36 عاما على الاجتياح الإسرائيلي للبنان

الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982

تصادف في هذه الأيام الذكرى 36 للاجتياح الإسرائيلي للبنان، الذي بدأ في السادس من حزيران في العام 1982، والذي راح ضحيته آلاف الفلسطينيين واللبنانيين، وتدمير الأحياء والمخيمات الفلسطينية، وخروج الفدائيين الفلسطينيين من بيروت، وتوزيعهم على عدة دول عربية.

الاجتياح أو ما يعرف "بحرب لبنان" من العام  1982 أو ما أطلقت عليه إسرائيل اسم عملية "السلام للجليل" و"عملية الصنوبر"، هي حرب عصفت بلبنان فتحولت أراضيه إلى ساحة قتال بين منظمة التحرير، وإسرائيل، عندما قررت الحكومة الإسرائيلية شن عملية عسكرية ضد منظمة التحرير، بعد محاولة اغتيال سفيرها في المملكة المتحدة، على يد مجموعة أبو نضال، حيث قامت إسرائيل باحتلال جنوب لبنان، بعد أن هاجمت منظمة التحرير والقوات السورية والمليشيات المسلحة الإسلامية اللبنانية، وحاصرت منظمة التحرير وبعض وحدات الجيش السوري في بيروت الغربية.

وفي الرابع من حزيران 1982 شهد قصف الطيران الإسرائيلي لأهداف محددة منها المدينة الرياضية ومخيم برج البراجنة في بيروت، إضافة إلى غارات على مدينة صور ومخيم الرشيدية وغيرها من المواقع، وردت المدفعية الفلسطينية بقصف مستوطنات وتجمعات إسرائيلية داخل الأرض المحتلة، إضافة إلى إسقاط طائرتين في الخامس من حزيران، وتم إلقاء القبض على أحد الطيارين وأرسل إلى بيروت وتم التعامل معه كأسير حرب، الأمر الذي شكل عنصر لتدني الروح المعنوية لدى الطيارين الإسرائيليين.

ومع بدء الهجوم على الأراضي اللبنانية تصدى الفدائيون للهجوم بالرغم من ضخامته، والذي استهدف خمسة محاور رئيسية استهدفت المدن الرئيسية، والمخيمات كافة.

وكانت احداث "قلعة شقيف" من أبرز المحطات التي عاشتها الثورة الفلسطينية في تاريخ نضالها، وتحديدا في لبنان، على بعد 10 كم من الحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلة، وصمودها الأسطوري، وحاول الجيش الإسرائيلي احتلال الموقع أكثر من مرة قبل الاجتياح، وفقد العديد من جنوده وضباطه، إلا أن صمود الفدائيين وموقع القلعة تحصيناتها من الداخل، بالإضافة للأنفاق التي حفرها المقاتلون بأنفسهم وبالتعاون مع وحدات الهندسة والتحصينات قبل الحرب، وحقول الألغام التي زرعت حوله؛ أعطت للمقاتلين إمكانية القتال وتعزيز الصمود شكل عنصرا قويا وصعبا أمام الجيش الإسرائيلي وخططه.

وأشار إلى أن ما قامت به إسرائيل من جرائم حرب عزز الموقف الدولي حول عنجهيتها، وأنها لا تريد السلام بل تريد التوسع، والاستيطان، والمزيد من الاحتلال، وهذا كله ساعد على صمود الفلسطينيين، وعدالة القضية وجرائم الحرب، للتحرك من اجل القضية الفلسطينية، الأمر الذي جعل القيادة الفلسطينية في لعب الدور بشكل صحيح من حيث مخاطبتها بجرائم الحرب، والتركيز عليها، واثبات أن الفلسطينيين من خلال سلوكهم ليسوا مجموعات إرهابية، بل استخدموا مقاومة الاحتلال عن طريق الشرعية الدولية.

وفي 21 نيسان 1982 قصف سلاح الجو الإسرائيلي موقعا لمنظمة التحرير جنوب لبنان، وفي 9 أيار 1982 قصفت منظمة التحرير بالصواريخ شمال إسرائيل؛ ردا على ذلك؛ وتلا هذا القصف المتبادل محاولة لاغتيال سفير إسرائيل في بريطانيا (شلومو آرجوف) في 3 حزيران 1982؛ فقامت إسرائيل بقصف منشآت ومواقع تابعة لمنظمة التحرير في قلب بيروت. 

 ومن الجدير بالذكر أن منفذي محاولة اغتيال "شلومو آرجوف" كانوا من جماعة أبو نضال المناهضة لياسر عرفات، والتي كانت تعرف باسم "فتح- المجلس الثوري" (توفي شلومو أرغوف عام 2003).

في اليوم التالي لمحاولة الاغتيال والقصف الإسرائيلي لبيروت؛ قامت منظمة التحرير بقصف شمال إسرائيل مرة أخرى؛ وقتل في هذا القصف إسرائيلي واحد.

 في 5-6 حزيران 1982 بدأت إسرائيل حملة قصف جوي ومدفعي كثيف على صيدا والنبطية والدامور وتبنين وعرنون وقلعة شقيف؛ ودخل الجيش الإسرائيلي الأراضي اللبنانية في 6 حزيران 1982 مجتازا المواقع التي كان يشغلها 7000 جندي تابعين لقوات الأمم المتحدة بكل سهولة.

وفي 13 يونيو قامت القوات الإسرائيلية ومليشيات لبنانية بمحاصرة بيروت، حتى 28 أغسطس.  وطوال فترة الحصار؛ قامت القوات الإسرائيلية بقصف بيروت من البر باستعمال المدفعية ومن الجو والبحر؛ ما أدى إلى تسوية معظم المدينة بالأرض، وقتل أكثر من 30000 مدني لبناني، وإصابة أكثر من 40000 شخص، ونزوح أكثر من نصف مليون شخص عن بيروت؛ وفي فترة الست وسبعين يومًا استمرت إسرائيل بمنع المعونات الدولية والإنسانية عن بيروت.

  وصرحت إسرائيل أن مسؤولية الوفيات والدمار اللذين أصابا البنية التحتية والخسائر البشرية هو استعمال منظمة التحرير الفلسطينية المدنيين كدروع بشرية، واستعمال منازل المدنيين كمعاقل للقتال؛ ما اضطرها (إسرائيل) مرغمة على القصف لتدمير البنية التحتية التي يمكن أن يستعملها المقاتلون (المخربون حسب تعبير إسرائيل).  

استعملت إسرائيل في هجومها على بيروت أسلحة محرمة دوليًا، بدءًا من القنابل العنقودية والفسفورية، ومرورًا "بالنابالم" وألعاب الأطفال المفخخة، وانتهاء بقنابل بخار الوقود، وأعاد كل من رونالد ريغان وهنري كسنجر التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وتم منع جميع المبادرات التي قدمت لإيقاف القتال. وانتهى الحصار بمسح كامل لثلث بيروت من الخارطة.

بعد تعرض مواقع المقاومة الفلسطينية في لبنان لقصف عنيف حيث زجت إسرائيل في هذه الحرب بضعف عدد القوات التي واجهت بها مصر وسوريا في حرب تشرين الأول 1973، انسحبت منظمة التحرير من بيروت بمعاونة ومبادرة المبعوث الأميركي الخاص فيليب حبيب، وتحت حماية قوات حفظ السلام الدولية، وانتهت هذه الحرب بشكلها المعترف به في عام 1985، إلا أن آثارها ومخلفاتها لم تنته حتى نيسان من عام 2000 عندما انسحب الجيش الإسرائيلي وأعوانه فعليا من جنوب لبنان.

وعبر الرئيس الراحل ياسر عرفات 'أبو عمار' عن عدم الرضا لخروج الفدائيين من بيروت في ظل الشروط الإسرائيلية وضعتها عبر الوسيط الأميركي فيليب حبيب دبلوماسي من الولايات المتحدة من أصول لبنانية مارونية في إجابته لأسئلة الإعلاميين، قال "ابو عمار" في ذلك الحين، 'أنا ذاهب إلى فلسطين'.

وجرى حوار بين القيادة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية حول كيفية التصرف، حيث تم الاتفاق على القبول بخروج الفدائيين من بيروت، وأبلغ "أبو عمار" الرئيس اللبناني آنذاك إلياس سركيس ورئيس الوزراء شفيق الوزان موافقته على خطة حبيب، وأفضت وساطة حبيب بخروج الفدائيين الفلسطينيين من بيروت وتوزيعهم على تسع دول، وبعد موافقة الحكومة اللبنانية في الثامن عشر من آب عام 1982، وذلك بهدف وقف المجزرة التي ترتكبها إسرائيل.

خرج "أبو عمار" ورفاقه من بيروت على وقع الاجتياح الذي كان يشرف عليه آنذاك وزير جيش الاحتلال أريئيل شارون، ورغم أن المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية المتحالفة معها قد منيتا بخسارة فادحة، فإن خروج أبو عمار من بيروت آثار تعاطفا شعبيا وسياسيا كبيرا من رفاق الدرب والحلفاء.

وفي 21 آب 1982، بدأ الفدائيون مغادرة لبنان ببزاتهم العسكرية وبأسلحتهم الشخصية، حيث توزع مقاتلو منظمة التحرير 970 مقاتلًا إلى تونس، و 261مقاتلا إلى الأردن، و136 مقاتلا إلى العراق، و931 مقاتلا إلى اليمن الجنوبية، و841 مقاتلا إلى اليمن الشمالية، و588 مقاتلا إلى الجزائر، و448 مقاتلا إلى السودان، و3900 مقاتل إلى سوريا.وقبل أن يصعد "أبو عمار" إلى السفينة اليونانية "اتلانتيد" من ميناء بيروت في 30 آب ليغادرها، توقف للحظات، وقال بصوت عال "أيها المجد لتركع أمام بيروت".

واستطاع الفدائيون الفلسطينيون ان يحولوا الهزيمة العسكرية إلى ما يشبه "الانتصار" بالمعنى السياسي، حيث اعتبر المراقبون والسياسيون ان خروج البندقية الفلسطينية من بيروت انهت مقولة وفكرة التحرير من الخارج، وأنها أسست لمرحلة جديدة من النضال، تقوم على مبدأ تحرير الأراضي المحتلة من الداخل، وجاءت الترجمة الفعلية في الانتفاضة الأولى عام 1987، وصولا إلى توقيع اتفاقات أوسلو عام 1994 أي بعد 12 عاما لخروج المنظمة من بيروت.