رام الله الإخباري
هل يمكن أن يوقف يهود أميركا دعمهم لإسرائيل؟، سؤال لم يكن متصوراً من قبل، ولكن يبدو أن يهود أميركا غاضبون بشدة من الحكومة الإسرائيلية التي تعتمد على دعمهم بينما تتعامل معهم كيهود من الدرجة الثانية وتنصاع لليهود الأرثوذكس المتطرفين المعروفين باسم "الحريديم" وهو ما بدا واضحاً في الأزمة الأخيرة بين الجانبين.
وثار اليهود حول العالم منذ أذعن نتنياهو لضغط شركائه في الائتلاف الأرثوذكسي المتشدد، وعلَّق خطة توفير مكان أفضل للرجال والنساء من غير الأرثوذكس للعبادة معاً عند ما يعرف بالجدار الغربي في القدس ( حائط البراق الذي يسميه الإسرائيليون حائط المبكى).
وسافر رئيس لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية إلى إسرائيل لاجتماع عاجل مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بينما ألغى بعض القادة اليهود الآخرين عشاءهم معه.
وطالب أحد المتبرعين اليهود البارزين باستعادة مبلغ مليون دولار كان قد أنفقه للتو في شراء بعض السندات الإسرائيلية، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وتسعى تيارات اليهودية المحافظة والإصلاحية لإقرار حقوق النساء لإقامة الصلاة وممارسة طقوس دينية وفق رغبتهن، خلافاً لرأي اليهود الأرثوذكسيين.
وكانت مساحة العبادة الجديدة هدفاً للحركات الإصلاحية والمحافظة الرائجة في الغرب منذ وقت طويل. وفي ضربة أخرى للأجنحة اليهودية الأكثر ليبرالية، وافقت الحكومة كذلك على مشروع القانون المثير للجدل والذي يمنح حاخام الأرثوذكس المتشدد حق السيطرة على التحول إلى اليهودية في إسرائيل.
أسهمت تلك التحركات في إعادة إيقاظ الجدل الذي دار لعقود حول هوية اليهودي. كما دفعت كذلك إلى النقاش العاطفي حول طبيعة العلاقة بين يهود العالم وبين إسرائيل، في الوقت الذي ازداد فيه اعتماد الحكومة اليمينية الإسرائيلية على دعم يهود الشتات الغربيين الأكثر ليبرالية، في مواجهة ضغط النقد الدولي المتزايد، وفقاً لنيويورك تايمز.
وتتمثل المشكلة الرئيسية الكامنة وراء الغضب تجاه اتفاقية الجدار الغربي في رفض السلطات الدينية الأرثوذكسية الإسرائيلية الاعتراف باليهودية الإصلاحية المحافظة.
وجاء الرد على تحركات الحكومة مليئاً بالغضب وخيبة الأمل، خاصة في أوساط اليهود في أميركا الشمالية.
وذكر موقع عرب 48 أن يهود أميركا هددوا بالقيام بخطوات عملية منها مقاطعة الوزراء أعضاء الكنيست الإسرائيليين، وإلغاء التبرعات الباهظة لإسرائيل والتي تصل إلى ملياري دولار سنوياً، واحتجاجات ضد الحكومة في جميع أنحاء العالم الأمر الذي دفع نتنياهو بلقاء الوفد اليهودي، وذلك في محاولة منه للتوصل إلى تسوية تحول دون تعميق الشرخ ما بين اليهود بالعام وإسرائيل.
وحذرت الجالية اليهودية من تداعيات عدم المصادقة على مخطط وتجميده، وهددت أوساط يهودية في واشنطن وجميع أنحاء العالم من مغبة انعكاس ذلك سلباً على العلاقات مع إسرائيل والمساس بالتبرعات السنوية للجالية اليهودية بأميركا والتي تقدر بنحو ملياري دولار تحول سنوياً لإسرائيل، وكذلك التهديد برفع اليد عن حملات حركة المقاطعة العالمية (BDS)، وعدم التدخل في جميع أنحاء العالم لمنع توسع نفوذها ضد إسرائيل.
وقبيل الخطوات التصعيدية، وصل خلال الأيام الأخيرة، العديد الرسائل إلى القنصليات الإسرائيلية في أميركا احتجاجاً من قبل الجاليات اليهودية، فيما تستعد القنصليات لإمكانية التصعيد من قبل اليهود بالشتات قبالة القنصليات الإسرائيلية.
معاقبة نتنياهو
وقالت نيويورك تايمز إن تشارلز برونفمان، الملياردير الكندي الأميركي والمتبرع اليهودي البارز، أرسل خطاباً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، منتقداً إياه، ومشيراً إلى "أنه بحسب علمي، ما من دولة أخرى في العالم تنكر حق أي يهودي بناءً على الطائفة".
وألغى مجلس محافظي الوكالة اليهودية، الهيئة شبه الحكومية التي تعمل على الوصل بين اليهود حول العالم، والتي يرأسها المنشق السوفييتي السابق ناتان شارانسكي، حفل العشاء المخطط له مع نتنياهو.
حاول نتنياهو احتواء رد الفعل العنيف وأوقف قانون التحول إلى اليهودية لستة أشهر في مقابل سحب الدعاوى القضائية من الحركات الإصلاحية والمحافظة التي تطالب بالاعتراف باعتناقهم لليهودية الذي تم في إسرائيل.
وقال سالاي ميريدور، السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن ورئيس الوكالة اليهودية الأسبق، “يجب على رئيس الوزراء معرفة أن وحدة الشعب أهم من وحدة الائتلاف الحكومي" ، مشيراً إلى جهود نتنياهو للحفاظ على تحالفه السياسي مع الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة.
في خطابه الذي وجهه لألف متظاهر من الحركات الإصلاحية والمحافظة والحركة النسوية "نساء الجدار"، أمام مقر إقامة نتنياهو ليلة السبت قال مريدور أن القوة المتزايدة للأرثودكسية المتشددة المعروفة في العبرية باسم "حريديم" أو أولئك الذين يخشون الرب، تجعل منه "يهودياً خائفاً".
الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، نعوم تيبون، أخبر الحشد أن نتنياهو "أحدث ضرراً استراتيجياً بدولة إسرائيل".
رئيس الاتحاد من أجل الإصلاح اليهودي الذي يتخذ من الولايات المتحدة الأميركية مقراً له، قال أنه قلق بالتحديد من التأثيرات التي ستصيب اليهود الأميركيين وحربهم ضد حملات المقاطعة والعقوبات ضد إسرائيل بسبب سياساتها تجاه الفلسطينيين.
“الأمر يتعلق بأولئك الذين يقفون مدافعين عن شرعية إسرائيل في الجامعات ومقر الكونغرس" وأضاف "لا يمكنك أن تنزع الشرعية عن أغلبية اليهود الأميركيين ثم تطلب منهم بعد ذلك أن يساعدوك".
وعلق الحاخام على مناورات نتنياهو السياسية الحالية قائلاً "إنه يبيع حقوق يهود العالم مقابل صحن من العدس" مشيراً إلى الصفقة التوراتية التي أجراها يعقوب مع عيسو.
الخلاف في حقيقته رمزي يدور حول الهوية والانتماء. يتجاوز الأمر القضايا ذات الطابع السياسي مثل احتلال إسرائيل للأراضي التي يريدها الفلسطينيون لدولتهم. وأدت هذه القضية إلى دفع مجموعات يهودية للتظاهر ليست بالضرورة معارضةً للحكومة الإسرائيلية ومنها على سبيل المثال مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبيرة، واتحادات جمع التبرعات وكذلك التجمع الكندي العبري متعدد الطوائف.
موقف الإيباك
واللافت أنه في حين يتم انتقاد منظمة إيباك بسبب دعمها المطلق لإسرائيل إلا أن 80% من أعضائها وداعميها ينتمون إلى أفرع إصلاحية أو محافظة غير أرثوذكسية لليهودية، بحسب خبراء، وهو ما يجعل المجموعة حساسة تجاه قضية سيطرة الأثوذكس على الشؤون الدينية.
وقال الحاخام ستيفن ورنيك قائد حركة المحافظين في شمال أميركا أنه اعتقد أن جاليته ستبقى داعمة لإسرائيل، وإن لم يكن للحكومة الحالية، لكن هناك شعوراً سائداً بالخذلان.
العديد من اليهود العلمانيين الذين لا يهمهم كثيراً ما يحدث في الجدار الغربي، حانقون بسبب السلطة غير المتوازنة التي تحوزها الأحزاب الأثوذكسية المتشددة بسبب نظام اسرائيل السياسي القائم على التحالفات والسيطرة الأثوذكسية المتشددة على العديد من نواحي الحياة، من بينها الطلاق والزواج.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته هودش وهي جماعة داعمة لحرية العقيدة والمساواة، أن ثلثي اليهود في إسرائيل معارضون لخطوة تعليق خطة الجدار الغربي وقانون اعتناق اليهودية.
سيعقد التشريع إجراءات التحول إلى اليهودية من بينها الاعتناقات الأثوذكسية الخاصة، بالنسبة لمئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين الذين أتى أغلبهم من الاتحاد السوفيتي السابق والذين لا يعتبرون يهوداً كاملين وفقاً للقانون الديني. سيعوق القانون أيضاً الاعتراف بأي اعتناقٍ لليهودية يتم في إسرائيل من قبل التيارات غير الأرثوذكسية.
في تظاهرات ليلة السبت حمل المتظاهرون لافتات كتب عليها "بيبي لا تقسم الشعب اليهودي" مخاطبين رئيس الوزراء بكنيته. كان من بينهم الحاخام نعمة كلمان-إزراتشي التي أصبحت في أوائل التسعينيات من القرن الماضي أول حاخام امرأة في الحركة الإصلاحية تم ترسيمها في إسرائيل وهي من نسل عشرة أجيال من الحاخامات والتي قالت "استيقظت اليهودية الأميركية أخيراً للدفاع عن التعددية في إسرائيل".
أوفرا دوس كريسيل أميركية من الجيل الثالث أرسلت أبناءها إلى مدرسة تالي التي تتبع نظاماً تعددياً في القدس قالت "أريد من اليهود الأميركيين أن يقوموا بفرد عضلاتهم ويكشروا عن أنيابهم. هناك شعور أننا نتراجع إلى الخلف فقط في هذه البلاد".
ضاعف توقيت اتخاذ الحكومة لهذه القرارات أثناء انعقاد اجتماع مجلس المحافظين الدوليين للوكالة اليهودية في القدس من شعور المهانة.
بحلول يوم الإثنين وقع ما يقارب الـ 200 مفوض في الوكالة اليهودية رسالة إلكترونية تحذر من الضرر الجسيم الذي سيلحق بما وصفوه بـ"مستقبلنا الجمعي".
ردُّ فعل اليهود المتطرفين
تجاهل السياسيون الأثوذكسيون المتشددون هذه الاحتجاجات. وقال ياكوف ليتزمان وزير الصحة وعضو حزب التوراة اليهودية المتحد، إن السياسيين بالكاد يحافظون على الوضع القائم منذ تأسيس إسرائيل. بينما وصف مقال تحريري في موقع إخباري أرثوذكسي متشدد أن اليهودية الإصلاحية هي "نوع من الدين، لكنه دين أجنبي مثل المسيحية أو الإسلام".
وصرح وزير السياحة المنتمي لحزب نتنياهو اليميني الليكود ياريف ليفين لمحطةٍ إذاعيةٍ دينية بأن التهديدات بقطع المساعدات عن إسرائيل أظهرت "قدراً كبيراً من الوقاحة".
“هؤلاء المانحون لن يقرروا شكل الدولة" وأضاف ليفين قائلاً "إذا أرادوا إيقاف تبرعاتهم فليفعلوا".
لكن الخبراء يقولون إن الضرر الذي ستتلقاه إسرائيل نتيجة القطيعة مع اليهود الأميركيين لا يقتصر فقط على خسارة أموال التبرعات التي تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات في العام. بل تتعدى ذلك إلى الروابط مع يهود الخارج خصوصاً أولئك الذين تساعد جهودهم على ضمان حصول إسرائيل على مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأميركية.
"إذا ألحقت الضرر بهذه الأصول، سيكون للأمر ارتدادات خطيرة على إسرائيل" بحسب ما قال بار يوسف في مقابلة صحفية والذي أضاف "ليس بسبب المال ولكن بسبب النفوذ".
هاف بوست عربي