رام الله الإخباري
“أنا راجع”.. كانت هذه آخر الكلمات التي كتبها محمد أبو عمرو على شاطئ الشجاعية في قطاع غزة، قبل أن يرحل عن الدنيا، تاركاً وراءه حسرةً وألماً وصدمة بين أهله وأصدقائه، نهار الجمعة الماضي.
الشاب والفنان الذي يصفه أصدقاؤه بـ”الوديع، الهادئ، طيب القلب” تلقَّى رصاصة مباشرة في قلبه، أُطلقت من قنَّاص إسرائيلي، بعدما خرج ضمن آلاف الغزِّيين باتجاه السياج الحدودي، ضمن مسيرات سلمية للمطالبة بحق العودة.
ونقش الشاب الفلسطيني عبارة “أنا راجع” على رمال الشاطئ، وهو هاشتاغ انتشر قبل يوم من بدء المظاهرات، إلى جانب علمين لفلسطين على شاطئ غزة، قبل يوم من المظاهرات، التي انتهت باستشهاد 17 مواطنا فلسطينيا وإصابة أكثر من 1200 آخرين، يوم الجمعة 30 مارس/آذار.
وسرعان ما تحوَّلت حملة احتجاجاتٍ سلمية على مدار 6 أسابيع، بلغت ذروتها في مسيرةٍ جماهيريةٍ اتَّجهت إلى الحدود الفلسطينية المحتلة مع قطاع غزة، إلى سفكٍ للدماء، الجمعة 30 مارس/آذار 201؛ إذ أطلق جيش الاحتلال النارَ على المتظاهرين فقتل 15 شخصاً وأصاب أكثر من 1200 شخص آخرين.
محمد الذي كانت الهجرة أحد خياراته المطروحة لحياة أفضل، لن يعود إلى الشاطئ مجدداً، ولن يُحقِّق حلماً كان يشغل باله حتى آخر لحظة في حياته، فهو كان يبحث عن داعم يساعده في نقش أطول خارطة لفلسطين.
يقول والده، نعيم أبو عمرو: “لقد اعتدتُ على الحزن والمآسي. فقد استشهد ابني البكر، كما توفيت زوجتي بالسرطان. تعودنا هنا في غزة على تقديم الشهداء”.
وفي حديث له عبر الهاتف، اختنق صوت الوالد، وتردَّدت الكلمات بين شفتيه، وكان مقتضباً جداً عندما أنهى الاتصال بعبارة “أنا إنسان بسيط، وابني إنسان بسيط، ذهب واحد وبقي لي أربعة”.
المحزن في قصة محمد، كما يقول ابن عمه عامر أبو عمرو، أنه استشهد قبل أن يحقق حلماً كان يظن أنه يقوده إلى الشهرة والعالمية، كان يريد تنفيذ مشروع ضخم لنقش خارطة فلسطين بالرمل، ملونة، ومفصلَّة، تظهر فيها كل قرى ومدن فلسطين”.
وأضاف في حديثه أن محمد كان يُلحُّ عليه من أجل مساعدته في تنفيذ هذا الحلم “صرت أتهرَّب منه مؤخراً، لأني لم أكن قادراً على دعمه. مع العلم أن تكلفة مشروعه كانت لا تتعدى 150 دولاراً”.
وقال عامر إن ابن عمه كان “ضحوكاً، بسيطاً، صغيرَ السن، كان يبحث عن أمل. لم يكن يعمل، لكنه كان موهوباً في الحفر على الرمال. وكان يرسم ويكتب عبارات تعبر عن حبه لقضايا فلسطين”.
أمجد عمرو هو قريب آخر له، قال: إن محمد لم يكن كثيرَ الاختلاط بالناس، كان يحب دائماً الجلوسَ على الشاطئ ونقش عباراته.
وذكر أنه قبل وفاته “صار كثيرَ الخروج والكلام مع الناس، وكان يأمل في الحصول على عمل”. مضيفاً: “لم نستطع توديعه، حتى الآن نحن في حالة صدمة، لقد حصل كل شيء بسرعة، اختفى من بيننا فجأة”.
وتعد هذه الاشتباكات هي الأولى من نوعها كماً وكيفاً، فلم يسبق أن تواجه مدنيين مع قوات الاحتلال بهذه الكميات وسط إصابات كبيرة نتيجة استهدافهم بالقناصة. وكان قطاع غزة في المعتاد يواجه حرباً مباشرة بين حركة حماس وجيش الاحتلال مع ارتقاء إصابات في المدنيين بسبب الاستهداف الجوي والمدفعي.
قصة محمد تحمل الكثير من الألم. فأمه توفيت قبل سنوات، وله شقيق توفي، استشهد عام 2007 خلال الحرب على قطاع غزة. يقول أمجد “هذا الشاب عاش حياةً حزينةً، عاطل عن العمل، فَقَدَ أقربَ الناس له. هذه الآلام كنا نراها في الكلمات القليلة التي كان ينقشها على الشاطئ”.
كان محمد يذهب إلى الشاطئ كثيراً كما يقول أقربائه، وكان أيضاً يحب ركوب الخيل والسير بها على الشاطئ. “كان مليئاً بالحياة، يريد عمل كل شيء، يريد أن يخرج من حالة الفقر والبطالة، لكن الموت كان أسرعَ”.
وقال شقيقه أحمد: “كلنا نناضل لأجل فلسطين، وكلٌّ له طريقته. شقيقي كان يجسد طريقته من خلال الفن، كان يحلم في آخر أيامه بالخروج خارج فلسطين للبحث عن فضاء واسع، ليصبح فناناً عالمياً لأجل فلسطين، لكنه فشل في ذلك”.
عربي بوست