بعد 14 يوماً من خوض المعتقلين الفلسطينيين إضراباً مفتوحاً عن الطعام، خرجت أنباء من داخل السجون الإسرائيلية تفيد باستعداد مصلحة السجون فتح باب المفاوضات مع الأسرى الفلسطينيين بشرط أن تكون بعيدة عن قائد الإضراب، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مروان البرغوثي.
ولا يزال الإضراب الذي يقوم به أكثر من ألف أسيرٍ فلسطيني في السجون الإسرائيلية يُثير الرأي العام الفلسطيني بشكل عام، وأهالي الأسرى بشكل خاص، فلم يمض وقتٌ طويل على زيارة زوجة مروان البرغوثي، فدوى، وابنته، رُبى، لقيادي فتح الأسير في سجن هداريم الإسرائيلي حتى دعا إلى أكبر إضرابٍ للأسرى الفلسطينيين عن الطعام في السنوات الأخيرة.
وتذكَّرت فدوى الأسبوع الماضي في اليوم الحادي عشر من الإضراب قائلةً: "المرة الأخيرة التي ذهبت فيها لزيارته مع ابنتي كانت قبل شهرين أو ثلاثة. وقالت ابنتي له: "أتمنّى لو أنَّك لا تفعل ذلك. فنحن لا نراك كثيراً. وأشقائي لا يرونك. سنكون قلقين بشأنك، ولن نتمكَّن من رؤيتك". وأجابها: "أعلم أنَّ الأمر سيكون مؤلماً للأسرة"، وفقاً لما جاء في تقريرٍ لصحيفة الغارديان البريطانية.
بالنسبة للكثير من الفلسطينيين، فإنَّ البرغوثي يعتبر بطلاً، يُقارن في بعض الأحيان بمانديلا، وهو رمزٌ لم يلوثه الفساد والمكائد السياسية التي دمغت حقبة الرئيس الفلسطيني الهَرِم، محمود عباس، حسبما تذكر الصحيفة البريطانية، أما فيما يتعلق بخطاب الوزراء والمُعلِّقين الإسرائيليين اليمينيين، يُعَد البرغوثي "قاتِلاً وإرهابياً" يجب إعدامه يوماً ما.
أيام صعبة مقبلة
وفي مكتب فدوى، حيث تُعلِّق صورة زوجها، بدأ الإرهاق يبدو عليها. ومع قلة المعلومات التي ترد من مصلحة السجون الإسرائيلية، وعدم قدرتها على الذهاب إلى زوجها في السجن، فإنَّ الأخبار التي تحصل عليها فدوى تأتي من السجناء الآخرين الذين رأوا زوجها وتمكّنوا من تمرير بعض التفاصيل بشأنه، وفقاً للصحيفة البريطانية.
تقول فدوى: "الأيام المقبلة ستكون صعبة. لقد كانت آخر مرة رأيتُه فيها قبل أسبوعين من الإضراب. ومنذ اليوم الأول، لم يتمكَّن أحدٌ من رؤيته. وكل المعلومات التي لدي هي معلومات غير رسمية. بعض الأسرى يعانون، والأمر يزداد سوءاً".
ويتسبب الإضراب بآثارٍ كبيرة على المشاركين فيه، الذين لا يتناولون سوى الماء والملح، على الرغم من أنَّ أيَّاً منهم لم يعان مشكلاتٍ صحية خطيرة إلى الآن، وفقاً لتقرير نشرته الجزيرة نت.
وفي مكتبها، دمعت عينا فدوى فجأةً، أثناء تفكيرها في مآل الإضراب، وقالت: "إنَّ أحد الأشياء التي تجعل الأمر أكثر صعوبةً هو أنَّني أشعر أنَّ الأسر الأخرى ترغب في أن تستمد القوة مني، ولذا عليّ أن أخفي مشاعري، مُضيفةً أنَّ الإضراب قد جعلها تدرك مدى غياب زوجها عن أسرته، سواء كان في السجن، أو كان مطلوباً، أو كان مُبعَداً. وقالت: "اعتدتُ أن ألوم مروان لعدم وجوده. وكان يقول إنَّ عليكِ أن تتحمَّلي الأمر إلى جانبي. إنَّه النضال من أجل حياةٍ أفضل لأطفالنا. وقد مضى الآن 30 عاماً".
ومن الواضح أيضاً أنَّ غياب أي حوارٍ لا يُبشِّر بالخير فيما يتعلَّق بصحة المُضربين. وعند سؤالها عن المخاطر، أجابت فقط بقولها: "الله سيحميه".
وكان المضربون عن الطعام قد وضعوا قبل 8 أشهر قائمةً من المطالب تتعلَّق بظروف السجن، بما في ذلك الزيارات، وإمكانية استخدام الهواتف، والتعليم، والفحص الطبي.
كما قاموا بإرسال خطاباتٍ إلى القيادة الفلسطينية يقولون فيها إنَّ الإضراب سيبدأ ما لم تمتثل إسرائيل لتلك المطالب بحلول 16 أبريل/نيسان، وأخبروا السلطة الفلسطينية أنَّ بمقدورها تجنُّب الإضراب عبر الضغط على الإسرائيليين، وفقاً لما ذكرته زوجة البرغوثي.
ووفقاً لوكالة الأناضول فقد صعَّدت إسرائيل الضغط على المُضرِبين عن طريق عزلهم عن العالم الخارجي. إذ يقول المؤيدون إنَّ أجهزة الراديو قد صُودِرت ومُنِعَ التواصل مع المحامين.
وتمثل التصعيد بحجز القياديين المضربين عن الطعام بزنازين انفرادية، ونُقِل آخرون إلى أجنحةٍ خاصة، وفقاً لعيسى قراقع، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمُحرَّرين في السلطة الفلسطينية.
وأضاف: "لقد أقاموا أقسامَ احتجازٍ جماعية وُضِع فيها المُضربون عن الطعام فقط بملابسهم التي يرتدونها، والفراش، وفرشاة الأسنان، مع مصادرة متعلقاتهم الشخصية".
أمر مثير للقلق
وكان الأمر الأكثر إثارةً للقلق بالنسبة لقراقع وفدوى هو تعليقات بعض الوزراء الإسرائيليين، بمن فيهم وزير الاستخبارات المُتحرِّق للقتال، يسرائيل كاتس، الذي قال إنَّه كان يتعيَّن إعدام البرغوثي، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية.
وقال كاتس في بداية الاحتجاج: "حينما يحتج قاتلٌ خسيس مثل البرغوثي في السجن لتحسين ظروفه، في حين أنَّ أقارب أولئك الذين قتلهم لا يزالون يتألَّمون، يكون هناك حلٌ واحد فقط: عقوبة الإعدام للإرهابيين".
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو البرغوثي بأنَّه "إرهابي خبيث"، في حين رأى وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، أنَّ إسرائيل يتعيَّن عليها أن تسلك النهج الذي انتهجته رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر إزاء المُضرِبين عن الطعام من سجناء الجيش الجمهوري الأيرلندي (منظمة عسكرية كانت تطمح لاستقلال أيرلندا عن التاج البريطاني وتأسيس جمهورية أيرلندية مستقلة، وانتهجت العمل المسلح ضد بريطانيا) عام 1981 وأن تدعهم يموتون، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
وقال قراقع الذي وصف الرد الإسرائيلي بـ"التحريض والاستفزاز": "إنَّ هذه التصريحات، مصحوبةً بالإجراءات الصارِمة ضد المُضرِبين عن الطعام، تُفاقِم الوضع. لم يأتِ هذا الإضراب من الفراغ، وإنَّما نتيجة للفشل في مناقشة هذه المسائل مع سلطات السجون الإسرائيلية.. لقد أوصلت إسرائيل الوضع إلى هذه الدرجة".
وفي حين تُقدِّم الشخصيات الفلسطينية البارزة، بمن فيهم الرئيس عباس، دعماً صريحاً للإضراب، فإنَّ توقيت هذا الإضراب، الذي يأتي قبل لقاء الأسبوع المقبل بين عباس ودونالد ترامب في واشنطن، يزعجهم بصورةٍ واضحة، وفقاً لصحيفة الغارديان.
وترى الغارديان، أن النتيجة هي مهمة توازن مُعقّدة للقيادة الفلسطينية عن طريق تقديم الدعم في الوقت الذي تُوجِّه فيه أوامرها للقوات الأمنية بمنع أية صدامات مع الإسرائيليين عند نقاط التفتيش خلال التظاهرات الداعمة للإضراب. ويُؤكِّد هذا وجهة النظر القائلة بأنَّ سيطرة البرغوثي على الوضع محدودة.
والسؤال المطروح الآن، من وجهة نظر الصحيفة البريطانية، هو ما إذا كان نفوذ البرغوثي وكاريزمته المشهود له بهما سيمكِّنانه من القيادة، حتى رغم وجوده في الحبس الانفرادي.
وتتابع الصحيفة في محاولة للإجابة عن السؤال: بالنسبة لإسرائيل، لا تبدو الخيارات جيدة في حال تواصل الاحتجاج، وذلك مع إدراك المسؤولين الأمنيين بأنَّ موت مُضرِبين عن الطعام من شأنه أن يُؤدي إلى التصعيد.
والحل الوحيد بالنسبة لإسرائيل في التعامل مع هذه الحال هو الإطعام القسري للطعام، لكن صحيفة الغارديان ترى أنه موضع خلاف كبير في ظل معارضة الجمعية الطبية الإسرائيلية له، وذلك بالرغم من أنه مسموح في إسرائيل بقرار من المحكمة العليا عام 2016.