رام الله الإخباري
بعد 14 سنة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، أصر الأسير المحررلؤي بنان صوان (33 سنة)، من ضاحية ذنابة بمدينة طولكرم، أن لا يذهب لرؤية أمه عقب الإفراج عنه، إلا بعد أن يقابل زميله في الأسر معاذ خالد مسامح (34 سنة)، من ضاحية شويكة في مدينة طولكرم، والدته.
في السابع والعشرين من الشهر الماضي، أفرجت سلطات الاحتلال عن لؤي من سجن النقب الصحراوي، لكن لؤي أصر على المبيت في بلدة الظاهرية، جنوب الخليل، وعدم العودة إلى منزله لرؤية والدته قبل أن يرى صديقه معاذ والدته أولا.
خرج معاذ من السجن في اليوم التالي، فطلب من لؤي أن يذهب إلى والدته. وصلا إلى طولكرم معا، وأصرا على الاحتفال بالإفراج عنهما في منزل معاذ. يقول لؤي لـ"العربي الجديد": "لقد عاهدت معاذ أن لا تفرح أمي قبل أمه، ولم أعد لمنزلي قبله. الاحتلال أخّر الإفراج عن معاذ، فذهبت إلى طولكرم، واحتفلت مع معاذ بحريتنا في منزله".
أظهرت تلك المشاعر قصة بدأت قبل 14 سنة، ذاق فيها الصديقان معاذ ولؤي مرارة السجن وحلاوة الصداقة. الحكاية، كما يرويها الصديقان لـ"العربي الجديد"، بدأت حين اعتقالهما، في 28 من نوفمبر/تشرين الثاني 2003، كانا يستقلان سيارة عائدين من مدينة جنين باتجاه طولكرم، وكانت قوات الاحتلال تطاردهما طيلة 3 سنوات، وبالقرب من إحدى قرى طولكرم قابلهما كمين نصبته قوات خاصة إسرائيلية تم إنزالها بواسطة طائرة مروحية.
طاردتهما قوات الاحتلال وسط إطلاق نار كثيف. فر معاذ، واعتقلت قوات الاحتلال لؤي الذي لم يتمكن من الفرار لمعاناته من إصابة سابقة. فجر اليوم التالي، تمكنت قوات الاحتلال من اعتقال معاذ في منزل أحد أقاربه في شويكة، بعد مطاردة استمرت عدة ساعات.
بعد التحقيق القاسي معهما، وإثر جلسات محاكمة عديدة بتهمة مقاومة الاحتلال ضمن كتائب شهداء الأقصى، الذراع العسكرية لحركة "فتح"، في قاعة المحكمة الإسرائيلية، كان الأهل ينتظرون إصدار الأحكام، وكان المتوقع أن يحكم على لؤي بالسجن 21 عاما، ومعاذ بالسجن 7 سنوات، لكن معاذ أصر على إبرام صفقة بينه وبين ومحاميه من جهة والادعاء الإسرائيلي من جهة ثانية، قرر فيها تقاسم الحكم بينه وبين صديقه لؤي، ليصبح حكمهما بالتساوي 14 عاما، ليخفف عن صديقه ورفيق دربه.
يقول معاذ: "فوجئت عائلتي من الحكم بحقي بعد زيادة سبع سنوات على حكمي، وطلبت من قاضي المحكمة أن أتحدث مع عائلتي لأن والدتي لم تكن تزورني، بعد أن زارتني والدتي لأول مرة بعد النطق بالحكم، حدثتها عما حدث، فصدمت من الموقف لأنني حملت سنين حكم صديقي، لكنها قالت لاحقا: الله يرضى عليك ويقويك".
ما يميز علاقة معاذ بصديقه لؤي أنها جبلت بألم المطاردة قبل الاعتقال، وتخللها استشهاد العديد من الأصدقاء، ثم ما تقاسماه في الاعتقال، يوضح معاذ: "حينما بدأت انتفاضة الأقصى لم أكن أعرف لؤي، لكن حينما أصيب بدأت أعرف أنه شاب مناضل، وبدأت علاقة صداقة بيننا، وأصبحنا نحب بعضنا، تحملت سبع سنين من سجن لؤي لأرفع رأس أخي وصديقي. منحت لصديقي حياة، وهو أقل واجب أقدمه لوالدة لؤي، لأننا رفاق نضال. مستعد أن أقدم روحي لكل الأمهات الفلسطينيات".
قبل ثماني سنوات حرم لؤي من إلقاء نظرة الوداع على والده بعد وفاته، "لم يزرني والدي سوى مرة واحدة في السجن، ووالدتي زارتني عدة مرات، بسبب إجراءات الاحتلال وتضييقه على الأسرى".
مر لؤي بلحظات حرم فيها من لحظات سعيدة وحزينة مع عائلته، أما معاذ فقد حرم من مشاركة عائلته فرحتها بزفاف الكثير من أقاربه، ولا زال يؤلم الصديقان بقاء زملائهما في سجون الاحتلال في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها الأسرى.
بعد فرحة الحرية، يطمح الصديقان بتأسيس أسرتين ترتويان بحب الوطن، وكغيرهما من الأسرى الذين قضوا محكوميات طويلة داخل سجون الاحتلال، يحتاجان إلى وقت للتأقلم مع الحياة في الحرية، ويستصعبان استخدام الهواتف الذكية ووسائل التكنولوجيا الحديثة.
العربي الجديد