نشر المواطن الغزّيّ، أسعد غراب، خال القاصّ الراحل مهنّد يونس، 'بيانًا للرأي العام'، يبيّن فيه الحالة الاجتماعيّة التي عاشها مهنّد خلال سنوات حياته، ولا سيّما في آخر سنتين، مشيرًا إلى أسباب يرى أنّها دفعت مهنّد إلى وضع حدّ لحياته، وقد كشف أنّه حاول الانتحار عدّة مرّات سابقًا.
كما أصدرت مؤسّسة عبد المحسن القطّان، بيان نعي، نشرته في موقعها الرسميّ، أعلنت فيه عن أنّ مهنّد كان قد تقدّم للمشاركة في 'مسابقة الكاتب الشابّ' لعام 2017، بمجموعته القصصيّة 'الآثار ترسم خلفها أقدامًا'، مشيرة إلى أنّه ترك خلفه 'أثرًا لا يسهل محوه'.
وقد علمت فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة أنّ مجموعة من أصدقاء مهنّد، بادروا إلى تشكيل مجموعة تعمل على حفظ إبداعه والتعريف به، وذلك إكرامًا لروحه، وأنّهم بدأوا التنسيق مع القطّان وعائلته في سبيل ذلك.
'وضع حدًّا للقهر والظلم الأبويّ'
وجاء في بيان أسعد غراب الذي عمّمه عبر صفحته الخاصّة في 'فيسبوك'، وانتشر على نحو كبير: 'أنا خال مهنّد يونس، اسمي أسعد غراب، وهو ابننا وأكثر من ابننا، لأنّنا تكفّلنا به وهو بعمر السنتين، وعاش عندي ومع أولادي. وبعد هذا العمر، بعد 20 عامًا، حاول مهنّد البحث عن أبيه والتعرّف إليه والاندماج به، والبحث عن جذوره بعد أن استهوته فكرة العائلة، لكنّ أباه كان سلبيًّا جدًّا، إذ تعامل معه لعدّة شهور، لكن لم يتعامل معه كأب، وقال له إنّه ليس ابنه، وطرده من منزله، ما جعل من مهنّد يعيش حالة اكتئاب شديدة، حتّى أخواته عاملنه بظلم'.
وأضاف غراب في بيانه: 'وبعد تراكمات كثيرة، وشدّ ومدّ بينه ووالده، قرّر الانتحار لأوّل مرّة، في اليوم الأخير من السنة الماضية، بقطع شريانه. لحقته إلى المستشفى، وجعلته يتعالج عند طبيب نفسيّ. وبعد شهرين، حاول مرّة أخرى بشرب دواء مسيّل للدم، أكثر من 50 حبّة، ولحقته إلى المستشفى أيضًا، ثمّ أبلغت أهله وأباه عن طريق أحد الأشخاص بأنّ عليه إصلاح وضعه مع ابنه مهنّد، لأنّه حاول الانتحار، فما كان ردّهم عليه إلّا بأنّه يدّعي الانتحار كي يأخذ مصروفًا منهن مع العلم أنّ مهنّد يصرف عندنا أكثر من راتب موظّف'.
وجاء أيضًا في البيان: 'وعندما ردّ مهنّد على والده عبر الفيس، بأنّه ليس بوالد ولا يشعر به، وتركه 20 عامًا من دون سؤال أو عطف، فما كان من عمّه عبد المنعم إلّا أن كتب له: ‘روح يا مجنون يا أهبل، روح انتحر ومثّل إنّك ضحيّة‘. وهدّده. بعدها حاول عدّة مرّات الانتحار، ونجح بذلك أخيرًا، ووضع حدًّا للقهر والظلم الأبويّ. وبعد ذلك، وبعد أن تسبّب أبوه وعمّه بظلمه على مرّ السنين، يقيمون بيت عزاء له، يقتلونه ويمشون في جنازته. أطالب الذين يعزّون آل يونس أو يعزّون أباه، أن يعلموا جميعًا أنّ هؤلاء قتلة معدومو الضمير، ويجب أن يتحاسبوا على ما اقترفت أيديهم من ظلم بحقّ مهنّد، وأطالب النائب العامّ بالتحقيق مع هؤلاء القتلة.
ونشر غراب صورًا لمحادثة قال إنّها جرت بين مهنّد وأحد أعمامه، يبيّن من خلالها الأسلوب القاسي الذي اتّخذته عائلته من جهة أبيه معه، ويظهر منها أنّ العمّ كان على علم بموضوع محاولة مهنّد الانتحار سابقًا، حيث يزدريه وينتقص منه بسبب ذلك، ويصفه بأنّه مريض نفسي، ويدّعي أنّ محاولات انتحاره السابقة لم تكن سوى 'أفلام'، أي ادّعاءات كاذبة.
ممّا يقوله عمّ مهنّد له وفق صورة المحادثة: 'روح دوّر على طبيب نفسي شاطر، وزبّط أفلام الانتحار كويّس، لأنّه مش ماشية'. ويقول له أيضًا: 'ولك واحد بحاول ينتحر لا يؤخذ بكلامه، مريض نفسي... واحد مريض نفسي (أهبل) ناقصنا إحنا'.
رفض للوضع القائم
وجاء في بيان مؤسّسة عبد المحسن القطّان، المنشور اليوم في موقعها الرسميّ: 'ببالغ الحزن، تنعى مؤسّسة عبد المحسن القطّان الشابّ الغزّيّ مهنّد أحمد يونس، الذي رحل عنّا صباح أمس، 29/8/2017. وكان مهنّد قد تقدّم بطلب للمشاركة في مسابقة الكاتب الشابّ للعام 2017، التي ينظّمها برنامج الثقافة والفنون في المؤسّسة، بمجموعته القصصيّة ’الآثار ترسم خلفها أقدامًا’.
وأضاف البيان: 'بأعوامه الـ 22، رسم مهنّد أثرًا لا يسهل محوه، وما وفاته إلّا رفض للوضع القائم في غزّة وفي كلّ بقاع الوطن. يقول مهنّد في قصّة 'الحوت الذي صفق باب غرفتي بذيله'، من مجموعته القصصيّة ... : لا أعرف كيف سأبدأ هذه القصّة، لكنّها موجودة بكلّ تفاصيلها هناك، ما أحاول فعله هو رمي الطعم لها حتّى تتقدّم منّي بلا خوف، وتنتظم كلّها كأحجار الشطرنج، كلّ في مكانه، استعدادًا للملحمة، صراع الأحداث.
حسنًا! سأبدأ الأمر من عند يوم الخميس الماضي، الأمر حول الغياب عن الوعي، أمّا أنا فأسميه مجابهة الوعي. تلك الحالة المتأرجحة بين اليقظة والغفو. لكن هل يمكن الغرق بالأحلام هكذا؟ حتّى تصبح ذكرى حقيقيّة في المستقبل، فيدسّ الحلم نفسه في طابور الذكريات، في الصورة القديمة. هذه النقطة المحدّدة التي نقف بها مثل الدرج المتحرّك، ننتقل لكنّنا ثابتون، أو كالوقوف في منتصف شارع سريع، وترى السيّارات تمرّ من جانبك خاطفة الهواء، أنت واقف هناك، لكنّ العالم متّجه نحوك كقطار تنتظره على السكّة، ويا للروعة، إنّه يمرّ خلالك وحسب، كأنّك شبح.'
القاصّ المبدع
وكان قد عُثِرَ على الراحل مهنّد يونس، أمس الأربعاء، 29 آب (أغسطس) 2017، ميّتًا في بيته بحيّ تلّ الهوى، كما أفاد الناطق باسم الشرطة في غزّة، أيمن البطنيجي، مبيّنًا أنّه وصل إلى مستشفى الشفاء قد فارق الحياة، وأنّ نتائج التحقيق أفادت بأنّ مهنّد استنشق غازًا سامًّا بشكل متعمّد، ما أدّى إلى وفاته، وأنّه يعاني في الآونة الأخيرة من أزمة اجتماعيّة ونفسيّة.
يُذكر أنّ مهنّد كان يدرس الصيدلة في جامعة الأزهر، وقد فاز بعدد من الجوائز الأدبيّة؛ المركز الأوّل في 'جائزة العودة لقصص الأطفال'، عام 2015، والتي نظّمها 'بديل: المركز الفلسطينيّ لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين'، عن قصّته 'البحث عن الدفء'. كما فاز مرّتين بجائزة 'الأجناس الأدبيّة لطلبة جامعات غزّة'، التي تنظّمها وزارة التربية والتعليم في القطاع، إذ حصل على المركز الثاني في فئة المقالة عام 2014، وعلى المركز الأوّل في فئة القصّة القصيرة عام 2015.
وله مجموعة من النصوص القصصيّة والمقالات المنشورة في عدد من المنابر الثقافيّة الفلسطينيّة والعربيّة، وله مشاركة في ملفّ خاصّ تحت عنوان 'العرب يكتبون القصّة'، ضمن العدد الخامس من مجلّة 'الجديد' الصادرة في لندن، والتي يرأس تحريرها الشاعر السوريّ نوري الجرّاح، وقد شارك في الملفّ 99 قاصًّا عربيًّا بـ 199 قصّة.