تواصل قوات الاحتلال الاسرائيلي، انتهاكاتها الصارخة واجراءاتها التعسفية، بحق الأطفال الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة.
ووفق تقرير لمركز الدفاع عن الفرد، ومنظمة بتسيلم، يجري اقتياد الفتيان في القدس الشرقية من أسرّتهم في دجى الليل، وتكبيلهم بالأصفاد دون أيّ مبرّر، وتركهم لفترات طويلة في انتظار التحقيق معهم، ويجري التحقيق معهم مطوّلاً، دون السماح لهم بالاتصال قبل ذلك مع محامٍ أو مع الأهل، ودون إبلاغهم أنّه يحقّ لهم الصمت أثناء التحقيق، بعد ذلك، يجري اعتقالهم في ظروف قاسية طيلة أيّام بل وأسابيع، حتّى إذا كان التحقيق معهم انتهى.
وأوضح المكرز، أنه منذ اللحظة التي يعتقل فيها هؤلاء الفتيان يتمّ إقصاء أهلهم عن مجريات الأمور، وفقط في حالات قليلة جدًا يُسمح لهم بمقابلته، وهكذا يبقى الأهل عاجزين، يفتقدون إلى أيّة إمكانية لمساعدته.
يضطرّ هؤلاء الفتية إلى عبور محنة الاعتقال والتحقيق وحيدين تمامًا، بعيدًا عن أسَرهم ومعزولين عن مجرى حياتهم اليوميّة وكل ما اعتادوه، يلقى بهم في أجواء مشبّعة بالتهديد ويولّد البلبلة، إذ لا أحد من البالغين المحيطين بهم يكلّف نفسه عناء تزويدهم بأيّة تفاصيل عمّا يجري. لا أحد يشرح لهم إلى أين يأخذونهم، ما هي الشبهات الموجّهة إليهم، ما هي حقوقهم، ممّن يُسمح لهم تلقّي الاستشارة، كم من الوقت سيستغرق الأمر ومتى سيعودون إلى عائلاتهم. والأسوأ من ذلك: يتبيّن من وصف الفتيان أنّ البالغين المحيطين بهم- عناصر الشرطة والمخابرات والسجّانون والقضاة - يتعاملون معهم وكأنّهم مجرّدين من أيّ حقّ. كلّ استجابة لطلب يطلبونه (شرب أو أكل، منشفة، دخول المرحاض، التحدّث مع الأهل) ينظر إليها هؤلاء كحسَنة تقدَّم بشكل تعسّفي وفقًا لأهواء المسؤولين.
وأوضح المركز أنه هذه الممارسات تمكّن سلطات تطبيق القانون من ممارسة الضغط على هؤلاء الفتيَة لكي يعترفوا. وفعلاً، كثيرون منهم يوقّعون على اعترافات رغم إرادتهم (بعضها اعترافات مختلقة، وبعضها بلغة لا يفهمونها). هذه الاعترافات تصبح لاحقًا مستندًا لتجريمهم في لائحة الاتّهام المقدّمة ضدّهم.
ينعكس هذا الواقع في 60 تصريحًا سجّلته منظّمتا "بتسيلم" و"مركز الدفاع عن الفرد" من فم فتيان سكّان القدس الشرقية، كان جرى اعتقالهم خلال سنة ونصف (منذ أيّار 2015 وحتى تشرين الأوّل 2016). بعض هؤلاء تمّ الإفراج عنه بعد انتهاء التحقيق، وبعضهم قُدّمت في حقّهم لوائح اتّهام.
تبذل السلطات المختلفة جهدها أن تنفّذ هذه السياسة مع الحفاظ على المتطلّبات الشكليّة التقنيّة التي ينصّ عليها القانون: "إنّهم يصدرون أوامر اعتقال (على الأقلّ في بعض الحالات)، يجرون تحقيقات (معظمها) في الساعات المسموح بها قانونيًّا، ويمدّدون الاعتقالات في المحكمة وفقًا للفترات المحدّدة في القانون، وأخيرًا: يجبون من الفتيان على اعترافات موقّعة. إضافة إلى ذلك، تدير السلطات جهاز مراقبة من صلاحياته فحص شكاوى الفتيان ضدّ ممارسات كهذه أو أخرى قام بها أفراد الشرطة، السجّانون أو المحقّقون".
يستند أداء السلطات "إلى تأويل تقنيّ، لا أكثر، للحماية التي يمنحها القانون للقاصرين، كما يستند إلى التذرّع بالاستثناءات المنصوص عليها فيه. عندما يتعلّق الأمر بالفتيان الفلسطينيين من القدس الشرقية، يفرغ أفراد الشرطة والسجّانون والقضاة قانون الشبيبة من جوهر مضمونه، وهم يجرون في ذلك مجرى العادة - وفي المقابل، يدّعون البراءة بفضل تمسّكهم بشكليّات القانون".
ويشير المركز إلى أن اعتقال الفتيَة لا يصحّ إلاّ في حالات شاذّة استثنائية، وحتى في هذه الحالات يجري اعتقالهم لأقصر مدّة ممكنة، ومع ذلك، يُظهر مضمون التصريحات التي جُمعت لأجل هذا البحث أن اعتقال القاصرين تحديدًا هو الوسيلة المفضّلة لدى الشرطة، وفقط في 13% من الحالات امتنعت الشرطة عن الاعتقال واكتفت باستدعاء الفتيان للتحقيق، في جميع الحالات المتبقّية جرى اعتقالهم من منازلهم أو في الشارع، بعضهم بعد أن صدرت في حقهم أوامر اعتقال، وكلّهم بمصادقة من المحاكم توفّرها لاحقًا وبأثرٍ رجعيّ، حين تمديد اعتقال الفتية (الاعتقال غير المبرّر من أساسه) المرّة تلو المرّة، حتّى عندما يكون التحقيق قد انتهى، كما يتم استخدام الأصفاد لتكبيل الفتيان، والتحقيق ليلاً معهم، رغم أن القانون يمنع التحقيق مع القاصرين في ساعات الليل، سوى الاستثناءات المنصوص عليها في القانون.
وقال: إن هذه الممارسات تكشف السياسة الإسرائيلية، وغايتها تمكين السلطات مواصلة هذه المعاملة مع الفتية الفلسطينيين، ضمن توفير غطاء شكليّ لما هو في الواقع انتهاك منهجيّ واسع النطاق وموثّق لحقوق الإنسان الأساسية يطال مئات الفتية في كلّ سنة، على امتداد عشرات السنين، وكان من الممكن أن نتوقّع من جهاز تطبيق القانون التعاطي مع الأولاد بأسلوب يناسب سنّهم، وأخذ مستوى تطوّرهم النفسي والجسدي بعين الاعتبار، إدراكًا منه أنّ أيّ فعل يقومون به قد تكون له إسقاطات بعيدة المدى على الفتية وعائلاتهم.
وتابع: "جهاز تطبيق القانون في إسرائيل موجود، بحُكم تعريفه، في معسكر واحد: أفراد الشرطة، السجّانون، مدّعو النيابة والقضاة هم دائمًا مواطنون إسرائيليون يعتقلون ويحقّقون ويحاكمون ويسجنون فتية فلسطينيين، يُنظر إليهم كأعداء يلحقون الضرر بمصالح المجتمع الإسرائيلي، ولا يمكن النظر إلى هذا الواقع منفصلاً عن مجمل سياسة إسرائيل في القدس الشرقية، وضمّت إسرائيل في 1967، في خطوة مخالفة للقانون، نحو 70 ألف دونم - هي مساحة القدس الأردنية (نحو 6 آلاف دونم) مضافًا إليها المساحة الكاملة لـ28 بلدة وقرية. ولكنّ إسرائيل لطالما تعاملت مع سكّان هذه المناطق على أنّه لا يُرغب في وجودهم، وعليه لم يحدث أبدًا أن نظرت إليهم سلطات الدولة ومندوبيها على أنّهم متساوي الحقوق".
واختمم: "جميع السلطات الإسرائيلية في القدس الشرقية" بوصلتها دفع السكّان الفلسطينيين إلى مغادرة المدينة: لذلك فُرضت قيود مشدّدة على بناء منازل جديدة، وحُكم على السكّان العيش في ظروف كثافة خانقة أو في خوف من هدم منازلهم التي بنوها دون ترخيص حين لم يتوفّر لديهم خيار آخر؛ ولذلك رُسمت سياسة لمّ شمل صارمة، تمنع سكّان القدس الشرقية من السكن هناك مع أزواجهم إذا كان هؤلاء من سكّان الأراضي المحتلّة؛ لذلك يُنتهج تمييز دائم ومؤسس في توزيع ميزانيات البلدية والدولة، ما يفرض على سكّان القدس الشرقية العيش في معاناة جرّاء المستوى المتدنّي لمرافق البنى التحتية والنقص الدائم في المؤسّسات العامّة".