قال رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله: "من موقع الوفاء لياسر عرفات، والإخلاص لكل تضحيات الشهداء ومعاناة الاسرى، وألم وتوق اللاجئين والمشردين، أدعو الجميع، بلا استثناء، أفرادا ومؤسسات وأحزاب، إلى العمل الجاد لاستدامة المصالحة وتكريسها، والتشبث بإرث زعيمنا الراحل في صون وحدتنا وتوافقنا، فبالوحدة فقط نحمي مشروعنا الوطني ونحشد له عناصر الصمود والقوة والمنعة، وننتصر لعذابات شعبنا".
جاء ذلك خلال كلمته في حفل احياء الذكرة الثالثة عشرة لاستشهاد الرئيس القائد ياسر عرفات، والتي نظمته مؤسسة ياسر عرفات، اليوم الجمعة، في قصر رام الله الثقافي، بحضور رئيس مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات د. ناصر القدوة وعدد من أعضاء اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح وشخصيات رسمية واعتبارية ورجال دين مسلمين ومسيحيين وحشد جماهيري غفير.
وأضاف رئيس الوزراء : "تعود ذكرى رحيله لتجمعنا تماما كما كانت حياته توحدنا، فاليوم، نجتمع كما في كل عام، مع رفيقات ورفاق دربه، وبين هذا الحشد الكبير من المخلصين أبدا لذكرياته وذكراه، يشرفني أن أتواجد معكم ممثلا عن الرئيس محمود عباس، لنحيي معا الذكرى السنوية لاستشهاد الزعيم الخالد ياسر عرفات، الذي أسس، بحياته الغنية وبإرثه النضالي الملهم، مدرسة في حب الوطن، وفي النضال والصمود، وفي تغليب الوحدة والمصلحة الوطنية، فظل أبو عمار، الرمز والأيقونة والبوصلة التي تقودنا دائما إلى ثوابتنا الوطنية، ولا يمكن نزع ياسر عرفات من حكاية فلسطين، ولا نزعها من قلبه، فقد عاش لها وعاشت هي به، وبنضاله وتضحياته وثباته، فكان كما قال شاعرنا الكبير أحمد دحبور: "أوضح من نار على علم يزهو به بلد"".
وتابع الحمد الله: "إن إحياء ذكرى رحيله في كل عام، وفي كل مكان، إنما يؤكد إصرار شعبنا على الوفاء لقائد ثورته المعاصرة، ونمضي قدما، بقيادة الرئيس محمود عباس رفيق دربه، على الطريق الذي عبده القائد الفذ ياسر عرفات نحو القدس، عاصمة الروح وزهرة المدائن، لنستكمل معا مسيرة التحرر والاستقلال، ونصنع مستقبلنا في دولتنا، دولة القانون والمؤسسات، في غزة والقدس والأغوار وفي كل شبر من أرضنا".
وأردف رئيس الوزراء: "لقد حمل أبو عمار، ورفاق دربه من المؤسسين ورواد العمل الوطني ورموز العمل الثقافي والفكري قضيتنا الوطنية من خيام التشرد وحطام النكبة، ووصلوا بها إلى كل المحافل الدولية لإعمال حقوقنا العادلة، وفي مقدمتها حقنا في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة، وصانوا الهوية الوطنية وجعلوا من منظمة التحرير الفلسطينية، البيت الجامع والكيان الموحد لكل الشعب وقواه السياسية، فظلت فلسطين، حاضرة في السياسة الدولية، وفي الضمير الإنساني، وصار لها ترسانة من القرارات الأممية المساندة لنضالات شعبها، وشبكة متنامية من المتضامنين والمناصرين لتطلعاته من كافة أصقاع العالم".
واستطرد الحمد الله: "وكما قاد ياسر عرفات شعبنا اللاجئ المشرد إلى الاعتراف العربي والدولي والأممي بحقوقه وتطلعاته وبوحدانية التمثيل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، فإننا نسير على الطريق ذاته، وبالاعتماد على إنجازاتنا الدبلوماسية، وفي مسيرة البناء والمأسسة، وبالمقاومة الشعبية السلمية، لانتزاع اعترافات دول وشعوب وبرلمانات العالم، بحق شعبنا في تقرير مصيره والعيش بحرية وكرامة في كنف دولته المستقلة".
واستدرك رئيس الوزراء: "ان الوفاء لإرث غني وعظيم كهذا الذي تركه موحد الوطن ياسر عرفات، هو الذي دفع فخامة الأخ الرئيس ومعه كل الوطنيين المخلصين للتحلي بروح المسؤولية وتغليب المصلحة الوطنية، والتسامي عن الجراح والبدء بطي الانقسام نهائيا وإلى غير رجعة".
وأوضح الحمد الله: "نشهد في هذه المرحلة، عملا دبلوماسيا محموما للانضمام إلى الاتفاقيات والمنظمات الدولية، وتفعيل قراراتنا في مجلس حقوق الإنسان واليونسكو والآن في الجمعية العامة، وقد توج هذا باستصدار قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان، وانضمام بلادنا إلى الشرطة الجنائية الدولية "الانتربول"، وإدراج اليونسكو للبلدة القديمة في الخليل على لائحة التراث العالمي، كما أكد مؤتمر باريس للسلام ضرورة الانخراط الدولي والمتعدد الأطراف لحل القضية الفلسطينية وفق القانون الدولي ومرجعيات السلام، هذا بالإضافة إلى الإنجازات النوعية التي حققها شعبنا ومؤسساته في مختلف المجالات لتكريس حضور فلسطين في النظام الدولي، فشكرا لمن يرفعون اسمها عاليا في لحظات العصف وفي غمار الصعاب".
وتابع رئيس الوزراء: "وفي هذا الإطار، تشكل حكومتي، الذراع التنفيذي لاتفاق المصالحة، حيث شرعت بإجراءات وبرامج عمل جدية لإنهاء تداعيات الانقسام والحصار والعدوان، وتحسين ظروف معيشة شعبنا في غزة. وفي خطوة هامة لتمكينها وتكريس الوحدة تدريجيا، تسلمنا الأسبوع الماضي إدارة المعابر، لكننا نشدد هنا على أن الأساس الذي ستعمل عليه الحكومة في كافة المناحي، هو حل الملف الأمني. فلا يمكن للمعابر أن تدار بكفاءة وجاهزية، وعلى نحو يضمن سلامة المواطنين وسلاسة إجراءات السفر، ما لم نتسلم المهام الأمنية كاملة. ولهذا نتأمل أن يتمخض اجتماع الفصائل عن حل شامل لقضية الأمن".
وأضاف الحمد الله: "إننا نعمل على الأرض وفي الميدان، لتعزيز صمود شعبنا وتمكينه وتطوير مؤسسات الدولة المستجيبة الفاعلة التي وضع أسسها الراحل أبو عمار، وما يتطلبه ذلك من تركيز الجهود في قطاع غزة، وفي القدس الشرقية والأغوار وكل المناطق المهددة من الجدار والاستيطان وسائر المناطق المسماة (ج)، في وقت تفعل فيه القيادة الوطنية، وعلى رأسها فخامة الرئيس أبو مازن، حراكها الدبلوماسي، لإنهاء المعاناة والتغريبة الفلسطينية ووضع إسرائيل أمام استحقاقاتها".
واستدرك رئيس الوزراء: "إن الأساس الصلب الذي عليه نبني إنجازاتنا الوطنية هذه ونوالي عملنا الحكومي في خدمة المواطن وتلبية احتياجاته وتطلعاته، هو بتكريس الأمن والأمان واجتثاث الفوضى والفلتان والجريمة. فلا أحد فوق القانون، ولإحكامه يخضع الجميع، وهذا الموضوع غير قابل للجدال أو التساؤل".
وقال الحمد الله: "قبل أيام مضت، حلت الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم، لتذكر العالم بمسؤوليتهم التاريخية في إنهاء الظلم التاريخي الذي تسبب في تهجير وتشريد الملايين من أبناء شعبنا واستمرار المعاناة الإنسانية التي يعيشها جراء ظلم الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على أرضنا. لقد آن الأوان للحكومة البريطانية، كي تتخذ خطوات ملموسة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هذا هو المدخل لإعمال حقوق شعبنا غير القابلة للتصرف، ورفع الظلم والألم عنه".
وأردف رئيس الوزراء: "طوال عقود من الاحتلال والظلم والطغيان، لم تستكن أو تتهاوى إرادة شعبنا، بل تعاظم الالتفاف الشعبي حول الطريق التي أسسها أبو عمار وحول الدولة التي وضع لها حجر الأساس، بالقدرة على الثبات والتحدي في جبهات العمل، وباستنهاض عناصر الإبداع والإنجاز في ميادين البناء والإنتاج، وبتعزيز المقاومة الشعبية السلمية ضد الجدار والاستيطان".
واستطرد الحمد الله: "كم نفتقده بيننا اليوم، وبلادنا لا تزال ترزح تحت هذا الاحتلال، الذي تحت غطائه تصادر الأرض والموارد ويتوسع الاستيطان، والذي يشكل استمراره وصمة عار على جبين المجتمع الدولي والبشرية، إذ تتعامل إسرائيل على أنها دولة فوق القانون تنتهك القرارات والقوانين الدولية، وتطلق العنان لجيشها ليستبيح أراضينا ويهاجم البيوت الآمنة ويعتقل ما يشاء من الأطفال والنساء والشباب، حيث يقبع في سجونها ومعتقلاتها، حوالي ستة آلاف وثلاثمائة أسير فلسطيني، بينهم مئتان وخمسون طفلا وقاصرا".
واضاف الحمد الله: "وفي القدس، التي فيها تفتحت عيناه لأول مرة، وعشق ترابها وأزقتها، ولم يمر له حديث إلا وذكر فيه مآذنها وأسوارها وكنائسها، أبرزت الأحداث المتسارعة قبل أشهر، إرادة شعبنا المرابط الصامد فيها وصلابة مؤسساته الدينية والوطنية، وتلاحم أطيافه وقواه ومكوناته لحماية القدس ومقدساتها. فأثبتوا أنهم أصحاب الأرض وحراس الهوية، وأن الحق والثوابت الوطنية لا تسقط بالتقادم".
وتابع رئيس الوزراء: "يطول الحديث بنا ونحن في حضرة غيابه، فاستشهاده لا يغيب عنا نضاله الأسطوري أو عطاءه وحنكته. فنحن في كل محطات مسيرتنا، نستلهم منه ومن تراثه، فقد كان قويا شامخا بكفاحه ونضاله، متواضعا حنونا أمام شعبه، راسخا لا يخاف الموت الذي حاصره في لبنان وتونس، وفي الصحراء الليبية، وفي فلسطين، في المقاطعة التي تحول صموده بين أطلالها، إلى ملحمة وطنية وأسطورة تاريخية في الصمود والثبات والتحدي".
واختتم الحمد الله كلمته قائلا: "نثمن عاليا ونفتخر بالعمل الوطني الكبير الذي تبذله مؤسسة ياسر عرفات، بجميع العاملات والعاملين فيها، للحفاظ على الإرث العظيم الذي تركه لنا، فهذه المؤسسة الرائدة ومتحف ياسر عرفات، تشكلان بيتا لذاكرته وحاضنة لتاريخه وتراثه، ونحن ننظر بكل اهتمام وتقدير للدور الذي تمارسونه في تكريم الوطنيين المخلصين ودعم المؤسسات المبدعة، إن قيامكم العام الماضي، بتكريم مؤسستي الكمنجاتي والحكواتي ومنحهما جائزة ياسر عرفات للإنجاز، تقديرا لدورهما في صون هوية وتراث وحكاية شعبنا، إنما هو تحفيز للعمل والإبداع والدفاع عن ثقافتنا وتراثنا في مواجهة محاولات الطمس والتبديد".وسلم رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله جائزة مؤسسة ياسر عرفات للإنجاز لعام 2017 لمفتي القدس سماحة الشيخ محمد حسين، وغبطة البطريك ميشيل صباح.