في مساء يوم العاشر من تشرين أول/ أكتوبر عام 1956، خيم ظلام دامس بفعل فاعل في المستوطنات المقابلة لمدينة قلقليلة، وفي ذات الوقت قطع الاحتلال الاسرائيلي خطوط الهاتف المغذية للمدينة، وحشد قوات كبيرة استعداداً للاقتحام.
لم يكن يظن أهالي قلقليلة أن الاحتلال يخطط لتنفيذ مجزرة بحق أهالي المدينة، فلما حاول المشاة الاقتحام تصدى لهم الأهالي بمساندة الجيش الأردني، ولشدة الاشتباك تقهقر جنود الاحتلال إلى الخلف وتراجعوا إلى خطوطهم الأولى، وعادوا بعد ساعة برفقة الدبابات وتقدموا نحو مركز الجيش الأردني (حديقة الحيوانات حالياً)، وسط إطلاق نار كثيف.
عند وصول القوات الغازية أو ما عرفت بكتيبة الموت 101 بقيادة آرئيل شارون مركز الجيش الأردني، قاموا بخلع البوابة الرئيسية للمركز واشتبكوا مع جنود الجيش الأردني، ثم اقتحمت قوات ثانية من ناحية الجهة الشرقية، وحسب شهود عيان فإن المركز لم يتعرض للقصف بالدبابات أو الطائرات، وإنما تم تفجيره بعد تفخيخه، حيث دوى انفجار قوي كافة أنحاء قلقليلة.
بعد أن حل صباح اليوم التالي، كانت رائحة الموت تفوح في طرقات المدينة بعد ليلة دامية استخدم فيها الاحتلال الطائرات والدبابات والألغام، والأهالي تصدوا لهم بالأسلحة الخفيفة التي كانوا يمتلكونها، تلك الليلة خلفت 70 شهيداً من المواطنين والجيش الأردني ومئات الجرحى، وقتل 18 جندياً إسرائيلياً.
يروي شارون في مذكراته عن المجزرة، أن والديه كانا شاهدان على "أضواء" المعركة من مستوطنة "كفار ملال" والتي استوطنت فيه أسرته وتقع في الجهة الغربية من قلقليلة، كما ويتحدث عن أحد الضباط الذي قتل مع 18 جندياً إسرائيليا في تلك المعركة حيث أن سلطات الاحتلال نصبت له تذكاراً في منطقة صوفين بعد احتلالها للمدينة عام 1967، لكن أهالي المدينة حطموه بعد أيام من وضعه، وقتل هذا الضابط على يد جندي أردني بآخر رصاصة بقيت في بندقيته بعد أن استشهد جميع رفاقه.
أحد الناجين من المجزرة ويدعى رفيق شلش، يقول "لولا أننا انتقلنا من مركز الجيش الأردني إلى مكان قريب منه لأصبحنا في عداد الشهداء الذين ارتقوا على أيدي العصابات الصهيونية، والتي اقتحمت المدينة من خلال خط الهدنة "كيبوتس كوفيش"، ومنطقة الطيرة في المثلث".
ويضيف شلش: لما اقتحموا المدينة من جميع الجهات، لم يطلق الجنود الاسرائيليون الرصاص حيث قاموا بذبح حراس المركز وكل من تواجد فيه، وبعدها قاموا بتنفيذ عملية تطهير للمكان، فيما أبقوا السجناء أحياء داخل السجن حتى يموتوا بالمتفجرات التي زرعت في كافة زوايا المركز".
ومن شهداء هذه المجزرة التي بقيت محفورة وشاهدة لأهالي المدينة: إبراهيم قاسم صالح داوود، وأحمد أمين قواس، وأحمد محمد الشيخ، وحسين صبري، وأمين محمد سليمان حداد، وحسن أمين قواس، وعبد الفتاح نمر عرابي، ونزال وعبد الفتاح نمر يوسف الشنطي، وعيسى موسى شلويت، وعدنان محمود ابو صالح داوود، وعدنان محمد الشيخ، وعمر صبري، وفهمي عوض، وعبد الله عامر، ومحمد المزيوي، ووجيه يوسف الشيخ، وعلي صبري، ويوسف سعيد، وعيسى حساين، ويوسف عبد الكريم أبو سليمان، و فاطمة سويركي، وزريفة عبد الرحمن الحاج داوود.