في الميزان الاستراتيجيّ "للدولة العبريّة" يُمكن، بحسب تصريحات المسؤولين السياسيين والأمنيين في "تل أبيب"، الإشارة إلى عاملين مهمّين في هذه المسألة وهما على طرفي نقيض.من ناحية، طابع التحولات الإيجابيّة التي تتمتع بها "إسرائيل" والتي أدّت إلى تحسّن مكانتها الاستراتيجيّة وبيئتها الأمنيّة على خلفية تحوّل عددٍ من الدول العربيّة إلى صديقات أمينات لـ"إسرائيل"، وبشكلّ خاصٍّ مصر والأردن والمملكة العربيّة السعودية، ولكن من الناحية الثانية المسألة التي تؤرق "الإسرائيليين" وتقُضّ مضاجعهم تكمن في الترسانة العسكريّة-الصاروخيّة لحزب الله اللبنانيّ، إذْ أنّ أركان "تل أبيب" يعترفون وبالصوت العالي بأنّ كلّ بقعةٍ في العمق "الإسرائيليّ" باتت في مرمى هذه الصواريخ.
هذا ودون الأخذ بعين الاعتبار التهديد القادم من الجنوب، والتي بحسب المصادر الأمنيّة الرسميّة في "الدولة العبريّة"، أصبحت صواريخها تصل إلى ما بعد حيفا، وتُصيب الأهداف البعيدة بدّقةٍ شديدةٍ.وعلى الرغم من ذلك، قدّم مسؤول أمنيّ سابق ومدير مؤسسة بحثيّة مرموقة في "تل أبيب" تفسيرًا لافتًا لما أسماه “تحسّن أوضاع "إسرائيل" الأمنيّة ومكانتها الاستراتيجيّة وبيئتها الإقليميّة”، على حدّ تعبيره.
وقال الجنرال المُتقاعد عاموس غلعاد، المدير السابق للدائرة السياسيّة والأمنيّة في وزارة الأمن "الإسرائيليّة"، إنّه لم تكن أوضاع "إسرائيل" الأمنيّة والاستراتيجيّة ومكانتها الإقليميّة في يومٍ من الأيام أفضل ممّا هي عليه الآن، على حدّ وصفه.وخلال كلمة ألقاها مساء أمس أمام “مؤتمر سلاح المشاة” المنعقد حاليًا في مدينة "تل أبيب"، أضاف الجنرال غلعاد قائلاً: إنّ أكثر ما يُدلل على طابع التحولات الإيجابيّة التي تتمتّع بها "إسرائيل" والتي حسّنت من مكانتها الاستراتيجيّة وبيئتها الأمنية حقيقة أنّ دولاً عربيّةً باتت صديقةً أمنيًا لـ"إسرائيل"، ولا سيما مصر والأردن والمملكة العربيّة السعودية، على حدّ توصيفه.
ولفت الجنرال غلعاد، الذي يرأس حاليًا “معهد السياسات والاستراتيجيّة” التابع لـ”مركز هرتسليا متعدد المجالات”، إلى أنّ التوجهات الجديدة للسياسة الخارجيّة الأمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط التي يدفع بها الرئيس الأمريكيّ الجديد دونالد ترامب ستؤدّي إلى توفير المزيد من الفرص الاستراتيجيّة لـ"إسرائيل" وستمنحها القدرة على مواجهة التحديات بشكلٍ كبيرٍ، كما أكّد في الكلمة التي ألقاها في المؤتمر المذكور.مع ذلك، استدرك الجنرال غلعاد، الذي نقلت أبرز ما ورد في كلمته مجلة “الدفاع الإسرائيليّ”، في عددها الصادر هذا الأسبوع، وقال إنّ الدولة العبريّة ستُواجه تحدّيات غير مسبوقة في المستقبل، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ هذه التحدّيات ستكون ناجمة عن وتيرة التحولات المتسارعة التي يشهدها الوطن العربيّ، بحسب أقواله.
وعلى الرغم من أنّ الجنرال غلعاد لم يكشف عن طابع التحولات المستقبليّة التي تقلق "إسرائيل" بشكلٍ كبيرٍ، إلّا أنّ محافل التقدير الاستراتيجيّ في "تل أبيب" قد حذّرت أواخر العام الماضي من إمكانية سقوط نظام الحكم الحاليّ في القاهرة الذي يقوده عبد الفتاح السيسي، وهو تحول يمكن أنْ يقود إلى تغيير البيئة الإقليميّة لـ"إسرائيل" بشكلٍ جذريٍّ.
وكشف النقاب عن أنّه لا يوجد أيُّ شكلٍ من أشكال التحدث أوْ التفاوض بين "الإسرائيليين" والمصريين، مشيرًا إلى أنّ التواصل الدبلوماسي بين "تل أبيب" والقاهرة لن يحصل في المستقبل المنظور، مؤكدًا على أنّ المصريين لا يريدون التحدث معنا، ولن يفعلوا ذلك في المستقبل، على حد تعبيره.مع ذلك قال الجنرال "الإسرائيليّ" إنّه يتحتّم على "إسرائيل" أنْ تُحافظ بكلّ ثمنٍ على اتفاق السلام بين "الدولة العبرية" وبين مصر، لأنّ اتفاق كامب ديفيد أغلى بكثير من أنْ تقوم "إسرائيل" بتجنيد الجيش للحرب، كما قال.
على صعيد آخر، أشار غلعاد إلى أنّ ترسانة الصواريخ التي يملكها حزب الله اللبنانيّ تُمثل تهديدًا جديًا وحقيقيًا وخطيرًا لـ"إسرائيل"، لافتًا في الوقت ذاته إلى أنّ هذه الصواريخ يُمكن أنْ تُغلق المجال الجويّ "الإسرائيليّ" في حال نشبت حرب قادمة بين الطرفين.واستدرك غلعاد مشدّدًا على أنّ ما يمنع اندلاع الحرب حاليًا ضدّ حزب الله اللبنانيّ هو تمكن "إسرائيل" من مراكمة قوة ردع كبيرة في مواجهة حزب الله، الذي لا يبدي أيّ توجه لاستفزاز "إسرائيل" في الوقت الحاليّ، على حدّ قوله.