على الهوية.

يهدد اليوم عدم حصوله على تلك الهوية حياته بشكل كامل، إذ يحول ذلك دون قدرته على السفر خارج القطاع للعلاج.

ويناشد أبو يوسف الجهات الحكومية والطبية بمساعدته في سبل الحصول على العلاج قبل أن تشهد أوضاعه الصحية المزيد من التدهور.

 

الاناضول