رام الله الإخباري
لا تقتصر معاناة اللاجئين في ألمانيا مع قضية لم شمل عائلاتهم، عليهم فحسب، بل بات حتى المواطنون الذين يساعدونهم أو يأوونهم في منازلهم يستشعرون قسوة هذه القوانين التي تضع المرء أمام خيارات أحلاها مر، قد تفرقه عن أسرته لوقت طويل.
ونشر موقع دير شبيغل قصة رجل ألماني يدعى هاينز غ. (70 عاماً) وزوجته من سكان بلدة آرينسبرغ بولاية شلزفيغ-هولشتاين شمال البلاد، وكفاحهما لجلب 3 أشقاء لاجىء سوري قاصر (17 عاماً) يعيش لديهم منذ قرابة عامين، كانا قد تعرفا عليه في ناد لمساعدة اللاجئين.
ورفض الشاب السوري ومستضيفه الرجل الألماني، الذي قال إنهم يحبونه ويقدرونه، الكشف عن هويتهما الحقيقية، خوفاً على عائلته التي ما زالت مقيمة في دمشق، من النظام السوري.وكان الشاب السوري كرم (اسم مستعار) قد فر وحيداً من الحرب والالتحاق بالخدمة العسكرية، وقال له والده إن الحرب ستنتهي خلال 6 أشهر ثم ستعود. لكن ما جرى معه خالف التوقعات، فالحرب ما زالت مستمرة، وكرم يذهب للمدرسة في ألمانيا ويتكلم لغة ألمانية خالية من الأخطاء تقريباً.
لذا أراد كرم جلب والديه وأشقائه، الذين قيل إنهم اضطروا لنقل مكان سكنهم بدمشق أكثر من ١٥ مرة منذ بدء الحرب، ودمرت القنابل شركة الحافلات التي كانت ملك الأب، ويعيشون حالياً لدى خالة لهم، حيث يقيم 12 شخصاً في مكان تبلغ مساحته 70 متراً مربعاً.
وترى العائلة الألمانية الحاضنة أيضاً أن قدوم أسرة كرم سيكون أمراً جيداً، لأنها لا تستطيع الحل محلهم. ويقول هاينز المنتمي منذ عقود للحزب المسيحي الديمقراطي، الذي تتزعمه أنجيلا ميركل حالياً، إن العائلة بالنسبة لحزبه "حجر أساس المجتمع".
إلا أنه وفقاً لقوانين الإقامة، يستطيع الفتى جلب والديه فقط، دون أشقائه مايا (5 أعوام) وزينة (16 عاماً) وقيس (14 عاماً)، الذين يعتبرون ضمن خانة "أفراد عائلة آخرين"، الذين يحصلون على الإقامة فقط لتفادي حدوث وضع عسير غير اعتيادي، كأن يكونوا مرضى أو بحاجة للرعاية.
وذكرت وزارة الخارجية الألمانية أنه ليس هناك إحصائيات عن عدد الأطفال الذين لديهم نفس وضع عائلة كرم.يذكر أن الحكومة الألمانية حرمت عبر حزمة قوانين اللجوء الثانية، الحاصلين على ما يُسمى “الحماية الفرعية” من لم شمل عائلاتهم المقيمة في دول جوار سوريا، حتى شهر آذار 2018، علماً أن 230 ألف شخص حصلوا على الحماية الفرعية، منذ العام 2016. ودعا وزير الداخلية الحالي توماس دي ميزير والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، الحزب الشقيق لحزب ميركل، إلى تمديد الحظر، أو حتى جعله دائماً.
ورغم أن هاينز لا يختلف مع الحزب الذي ينتمي إليه في أنه لا يمكن استقبال الجميع في البلاد، لكنه سعى بكل ما وسعه لأجل الحصول على استثناء لعائلة كرم. ووصف الأمر على نحو أن كرم المندمج بشكل جيد الذي يستحق السماح لعائلته بالقدوم إليه، "بالنسبة للسلطات هو مجرد رقم ملف وليس إنساناً"، وقرار السفارة الألمانية في بيروت "غير إنساني وليس مسيحياً".
ويكافح الرجل الألماني لثلاث إلى أربع ساعات كل يوم في مراجعة المؤسسات المعنية بمساعدة اللاجئين كبرو أزول ومجلس اللاجئين في ولايته، وقراءة نصوص القوانين وإجراء محادثات مع سلطات الأجانب وكتابة الرسائل للسياسيين، للحد من اتخاذ هذا القرار الخاطىء وفقاً لرأيه.
وبعد أن علم عضو البوندستاغ عن الحزب الديمقراطي المسيحي نوربرت براكمان الذي تقع دائرته الانتخابية هناك بقضية كرم، كتب رسالة لوزير الداخلية اطلعت عليها شبيغل، شكك فيها بمشروعية هذا القرار من الناحية الأخلاقية وعدم توافقه مع قيم حزبهم المسيحي، داعياً إياه لمراجعة ملف الشاب وإعادة تقييمه مرة أخرى إن أمكن.
وكانت ممثليات ألمانيا وسلطات الأجانب في البلاد تحكم لصالح الأطفال المتضررين من القانون سابقاً، لكن أصبح قدوم العائلة مع الأطفال بعد تقديم قاصر قدم وحيداً لألمانيا طلب لم الشمل، مستحيلاً تقريباً، وفقاً لكريم الواسطي، من منظمة "برو أزول".
لكن حتى في حال قبول لم الشمل أطفال العائلة السورية هذه، سيتوجب على الأبوين إثبات قدرتهما على الإنفاق على كامل العائلة، الشرط الذي يسقط فقط في حالات استثنائية، أو أن يوقع هاينز وزوجته على تعهد بالصرف عليهم لحل مشكلة النفقات على الأقل، لكن المبلغ الكلي اللازم لكامل نفقات6 أشخاص يصل إلى 3600 يورو شهرياً مدة 5 سنوات المبلغ الذي لا تستطيع العائلة دفعه، لذا يأمل هاينز في رسائله لسلطات الأجانب والساسة في اعتبار كرم من بين الذين حققوا أداء مميزاً في الاندماج، وإعفاء العائلة من شرط الإنفاق، مستنداً على ما قرأه في هذا المجال.
ولأجل هذا الغرض وضع هاينز، الذي يعتبر "ألمانيا محظوظة بوجود كرم"، في حافظة أوراق، شهادات كرم المدرسية والأوسمة الرياضية التي حصل عليها ورسائل التوصية من دائرة أصدقائه بشأن كرم.ويقول والد كرم وهو يتحدث معه بالهاتف "أعلم أن الساسة لا يفكرون بقلبوهم"، مشيراً إلى أنه يتوجب عليه اتخاذ قرار في هذا الشأن في الأيام القادمة، مؤكداً أنه مشوش ومتردد.
وباستطاعة الأبوين رفض التأشيرة والبقاء في دمشق، أو القدوم إلى ألمانيا وتقديم طلب لجوء عائلي بعد مرور أسبوعين من وصولهما، وعندما ينتهي البت في الطلب سيستطيعون جلب بقية الأطفال لألمانيا، على أن يتولى الأطفال وجدتهم أمر الإجراءات في بيروت.لكن ما يبدو حلاً يسيراً، ليس كذلك في الواقع، إذ يوضح كريم الواسطي، الذي يعمل مع برو أزول، أن كل هذه الإجراءات تطول، بحسب خبرتهم في هذا المجال، قرابة عام، مشيراً إلى أنه يعرف حالات جاء فيها الأبوان إلى ألمانيا وعلق الأطفال في مخيمات اللاجئين.كما يمكن للأب القدوم بسرعة وتقديم طلب اللجوء وتقديم طلب لم شمل بقية الأطفال لاحقاً، إذ لديه -بحسب شبيغل- فرصة جيدة للحصول على حق اللجوء الذي يسمح بلم الشمل ما دام ابنه قاصراً بعد.
وتؤكد شبيغل أن فرص العائلة لا تبدو سيئة في أن تمضي كل الأمور على ما يرام وأن يستطيع بقية الأسرة القدوم خلال بضعة أشهر، لكن العائلة تقف أمام قرار صعب يجب عليها اتخاذه، هل يفترق الأب أو الأم عن باقي أفراد الأسرة، ويدخلان في دوامة التوتر وانتظار الإجراءات البيروقراطية المزدوجة، الأمر الذي يعتبره "الواسطي" طريقة لتنفير بقية اللاجئين الآخرين من الإقدام عليه.وكتب هاينز رسالة لعائلة كرم قال فيها إنه ليس بوسعه تقديم نصيحة لهم، مضيفاً أن سياسة اللجوء الألمانية أصبحت إشكالية وتقييدية.
وكان موقع هاف بوست عربي قد نشر في شهر أبريل/نيسان الماضي، قصة صادمة أخرى، لرفض السلطات الألمانية منح تأشيرة لشقيقة لاجىء سوري قاصر يعيش في هامبورغ، تبلغ من العمر ٨ أشهر فقط، والسماح للوالدين فقط بالقدوم، ما يعني عملياً أن يتوجب على الأبوين ترك الطفلة في مكان إقامتهما بالأردن والقدوم لألمانيا.إلا أن تلك الأسرة كانت محظوظة بتكفل جمعية ألمانية في العاصمة برلين تساعد في لم شمل الأسر السورية عبر الكفالة عن طريق تبرعات تجمعها. وتم جلب الطفلة أيضاً لألمانيا.
هاف بوست عربي