رام الله الإخباري
قبل نحو أسبوع خرج الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ بتصريح فريد طويل على صفحته الرسمية في موقع التواصل، يقر فيه بشكل غير مباشر بوجود مشاكل في الشبكة الاجتماعية، وأن إستراتيجية الشركة لهذا العام ستركز على حلها من خلال "ضمان أن الوقت الذي نمضيه على فيسبوك يُقضى بأفضل صورة".
وبحسب "زوكربيرغ"، فإن شبكة فيسبوك بدأت كوسيلة لتسهيل التواصل بين المستخدمين حول العالم بنيّة تقوية الروابط الاجتماعية قدر الإمكان، لكن وبسبب ازدياد عدد الصفحات العامة وحسابات الشركات التي أصبحت تستغل وجود أكثر من ملياري شخص على الشبكة الاجتماعية، بدأت المشاركات العامة باحتلال المراتب الأولى في صفحة آخر الأخبار (News Feed) الخاصة بالمستخدم، وهو ما يجعل تفاعله مع الشبكة غير شخصي.
ولذلك قرر مؤسس فيسبوك إحداث بعض التغييرات التي ستحدث تدريجيا، وتبدأ بتطوير خوارزميات للحد أولا من المشاركات التي تنشرها الصفحات العامة والشركات، فاسحة المجال أمام مشاركات أصدقاء المستخدم وأفراد عائلته للظهور قبل أي شيء، لتعزيز التواصل بين المستخدم وأصدقائه، والعودة بفيسبوك إلى الجذور التي بني عليها.
ثم أعلن يوم الجمعة 19 فبراير/شباط عن الخطوة الثانية التي تتمثل بإعطاء الأولوية لمشاركات وسائل الإعلام "الجديرة بالثقة" بالظهور في صفحة آخر الأخبار، بحيث تكون الأفضلية "للأخبار ذات الجودة العالية" على المصادر الأقل جدارة، وستستعين الشركة باستطلاعات الرأي لتحديد ترتيب وسائل الإعلام من حيث الثقة، في إطار سعيها لمكافحة "الإثارة" و"الأخبار المضللة".
زوكربيرغ قال إن هدف التغيير هو ضمان أن الوقت الذي يمضيه المستخدم على فيسبوك سيُقضى بأفضل صورة (رويترز)
لكن في النهاية ما يهمنا كمستخدمين لشبكة فيسبوك هو معرفة الإجابة عن الأسئلة التالية: لماذا قررت فيسبوك القيام بهذا التغيير؟ وما الذي تعنيه هذه التغييرات بالنسبة لنا؟ وماذا لو أردت كمستخدم العودة إلى الأسلوب السابق في عرض المنشورات؟ وما أثر ذلك على الشركات الإعلامية؟
الأسباب الظاهرة والخفية
الشيء الظاهر لنا هو أن فيسبوك -وفقا لكلام زوكربيرغ- تريد العودة إلى جذورها الأساسية وهي ربط الناس ببعضهم، لا ربطهم بالشركات والمؤسسات، وجعل الموقع تجربة أكثر وضوحا وإيجابية من خلال التركيز أكثر على التفاعل مع الأصدقاء وأفراد الأسرة، بدلا من نشر أخبار ناشرين يحاولون رفع نسبة زيارات مواقعهم، أو شركات تحاول استقطاب مزيد من المستهلكين لمنتجاتها.
أما الأسباب الأخرى لهذا التغيير فهي كثيرة، فمثلا قد يكون خطوة أخرى لتطهير سمعة الشركة أنها حاضنة للأخبار المزيفة وتساعد في نشر القصص المضللة، وهي الانتقادات التي رافقتها خلال انتخابات الرئاسة الأميركية في 2016.
وسبب آخر قوي، وهو أن فيسبوك ربما ستتحرك الآن نحو محاسبة المعلنين أكثر كي يصلوا إلى صفحة آخر الأخبار للمستخدمين وبالتالي تحقيق أرباح أكثر، فالتغيير سيعني أن من غير المرجح أن يجد المعلنون طريقهم إلى المستخدمين كالسابق ما لم يدفعوا لفيسبوك.
ومن الأسباب الأخرى المهمة، انخفاض "المشاركة العضوية" -وهي مشاركة المستخدمين لمحتوى عن حياتهم الخاصة، بدلا من مجرد مشاركة روابط لشبكة الإنترنت أو مقاطع فيديو أو صور أنتجها آخرون. وهذا أمر يقلق فيسبوك بصورة مباشرة لأن الناس إن لم ينشروا شيئا عن حياتهم الخاصة، فإنها لن تتمكن من استخدام تلك المعلومات لبيع الإعلانات.
ما الذي يعنيه التغيير لك؟
إذا كنت تستخدم فيسبوك للتواصل مع الأصدقاء والعائلة فمن المحتمل أن يكون هذا التغيير جيدا، حيث لن تشاهد منشورات الشركات والمؤسسات بنفس الزخم الذي تشاهده الآن، لكنه لن يمنع مثلا ظهور مشاركات قريب أو صديق لك لم ترغب في ظهورها، خاصة إذا أعجب بمنشوراته أو علق عليها أصدقاء آخرون.
وفي النهاية فإنه سيظل بإمكان فيسبوك تحديد ما تعتقد أنك تريد مشاهدته، ودفع المحتوى الأكثر شعبية إلى المقدمة.
أما إذا كنت تفضل مشاهدة منشورات الأخبار كالسابق، فيمكنك القيام بذلك من خلال التوجه إلى الصفحة التي تتبعها والنقر على "متابعة" ثم "مشاهدة أولا"، وسيدفع ذلك منشورات تلك الصفحة إلى قمة صفحة آخر الأخبار.
لكن ما الذي يعنيه هذا بالنسبة للناشرين ووسائل الإعلام؟
بكل بساطة ستبدأ بمشاهدة محتوى عام أقل من الشركات أو العلامات التجارية أو وسائل الإعلام، وفقا لزوكربيرغ ذاته، وسيترتب على ذلك أن يشهد مثل هؤلاء الناشرين انخفاضا ملحوظا في عدد المستخدمين الذين يشاهدون مشاركاتهم على فيسبوك.
وكمثال على ذلك فإن بعض الصحفيين في غواتيمالا -وهي من الدول التي اختبرت فيها التغييرات الجديدة- ذكروا أن نسبة قراءة منشوراتهم انخفضت إلى النصف بين عشية وضحاها، نتيجة لاختفائها عن معظم صفحات آخر الأخبار في فيسبوك.
لكن هذا "الضرر" لن يصيب الجميع، وذلك لأن الناشرين الأكثر تضررا سيكونون أولئك الذين بنوا إستراتيجيتهم حول فيسبوك ويعتمدون على منصته لتوليد حركة إلى صفحاتهم الرسمية ولتحقيق معظم أو حتى كامل عائداتهم، في حين أن المؤسسات الإعلامية التي تملك قاعدة مستخدمين صلبة وتتحكم بمنصاتها الخاصة ستجد سهولة في ركوب موجة التغيير هذه.
إلى جانب ما سبق فإن فيسبوك ستنتهج سياسة استطلاع المستخدمين لتقييم مصداقية وسائل الإعلام، وسيتم بناء على ذلك دفع منشورات الوسائل الموثوقة إلى المقدمة أمام الوسائل الإعلامية الأخرى الأقل جدارة.
من ناحية أخرى، ونظرا لاعتماد فيسبوك على الناشرين في تحقيق الإيرادات، فإن هذا التغيير قد يؤدي إلى ظهور سياسة جديدة تضع بعض وسائل الإعلام القوية ذات المحتوى الجيد في مسار أكثر استدامة، وربما يترتب على الأمر أن تقرر وسائل الإعلام اتباع نهج الاشتراكات لتحقيق الأرباح والعائدات.
وفي النهاية فإن منتجي المحتوى الرقمي الذين يفشلون في إنتاج المحتوى الملائم لجذب المستخدمين سيسقطون بطريقة مدوية.
الجزيرة نت