رام الله الإخباري
قبل نحو 15 عامًا خرجت الطفلة نوران الكرمي (7 أعوام) من منزلها في طولكرم للعب، واختفت آثارها. بعد 10 أيام من البحث والتحقيق في الواقعة اعترفت امرأةٌ أنها شاركت في خطفها ونقلها إلى الداخل الفلسطيني المحتل، لكنّ المتهمة قُتلت وتم إخفاء الأدلة، ومازالت القضية عالقةً حتى اللحظة.
طوال 15 عامًا لم ييأس خالد الكرمي من البحث عن طفلته، نجح خلال ذلك بتحديد هوية الخاطفين والوصول إلى الشقة التي احتجزت فيها، وقدّم المعلومات التي توصل إليها مرّة بعد مرة إلى الشرطة الإسرائيلية التي كانت تغلق التحقيق دائمًا.
لكن قبل نحو شهرٍ، تلقى الكرمي مكالمةً هاتفيةً من شرطة مستوطنة "أرئيل" المقامة في الضفة الغربية، وتم استدعاؤه إلى المحطة، إذ تفيد معلوماتٌ جديدةٌ بوجود ثلاثة عناوين سكنية تقيم نوران في إحداها. وإثر ذلك تم استدعاء أم نوران أيضًا لأخذ عينات "DNA" منها ومن زوجها، لتحديد ما إذا كان لغز اختفاء ابنتهما سينتهي.
يقول الكرمي في تقرير عرضته القناة الإسرائيلية الثانية، إنه قدّم لشرطة الاحتلال معلوماتٍ كافيةٍ عن القضية، بما في ذلك شريط فيديو يوثق اعتراف السيدة التي شاركت في خطف ابنته للشرطة الفلسطينية، لكنه أُصيب بالإحباط من الشرطة الإسرائيلية، مضيفًا، "لو كان الحديث يدور عن طفلة إسرائيلية لكانوا عثروا عليها منذ زمن طويل".
وتبدل إحباط الكرمي ببعض الأمل مجددًا، بعد المعلومات الجديدة التي حصلت عليها الشرطة الإسرائيلية، فالرجل لا يزال مؤمنًا بأن ابنته على قيد الحياة، ويثق بأنه سيراها مرة أخرى؛ وينتظر تلك اللحظة التي لا يقول إنه "لا ينام الليل من شدة التفكير بها".
وجرى اختطاف نوران بتاريخ 21 كانون الأول/ديسمبر 2002، تزامنًا مع اقتحام قوات الاحتلال لمدينة طولكرم بحثًا عن مقاومين، وخلال ذلك فرض جيش الاحتلال حظر التجوال على المدينة وحاصر سكانها في منازلهم.
"نوران كان عمرها سبعة أعوام، أرادت اللعب مع أطفال الجيران، بكت وألحّت على السماح لها بالخروج لشرفة المنزل ولم أنجح برفض طلبها"، هكذا تستذكر والدة نوران الواقعة، مضيفة، أن ابنتها طرحت السلام على أسرتها وهي تغادر المنزل، وبعد دقائق نظر أبوها من النافذة ولم يجدها، وناداها دون جدوى.
استنفرت عائلة نوران وجيرانها كل الطاقة الممكنة بحثًا عنها، يقول الكرمي: "بحثنا في كل مكان، لقد اختفت كأنما بلعتها الأرض. نشرنا صورها في التلفزيون المحلي ولكن لم نعثر على طرف خيط".
واصل الكرمي البحث متنقلاً من موقعٍ عسكريٍ إسرائيليٍ إلى آخر، كما توجه إلى الشرطة الفلسطينية، وبعد أيامٍ أفاد شخصٌ بأنه شاهد سيارة "سوبارو" لونها "بيج" تقف إلى جوار الطفلة، ثم ترجلت منها امرأة سألت نوران عن أقرب صيدلية، وعندما استدارت نحوها أمسكتها بمساعدة امرأة أخرى، ودفعنها إلى السيارة ثم لاذ الجميع بالفرار.
بعد 10 أيامٍ من عملية الخطف، استدعت شرطة طولكرم الكرمي طالبة حضوره بأقصى سرعة، أبلغه ضابطٌ رفيعٌ تحدّث معه باعتقال شابة حاولت خطف طفلٍ ولديها ما تقوله عن نوران.
المعتقلة، وهي من فلسطينيي الداخل المحتل، تحدثت أمام الكرمي بالتفصيل عن شكل نوران وتسريحة شعرها وملابسها، واعترفت بأنها وثلاث نساء حددت أسماءهن خطفن نوران من أمام منزلها، وهن جميعًا إضافة إلى سائق السيارة عميلات لدى جهاز المخابرات الإسرائيلي "الشاباك"، وقد حُددت مكان الشقة التي تم احتجاز نوران فيها.
يقول الكرمي: "كنت سعيدًا لإني اعتقدت أن القصة وصلت لنهايتها، وأني سأجد طفلتي، ولكن تلك اللحظة لم تأتٍ حتى الآن". اعترفت المتهمة للشرطة الفلسطينية بأن نوران نُقلت إلى شقة في الطيرة داخل الخط الأخضر، تم توثيق روايتها بالفيديو وحصل الكرمي على نسخة منه ثم سلم نسخة أخرى للشرطة الإسرائيلية.
أبلغت المتهمة الكرمي أن شركاءها في الجريمة هددوها بالقتل في حال اعترافها، وبعد أيامٍ تم الإفراج عنها، ثم أُدخلت إلى مستشفى طولكرم وتوفيت فيه نتيجة تسميمها. إضافة لذلك اختفى شريط الفيديو الذي يوثق اعترافاتها ونطقها بأسماء أفراد الشبكة التي ارتكبت جريمة الخطف.
يعلق الكرمي، بأن القتيلة كانت أمله بالوصول إلى ابنته، ولكن تم تسميمها داخل المستشفى لتعطيل التحقيق في القضية، وإفشال الوصول إلى أعضاء الشبكة التي ارتكبت جريمة الخطف، ما دفعه لمواصلة التحقيق بنفسه، حتى وصل إلى المنزل الذي قالت القتيلة إن نوران نُقلت إليه، وقد أبلغته سيدةٌ كانت تسكن في المنزل إنها حاولت تهدئة ابنته بتقديم الحلوى لها.
استعان الكرمي بخدمات محققين خاصين إسرائيليين، وتوصلوا لإحدى الخاطفات، التي قالت إنه جرى نقل الطفلة إلى بئر السبع؛ ثم نُقلت لمنزل أحد العملاء في اللد، لكنها رفضت تقديم معلوماتٍ أخرى، حتى لا تواجه مصير شريكتها التي تم تسميمها من قبل.
يقول عميكام شوسبرغ الصحفي الإسرائيلي الذي أعدّ فيلمًا وثائقيًا حول القضية، إنّ الكرمي قام بعملٍ لم تقم به الشرطة الإسرائيلية، وبحث في كل مكانٍ وأنفق كل أمواله، وخاطر بحياته، وكان قريبًا من حلّ اللغز عدة مرات، "لكن جهاتٍ داخل سلطات تطبيق القانون الإسرائيلية لم تقدم أي مساعدة".
ويؤكد شوسبرغ أن الأمر في هذه القضية تجاوز حدود الإهمال، ووصل إلى ارتكاب جرائم في التحقيق في هذا الملف، وأن محاولاتٍ جرت لعرقلة التحقيق في الجريمة، لأن مرتكبيها عملاء لجهاز الشاباك.
ويشير إلى أن خطف نوران تم خلال فرض حظر التجوال على طولكرم، ما يعني أنّ تجول السيارات غير ممكنٍ دون فحصها من جيش الاحتلال، وهذا يعزز الشكوك بضلوع الشاباك في التعتيم على الجريمة.
عائلة نوران أيضًا تعتقد بضلوع "الشاباك" في التعتيم على الجريمة، ويقول والدها: "لو كانت الشرطة الإسرائيلية تعمل بشكل صحيحٍ لكانت ابنتي في منزلي منذ سنوات. لقد تعرفت خاطفة نوران على صورتها من بين 20 صورة خلال التحقيق بينها صورة شقيقة نوران".
مؤخرًا، تابع ضابطٌ متقاعدٌ في الشرطة الإسرائيلية يدعى يسرائيل أرائيل القضية بشكل تطوعيٍ، وتوصل إلى أن نوران على قيد الحياة في الداخل المحتل، وهي متزوجةٌ وأم لأطفال.
وحسب المعطيات المتوفرة، فإن نوران بيعت إلى شخصٍ من كفر قاسم، نقلها إلى رهط، ثم بيعت لرجل بدويٍ متزوجٍ من ثلاث نساء، وبعد ذلك زوّجها إلى رجلٍ آخر، لكنّ نتائج التحقيق لم تُعلن بعد بشكلٍ نهائي.
الترا فلسطين