رام الله الإخباري
هل تخيلت أن تصحو يوماً من نومك لتجد ملامح وجهك أو وجه من تحب قد تغيرت؟ أو أن تفتح ألبوم صور قديم لتتذكر كيف كانت تفاصيله قبل أن "يتحول"!
وهل لك أن تتخيل أن تتخلص إحداهن من شعرها طواعية لأنها فقدت أصابعها التي أعتادت تسريح خصاله؟ تلك حوادث وقصص تجاوزت حدود الخيال، وصولاً إلى الواقع، حدث ذلك مع كثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، كثيرون منهم غرب ولا يمتون بصلة، غالبا، لأصحاب القصص التي نتحدث عنهم، ولكن لكم أن تتخيلوا وقع ذلك التغيير على عائلات هؤلاء!
نتحدث هنا عن إسراء جعابيص، وعزمي نفاع، المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، واللذين أصبحا مؤخرا حديث الناس، بعد انتشار صورهما على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يعرفهما ذويهما في الزيارة الأولى بعد هذا "التغيير".في أول زيارة لها، قصدت منى وعائلتها سجن "هشارون"، حيث تقبع شقيقتها المعتقلة إسراء، (32 عاماً)، وهناك كانت الصدمة!
حروق أتت على 60% من ملامح جسد ووجه شقيقتها الصغرى إسراء، بعد اندلاع حريق في المركبة التي كانت تقودها حين انفجر بالون الهواء في المقود.
حدث ذلك عندما تعطلت مركبة إسراء فجأة، وفقدت السيطرة عليها، أوقفتها بصعوبة وطلبت مساعدة من دورية لشرطة الاحتلال، لم يفهموا ما تريد فهي لا تتحدث العبرية وهم لا يتحدثون العربية، أجبروها على البقاء في المركبة، لينفجر البالون في وجهها، ولتواجه بعدها تهمة محاولة قتل أفراد الدورية وتحكم بالسجن 11 عاماً!
"هذه أنا، أنا إسراء"، هكذا عرّفت نفسها لعائلتها التي كانت تنتظرها في غرف الزيارة.
منذ ذلك الحين، وإسراء المولودة في جبل المكبر في القدس المحتلة، والأم لطفل واحد، تجابه الوجع والألم وحيدة في المعتقل، فالحروق ألصقت كتفها الأيمن من تحت الإبط بجسدها وأصبحت عاجزة تماما عن تحريك يدها، كما التصقت أذناها برأسها بفعل النيران، وشوهت وجهها للحد الذي اختفت معه ملامحها، وبمرور الوقت صارت تعاني من ضعف في النظر، بحيث تجد صعوبة في رؤية الأشياء البعيدة.
ومنذ أيام قليلة أقدمت إسراء على قص شعرها، حتى لا تكون مضطرة لتسريحه، فهذه الوظيفة التي كانت في يوم ما مهمة روتينية محببة أضحت شاقة لدرجة الألم، خاصة بعد أن بترت أصابعها بفعل الحروق، ولم يبق لها سوى اثنين في يدها اليمنى، أما العودة لهذا الروتين المحبب فتحتاج ثماني عمليات جراحية، والكثير من العمليات التجميلية.
وفي محاولة لمعالجة جزء يسير من التشوهات في وجهها، أجريت لها عمليات جراحية، أخذ خلالها الأطباء أجزاء من جلد قدميها، وزرعها في منطقة الرقبة، وهو ما يسبب لها حاليا تهيجا واحمرارا، ولأن ما تسمى إدارة مصلحة السجون لا تكترث بمتابعة علاجها وإهمالها، استبدت بها الالتهابات، أما درجة حرارة جسمها فتشهد ارتفاعا باستمرار، حيث باتت تكتفي بارتداء قطعة واحدة من الملابس، حتى في فصل الشتاء القارس.
أما المعتقل عزمي نفاع، الذي يقبع حاليا في معتقل جلبوع، فقصته مشابهة تماما!
أحضر عزمي إلى قاعة محكمة سالم العسكرية، في زيارة والديه الأولى. الوالدان ينتظران، وعزمي المكبل بالأغلال بقدميه، والجبص يكسو يده اليسرى فوقف محاولا لفت انتباه والديه اللذين أنكراه بداية، فهذا ليس عزمي. من هذا الشاب سألت الأم؟ رد الأب، هذا ابننا عزمي، لكنها لم تصدق.
كان عزمي، ابن الأربعة وعشرين ربيعاً، والمحكوم بالسجن 20 عاما، يشيح ببصره عن والديه، حتى لا يمعنا النظر طويلا إلى وجهه المشوه بفعل رصاص جيش الاحتلال، الذي أصابه في الرابع والعشرين من تشرين الثاني عام 2015، عند حاجز زعترة العسكري جنوب مدينة نابلس، بعد اتهامه بمحاولة تنفيذ عملية دهس.
لم يكن لدى العائلة تصور مسبق بأن ملامح ابنها تغيرت إلى هذا الحد، وفي الصور التي التقطت لعزمي داخل المعتقل، ونشرها والده على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أظهرت الندب الكثيرة التي تركها أثر الرصاص على وجهه.
سهيل نفاع ـــ الوالد ــــ، قال إنه احتضن ابنه في أول زيارة، وطلب منه فتح فمه، فكانت الصدمة الثانية!
حيث فقد عزمي أسنانه العلوية، واستئصل جزء من شفته العلوية التي أصابها الرصاص، بينما نجا من فقدان النطق."إذا أراد عزمي أن يأكل، فإنه يقوم بتقطيع الطعام إلى قطع صغيرة جدا، ورغم ذلك يجد صعوبة في مضغها" قال نفاع.
في السجن جلس عدد من المعتقلين يتبادلون أطراف الحديث، ويتناولون بعضا من المسليات "البزورات"، ولأن عزمي لا يستطيع تناولها، قاموا بتقشيرها له وإطعامه، الأمر الذي رفضه عزمي، تلك قصة نقلها معتقل محرر زامل عزمي في السجن.
لم يترك رصاص الاحتلال أثره على وجه عزمي وحسب، إنما على يديه أيضا، حيث تسبب بقطع أوتار أصابع يده اليمنى، وفشلت العمليات الجراحية التي أجريت له في وصل ما قطعه الاحتلال، وإلى الآن لا يستطيع تحريكها.
ويحتاج عزمي لسنوات من العلاج، ومزيد من العمليات الجراحية لزراعة عظم في الفك العلوي.كم عملية تجميل يحتاجها عزمي وإسراء لإزالة أثر الرصاص والحروق والندب؟ أجاب والده سهيل نفاع: "ولدي لا يحتاج إلى تجميل هو وسيم وجميل".قالت منى شقيقة إسراء: "اذا أحببنا إنسان فإننا نحبه لطُهر قلبه وليس لمظهره، وما زالت إسراء رغم التشوهات وجه فلسطين الأجمل".
وكالة وفا