رام الله الإخباري
تدفع فاطمة ماهر للذهاب بالميكروباص إلى المركز التعليمي حيث تُدرِّس الفنون نحو 0.55 دولار (نحو 10 جنيهات مصرية) يومياً، إذ ارتفعت الأجرة من 0.38 دولار (نحو 7 جنيهات) عقب الزيادة في أسعار الوقود في مصر. لذلك قررت فاطمة استثمار أموالها في دراجة للتغلب على الزيادة في الأسعار.
ورغم أنَّ فاطمة دفعت مبلغاً طائلاً بلغ 142 دولاراً (أكثر 2500 جنيه مصري) ثمناً لدراجتها، إلا أنَّها تقول إنَّه استثمارٌ جيد لأموالها، وفق ما ذكر موقع ميدل إيست آي البريطاني.
وتقول فاطمة: "أستمتع بركوب الدراجة، وبفضل دراجتي تمكنتُ من توفير أموالٍ كثيرة كنتُ سأنفقها لدفع أجرة وسائل النقل".
وفي حين أنَّ فاطمة تشتكي من تعرضها لكثيرٍ من التحرش، إلا أنَّها لا تزال تُصر على استخدام دراجتها.
وتقول: "عندما تفكر في الأمر من وجهة نظر أخرى، فأنا أتعرض للتحرش في أي وسيلة نقل استخدمها أو حين أسير بالشارع".
وتضيف: "أؤمن بأنَّ النساء عليهن فعل الأمور التي يشعرن نحوها بالشغف، وألا يولين اهتماماً بآراء الأخرين".
دفعت الزيادة في أسعار الوقود وما تبعها من ارتفاع في أجرة وسائل النقل العام مستقلي وسائل النقل العام في مصر إلى استكشاف بدائل من شأنها أن توفر المال.
وارتفعت أسعار الوقود في مصر خلال يونيو/حزيران الماضي بنسبة 50% للمساعدة في تحقيق شروط اتفاق القرض الذي حصلت عليه مصر من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار. ومع تراجع الجنيه المصري بشدة أمام الدولار بعدما قررت مصر تعويم العملة المحلية في نوفمبر/تشرين الأول، وجد المصريون أنفسهم يكافحون مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
يقطع ميناس يونان، مهندس ديكور يعمل في حي مدينة نصر شرق القاهرة، مسافةً طويلة من منزله في حي شبرا بشمال المحافظة إلى عمله.
ويُكلف استقلال الميكروباص ميناس 0.60 دولار (نحو 11 جنيهاً مصرياً) يومياً. وفي محاولةٍ لخفض نفقاته، تحوَّل إلى ركوب الدراجة.
ومع ركوبه الدراجة نحو 35 كيلومتراً يومياً، يقول ميناس إنَّ هذا الاستثمار لم يكن مفيداً فقط لمدخراته، لكن أيضاً لصحته الجسمانية والذهنية. ومنح التحول إلى ركوب الدراجات هؤلاء الأشخاص فرصةً للاستمتاع بالهواء المنعش يومياً.
ويقول ميناس: "ركوب دراجتي كل صباح يجعلني سعيداً، وسأبتاع لصغيري دراجةً أيضاً ليشاركني هذه التجربة".
كانت وسيلة التنقل تلك تستخدم بشكلٍ شائع بين موصلي الطلبات والخبازين، الذين يُشاهَدون وهم يوازنون صوانٍ كبيرة من الخبز على رؤوسهم فيما يتحركون على دراجاتهم في مساراتٍ متعرجة بين السيارات.
لكنَّ إبراهيم العراقي، الذي يمتلك متجر "العجلاتي" بوسط القاهرة، يقول إنَّ مبيعات الدراجات ارتفعت بنسبة 40% بعد الزيادة في أسعار الوقود. ويبيع الآن نحو سبع دراجات في الأسبوع.
الطريق المفتوح
اتخذ آخرون ركوب الدراجات كهواية في وقت سابق، وشرعوا في القيام برحلاتٍ طويلة، أحياناً تتجاوز مئات الكيلومترات.
كان أحمد الدمياطي، يبلغ من العمر 24 عاماً ويعيش في القاهرة، يستقل دراجته في جولاتٍ داخل وخارج القاهرة على مدار عامين.
يركب أحمد الدراجة ذاهباً إلى مدينة العين السخنة المطلة على البحر الأحمر وإلى صعيد مصر أيضاً. والآن يقول إنَّه يوفر أكثر من 50 دولاراً (883 جنيهاً) في رحلاته، التي كان سينفقها بدلاً من ذلك على وسائل النقل والفنادق.
وبينما ستستغرق الرحلة من القاهرة إلى العين السخنة ثلاث ساعات بالحافلة، يقطع أحمد المسافة في خمس ساعات فقط راكباً دراجته.
وتمثل المركبات المسرعة التحدي الأكبر لأحمد على الطريق السريع.
ويقول: "أركب الدراجة إلى جانب شاحناتٍ كبيرة، ومن الصعب بالنسبة لسائقي تلك الشاحنات رؤيتي، وهذا بالطبع يعرضني للخطر".
وأثناء الرحلات الليلية، يجد أحمد صعوبةً أيضاً في تحديد المواقع للتخييم دون أن يوقفه ضباط الأمن الذين يقترحون أن يمضي الليل في الفندق بدلاً من ذلك.
وكان أحمد يسجل أفلاماً وثائقية لرحلاته، ومقاطع فيديو على موقع يوتيوب يقدم فيها النصائح لتشجيع الأشخاص على ركوب الدراجات.
تمهيد الطرق
بينما أصبح ركوب الدراجات خياراً قيماً للكثيرين، وجد راكبو الدراجات أنَّ المدن المزدحمة مثل القاهرة والجيزة لديها طريق طويل لتقطعه لتبنِّي ثقافة ركوب الدراجات.
وبُذلت خلال السنوات القليلة الماضية جهودٌ عديدة في مصر لتشجيع ركوب الدراجات. وتُنظَّم السباقات عادةً خلال العطلات الرسمية، ما يمنح راكبي الدراجات الفرصة للتجول عبر شوارع مصر المزدحمة.
وقال جمال محمود، أحد مؤسسي مجموعة "زمالك بايكرز" على الشبكة الاجتماعية فيسبوك، إنَّه ينظم مع أحد المتاجر لتأجير الدراجات للمشاركين في السباق بأسعارٍ معقولة.
وفي عام 2014، ركب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دراجةً مع المئات من راكبي الدراجات بما في ذلك شخصياتٍ عامة في تجمعٍ بالقاهرة. وفي مسعاه "لبناء مصر" والحفاظ على أموال البلاد، رغب السيسي في أن يكون قدوةً للمصريين في الأوقات الصعبة، وركب الدراجة عبر شوارع القاهرة بنفسه.
ووقعت مصر في يوليو/تموز الماضي بروتوكولاً مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، لتقديم نظام لمشاركة الدراجات في كل أنحاء القاهرة خلال السنوات الثلاثة المقبلة.
ولأول مرة في القاهرة، من المقرر أن يجري توفير نحو 300 دراجة في العاصمة، ستتحدد مواقعها لاحقاً للسماح بسهولة الوصول إلى محطات المترو والحافلات
قيادة وعرة
مع ذلك، في ظل كثير من التحديات الاقتصادية التي تواجه الحكومة المصرية، يبدو أن تبنِّي ثقافة ركوب الدراجات ليس على رأس جدول أعمال الحكومة. إذ تترك الشوارع المزدحمة في مدن مصر مساحة صغيرة لممرات الدراجات، بالإضافة إلى التساهل في قواعد السلامة على الطرق التي ينبغي أن تحمي راكبي الدراجات.
ورغم أنَّ بعض الممرات ظهرت بالفعل في مدن مختلفة في أنحاء البلاد، مثل محافظة المنوفية الشمالية، ومنطقة الشيخ زايد، وحي المعادي بالقاهرة، فإنَّ تلك الممرات في كثيرٍ من الأحيان تشغلها السيارات، أو حتى تُستَخدَم كمواقع لركن السيارات. ويشكو راكبو الدراجات أيضاً من أنَّه لا توجد نقاط مصممة لتقييد دراجاتهم.
وقالت فاطمة، وهي من سكان منطقة الشيخ زايد في الجيزة، إنَّ معظم الشوارع في المنطقة التي تقطنها مجهزة بممرات للدراجات، لكنَّها تشكو من أنَّ السائقين لا يحترمون تلك الممرات.
وقال أحمد: "أعلم أنَّ السفر بواسطة الدراجة صعب، ويحتاج جهد كبير، لكنَّه متعة ولا يزال يستحق هذا العناء".
هافينغتون بوست