أطلقت رئاسة اللجنة الوطنية للشمول المالي في فلسطين، اليوم الأحد، الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي في فلسطين، في حفل أقيم بقصر رام الله الثقافي برام الله، بالتعاون مع التحالف العالمي للشمول المالي (AFI)، تحت رعاية رئيس دولة فلسطين محمود عباس.
وتهدف الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي في فلسطين إلى زيادة نسب الشمول المالي بالدولة الفلسطينية، وتحقيق الرؤية الفلسطينية نحو قطاع مالي متطور يلبي الاحتياجات المالية لتحسين الظروف المعيشية وتعزيز الرفاه الاجتماعي للأفراد، ورفع نسبة الشمول المالي للأفراد البالغين من 36.4% إلى 50% كحد أدنى بنهاية عام 2025، وتعزيز وصول واستخدام كل فئات المجتمع للخدمات المالية من خلال القنوات الرسمية المناسبة بالتكلفة والوقت المعقولين، وحماية حقوقها، وتعزيز معرفتها المالية بما يمكنها من اتخاذ القرار المالي المناسب.
ونقل ممثل الرئيس في حفل الإطلاق، المستشار الاقتصادي لرئيس دولة فلسطين محمد مصطفى، تحيات الرئيس محمود عباس، مؤكدا إن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي اليوم يأتي استكمالاً للجهد الوطني الشامل الهادف إلى تأسيس اقتصاد وطنيٍ قوي وقادر على القيام بأعباء الدولة المستقلة الآتية لا محالة.
وأشار إلى أن الاستراتيجية الوطنية العليا كانت دائماً وما زالت تتمحور حول النضال بهدف نيل الحرية وتحقيق الاستقلال على كافة الصعد، ولا شك بأن بناء الاقتصاد الوطني واستقلاله يشكل جزءاً رئيسياً من هذه الاستراتيجية.
وأضاف مصطفى، أن المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية اتخذ مجموعة من القرارات والتي تشمل فيما بينها أهمية تحقيق الانفكاك الاقتصادي عن اقتصاد دولة الاحتلال، ونظرتنا للمعيقات التي تواجه تنفيذ مثل هذا القرار، كانت دوماً على أنها تحديات يجب العمل بالرغم منها والتصدي لها كجزءٍ من منظومة النضال الوطني في الحرية والاستقلال.
وشدد على أن هناك إجماعا على ضرورة إطلاق برنامج وطني للتحول الاقتصادي وصولاً للاعتماد على الذات، وأن تحقيق الاهداف الواردة في الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي، سيسهم بشكل مباشر في تحقيق المحاور الرئيسية التي يستند اليها البرنامج الوطني للتحول الاقتصادي، ومن ضمنها، دفع عملية التنمية الى الامام، خاصة في المناطق المستهدفة مثل القدس وقطاع غزة والأغوار، وتعظيم الاستفادة من الموارد المالية العامة المحدودة أصلا، من خلال برنامج شراكة فعلي مع القطاع الخاص، وذلك لسد الفجوات الاستثمارية الكبيرة في القطاعات الحيوية، إضافة الى العمل على تطوير البنية التحتية الأساسية والمنظومة المالية والتكنولوجية والبشرية لاقتصاد وطني منافس يقوم على المعرفة والإبداع ويستفيد من الطاقات الكامنة لدى شبابنا.
وأكد مصطفى أن أهم أهداف التحول الاقتصادي هو تحقيق مستوى مناسب للنمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل وتحسين مستوى حياة المواطن وتخفيض نسبة البطالة والفقر.
وِشدد على أنه ورغم أن المنظومة المالية في فلسطين قد قطعت أشواطاً كبيرة على جميع الأصعدة، إلا أننا بحاجة لاستكمال هذه الجهود بهدف تحقيق ما تصبو إليه الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي في الوصول إلى مؤشرات أفضل للشمول المالي واستخدام أفضل من أجل تحقيق التحول الاقتصادي الذي نسعى اليه؛ وهذا بلا شك هدف طموح لكنه قابلٌ للتحقيق بتضافر الجهود كافة.
بدوره، رحب محافظ سلطة النقد عزام الشوا في كلمته الافتتاحية للمؤتمر بممثل الرئيس وكبار الشخصيات والمتحدثين والضيوف من داخل وخارج فلسطين، وخص بالشكر الشركاء في إعداد الاستراتيجية والشركاء في تنظيم هذا الحفل، مؤكداً أهمية إطلاق الاستراتيجية باعتبارها مشروعاً هاماً وحيوياً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والتي تم صياغتها لتتواءم مع خطة التنمية الاقتصادية للحكومة ومع أهداف التنمية المستدامة الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة في عام 2016.
وقال: إن الجهود تضافرت خلال السنوات السابقة بين سلطة النقد وهيئة سوق رأس المال والمؤسسات الشريكة من القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني لإعدادها، ورغم الصعاب التي واجهتنا خلال مرحلة بناء الاستراتيجية ما كان لهذا المشروع أن يتكلل بالنجاح لولا العزيمة والإرادة وتضافر الجهود وتوفر الدعم الرسمي من الرئيس ورئيس الوزراء حفظهما الله، حيث توجت هذه الجهود بإعداد وثيقة الاستراتيجية وخطة عملها التنفيذية وفقاً للأسس والمعايير الدولية ذات العلاقة حتى نالت الاعتماد الرسمي من مجلس الوزراء الموقر خلال عام 2018.
وأشار محافظ سلطة النقد إلى أن البنية التحتية للنظام المالي حديثة ومتطورة وفق المعايير الدولية، والانتشار والتنوع في الخدمات المصرفية حقق معدلات جيدة، إضافة إلى استخدام الحسابات المصرفية بين البالغين والتي تجاوزت نسبتها حوالي %63، والبيئة القانونية وحماية الحقوق للمستهلكين متوفرة، كما أن كفاءة وكفاية مزودي الخدمات المصرفية عالية جداً.
وأضاف، أنه رغم التقلبات في الأوضاع السياسية والاقتصادية التي مرت بها فلسطين، أدركت سلطة النقد أهمية إنشاء استراتيجية وطنية للشمول المالي وكانت من أوائل البنوك المركزية التي بادرت في هذا المجال، واستطاعت خلال السنوات السابقة تحقيق العديد من الإنجازات والتي تصب جميعها في مصلحة الشمول المالي، وتم تعزيز كفاءة وملاءة الجهاز المصرفي وتمكين قطاع مؤسسات الإقراض المتخصص، وإطلاق العديد من الأنظمة المتطورة منها نظاما براق والمفتاح الوطني 194 ونظام آيبان وأنظمة الائتمان والتصنيف الائتماني والشيكات المعادة، كما تم تطوير الإجراءات وأدوات العمل والبيئة القانونية بما يلبي احتياجات التطور الحاصل على الصناعة المصرفية الفلسطينية.
وأوضح الشوا أنه في ضوء هذه التطورات قامت سلطة النقد بإطلاق مجموعة من المبادرات الهادفة إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية منها تمكين قطاع المرأة ورياديات الأعمال لجسر الفجوة الثقافية والتمويلية بين الجنسين، وتمكين قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر من الوصول لروافد الائتمان وبما يشمل ذلك قطاع الطاقة المتجددة والقروض الخضراء، كما تميزت سلطة النقد منذ عام 2011 في إطلاقها فعالية الأسبوع المصرفي للأطفال والشباب بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم العالي والتي حازت على جائزتين دوليتين في العامين 2013 و 2017 ومؤخراً إطلاق فعالية اليوم العربي للشمول المالي تحت مظلة صندوق النقد العربي، وقريباً جداً سيتحقق إنجاز آخر وجديد لسلطة النقد يتمثل في إطلاق نظام المقاصة الالكترونية.
من جهته، أشار رئيس مجلس إدارة هيئة سوق رأس المال الفلسطينية نبيل قسيس، إلى أن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي في فلسطين يمثل نقطة البداية نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية المحددة فيها، من خلال بدء التنفيذ الفعلي لخطة العمل التفصيلية المنبثقة عنها وبالتعاون مع كافة الشركاء وفقاً للإطار الزمني المحدد لتطبيقها والممتد لثماني سنوات.
وأضاف، أن الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية، من خلال ما تتيحه من فرص للفئات المجتمعية الأقل حظاً للاستفادة من الخدمات المالية، بما يمكنها من تسخير تلك الخدمات لأغراضها الحياتية والعملية وتحسين واقع حالها، مشيراً إلى أن اللجنة الوطنية للشمول المالي تؤمن أن تعزيز الشمول المالي في فلسطين يسهم وبشكل مباشر في تعزيز التنمية الاقتصادية وتخفيض نسب البطالة والحد من مستويات الفقر وزيادة نسب الرفاه الاجتماعي، وهي الأهداف الأسمى للشمول المالي في فلسطين والتي تأتي منسجمة وأجندة السياسات الوطنية.
وأوضح قسيس أن ما يميز الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي في فلسطين أنها تغطي القطاع المالي بشقيه المصرفي وغير المصرفي وأننا في هيئة سوق رأس المال إضافة إلى قيادتنا المشتركة مع سلطة النقد في تطبيق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي، وكجهة مسؤولة على الرقابة والإشراف على القطاع المالي غير المصرفي، مستمرون في المضي قدماً في استراتيجية الهيئة الهادفة إلى زيادة عمق ونشاط القطاعات لتلبية احتياجات الفئات المجتمعية المستهدفة ووفقا لمتطلبات تعزيز الشمول المالي، وبالتعاون مع الشركاء.
وتابع: سيتم العمل على تعزيز الثقة وزيادة المعرفة بالخدمات والمنتجات التي يقدمها قطاع التأمين الفلسطيني، وتطوير منتجات تأمينية تلبي احتياجات رياديي الأعمال والمنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر، واتخاذ السياسات والإجراءات التي تسهم في تحقيق قطاع التأمين لدوره في التنمية الاقتصادية والحماية الاجتماعية، إضافة الى استمرار العمل على تعزيز دور قطاع التأجير التمويلي في توفير البدائل التمويلية لأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة والتي تناسب احتياجاتهم وتلبي متطلباتهم التمويلية اللازمة للبدء بمشاريعهم الإنتاجية، وفقاً لصيغ التأجير التمويلي التي تقوم على أساس الانتفاع من الأصل من خلال الحيازة الاقتصادية كبديل عن الحيازة القانونية للأصل الأمر الذي يسهل من توفير المعدات والأدوات الإنتاجية لأصحاب الأعمال.
من جهتها، قالت ممثلة الحكومة الألمانية في فلسطين حنا الجا، إن الشمول المالي ليس هدفاً في حد ذاته ولكنه شرط مسبق وضروري لتحقيق الاستقرار والنمو وتوفير فرص العمل والدخل، بينما يؤدي الاستبعاد المالي إلى حرمان شرائح في المجتمع وعدم الاستفادة من الإمكانات الاجتماعية-الاقتصادية، ويضع الأسر والشركات في أوضاع مالية صعبة، ويترك الاقتصاد في حالة من عدم القدرة وعدم الكفاءة، مما يشكل خطراً على استقرار الاقتصاد.
وأضافت، أن فلسطين قررت وبجهد قومي نهنئهم عليه، المضي قدمًا بالشمول المالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل جميع شرائح المجتمع الفلسطيني، مشيرة إلى أن الحكومة الألمانية تعاونت خلال السنوات الماضية مع المؤسسات الفلسطينية وفي مقدمتها سلطة النقد وهيئة سوق رأس المال، لأن ألمانيا تعتبر الشمول المالي أداة قوية لتحقيق الاستقرار والنمو والنزاهة في نفس الوقت ويبني المؤسسات على أساس متين ويسهل الابتكار.
وبينت الجا أن التحديات القائمة كبيرة ولن يتم حلها من خلال قوانين أو تعليمات جديدة فقط، مشيدة بعمل سلطة النقد وهيئة سوق رأس المال في إعداد الاستراتيجية ومتابعتها الحثيثة، ومتمنياً لهما النجاح، مؤكدة استمرارية الدعم الألماني سواء في المجالات التقليدية أو في مجال التكنولوجيا المالية والرقمنة.
وألقى الرئيس التنفيذي لمؤسسة التحالف العالمي للشمول المالي ألفريد هاننج كلمة هنّأ فيها فلسطين على إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي التي تهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والتنمية المستدامة، معرباً عن افتخار مؤسسته بأنها رافقت سلطة النقد في تطوير الاستراتيجية.
وأضاف، أنه بعد الأردن، فإن فلسطين تحتل المرتبة الثانية في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي، منذ أن تم تأسيس "مبادرة الشمول المالي في المنطقة العربية" من قبل صندوق النقد العربي ومؤسسة GIZ، والتحالف العالمي للشمول المالي (AFI) في منتدى السياسة العالمي بشرم الشيخ في أيلول/ سبتمبر 2017، مشيراً إلى أن هذه الاستراتيجية تعطي اهتماماً خاصاً للأفراد المهمشين والشمول المالي للمرأة.
وبين هاننج أن الاستراتيجيات الوطنية للشمول المالي يجب أن تراعي مشكلة المهمشين والمستبعدين من الناحية المالية والذين يضطرون إلى الاعتماد على الخدمات المالية غير الرسمية وغير المكلفة، فعلاج هذه المشكلة لن يساهم فقط في النمو الاقتصادي الشامل والحفاظ على كرامة الإنسان، بل إنه يحفظ الاستقرار المالي والنزاهة من خلال تخفيف المخاطر المرتبطة بالاقتصاد غير المرئي.
واشتمل حفل إطلاق الاستراتيجية على جلستين، الأولى بعنوان المرأة والشمول المالي في فلسطين ترأستها هنريت كولب من مؤسسة التمويل الدولية IFC، والجلسة الثانية بعنوان الخطوات المستقبلية والأولويات في تمكين قطاع المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر وترأسها السيد حيدر بغدادي من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ، وشارك فيهما بمداخلات العديد من الخبراء بحضور عدد كبير من القيادات المصرفية والمالية والاقتصادية.
وتخلل حفلَ الافتتاح عرضُ فيلم الشمول المالي في فلسطين، وإطلاق شعار الاستراتيجية، وعرض موقع الشمول المالي في فلسطين، وفقرة فنية، وحظي باهتمام ملموس من قبل الأوساط الاقتصادية والإعلامية.