رام الله الإخباري
ما إن انتهى عيد الأضحى العام الماضي، حتى بدأت سماح عبد المنعم من رفح، بادخار 150 شيكل (ما يعادل 40 دولاراً) كل شهر من زوجها الذي يعمل خياطاً في محل صغير داخل المخيم، لتجمعهم قبيل عيد الأضحى الحالي لثمن الأضحية.لقد حان وقت فتح الحصالة وإخراج النقود، لكن سماح -وهي أم لخمسة أبناء- لم تفتحها هذا العام، ليس لأن النقود لا تكفي لثمن الأضحية التي يتراوح بين 1300 شيكل و1700 شيكل (أي من 360-470 دولاراً)، بل لأن التيار الكهربائي لا يأتي سوى أربع ساعات في اليوم، وهو وقت غير كافٍ لتخزين لحوم الأضاحي.
جرت العادة في غزة اقتسام الأضحية لثلاثة أقسام، يوزع قسمان ويبقى قسم في الثلاجة، لكن أيضاً الناس يعيدون توزيع لحوم الأضاحي على بعضهم، ما يعني عودة ثلث من الثلثين على الأقل للبيت، أي قرابة 20 كيلوغرام من اللحم في كل بيت تحتاج للتجميد، وتبقى اللحوم لمدة شهر للاستهلاك اليومي.
لم تحسم سماح قرارها مع زوجها، وقد تكفلت بتوفير مبلغ الأضحية من الادخار، تسأله: "لماذا لا نأتي بأضحية صغيرة ونوزعها كلها ونأكل وجبة واحدة منها؟"، يجيب زوجها: "ومن نوزع لهم اللحوم من الفقراء والمحتاجين أين يحفظونها في ظل انقطاع الكهرباء علينا وعليهم؟"
وقد أكد يحيى منصور، وهو مدير مشروع الأضاحي في جمعية "الوئام" الخيرية في غزة أن مشكلة التجميد هي العائق الأهم اليوم، إذ لفت إلى تلف كثير من اللحوم العام الماضي، حتى إن بعضها وصل للمستحقين تالفاً.
المشكلة ذاتها التي واجهت جمعية "الوئام" واجهت أبو كمال كحيل، صاحب مزرعة ومجزرة للعجول، إذ قال إن: "عدد المشترين هذا العام قليل، بالرغم من أن أسعار المواشي منخفضة عن العام الماضي".
"لا يعرف ساكنو غزة أين يحفظون لحوم الأضاحي؟"، نضال عسقول الذي يرغب في أداء شعائر الأضحية يجيب ساخراً على سؤال مراسل "هاف بوست عربي"، بالقول: "علينا أن نتعلم طرق حفظ اللحوم القديمة بالتجفيف أو التمليح، ولكن الناس لا تعرف الطريقة، لذلك سنقوم بحملات إرشادية على البيوت، ولكن الأكلات اختلفت، كيف سنطبخ اللحم المجفف والمقدّد؟".
تجميد اللحم بالإيجار
انتبهت للأزمة بعض محلات لحوم التجميد والأجهزة الكهربائية، وبدأت تعرض خدماتها للجمهور لتجميد لحوم أضاحيهم في ثلاجات كبيرة، تعمل على مولدات كهربائية مقابل 6 شواكل للكيلوغرام في الشهر.
إذ قال حسام أبو عون صاحب شركة للمجمدات في غزة : "نبعت فكرة التجميد من حاجة الناس لها، في ظل انقطاع الكهرباء، لاحظنا إقبالاً من الناس، وسجَّل كثير منهم أسماءهم في المشروع".
مشروع التجميد مدفوع الأجر دفع كثيراً من الناس لتغيير رأيهم في عدم أداء شعيرة الأضحية، إذ يضيف أبو عون: "كثير من الناس أعرفهم قرروا عدم شراء أضحية، ولكن بعد المشروع أخبرونا بأن المشكلة الأساسية المتعلقة بالتجميد قد حلت، وغيروا رأيهم بشأن الأضحية، حيث ستُحفظ لحومهم في أكياس مكتوب عليها اسم الشخص، وبإمكانهم أخذ حاجتهم اليومية من هنا، كمن يشتري اللحم من الجزار".
مبادرات أخرى لمشروع التجميد
أيضاً قدَّم عبد الله التركمان مبادرةً شبابية مع رفاق له بعد انطلاق مشاريع التجميد، تتلخص المبادرة في جمع التبرعات لأضحية وتوزيع لحومها، وقد لاقت الفكرة رواجاً رائعاً عبر الشبكات الاجتماعية، وقد جمعوا من تبرعات الناس ثلثي ثمن الأضحية.
يقول التركمان : "أطلقنا المبادرة عبر فيسبوك، بعد أن حلت مشكلة الكهرباء، وسنوزع لحوم الأضحية على الناس في المناطق البعيدة والمهمشة ممن لا يصلهم مساعدات الجمعيات، مثل قرية أم النصر شمالي قطاع غزة، وحارة الصفطاوي، والمناطق القريبة من الحدود".
وتلقى التركمان في مبادرته العديد من الاتصالات من المواطنين العاديين للتبرع لإنجاح الفكرة، وأضاف: "سنُجمِّد اللحوم في إحدى الشركات مدفوعة الأجر، ونوزعها بواقع كيلوغرام لكل عائلة مهمشة".
غيَّرت سماح عبد المنعم رأيها بعد مشروع التجميد، فهي ستضمن عدم تلف اللحوم، وستأخذ حاجتها اليومية منه. وتختتم حديثها بالقول: "لن أضطر لتخزين اللحوم عند بعض الأقارب البعيدين، والذين يمتلكون مولداً كهربائياً، ولن أحرج نفسي، فمشروع التجميد مدفوع الأجر يبعد عن بيتي خمس دقائق مشياً على الأقدام.. هكذا نحن نتحايل على أزماتنا في غزة بحلول مرحلية".
هاف بوست عربي