أنشأ حزب الله أسطولاً من الطائرات المسلحة دون طيار زهيدة الثمن يستخدمها في الوقت الراهن بشكل كبير في سوريا؛ بهدف تعزيز قدرة الحزب العسكرية.
ولكن، يرى العديد من المحللين أن حزب الله سيستخدمها لاحقاً ضد إسرائيل، حسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
ووفقاً لبعض مقاطع الفيديو، استخدمت الجماعة اللبنانية المسلحة طائرات جوية صغيرة دون طيار لإسقاط القنابل على المعارضة المسلحة في شمال سوريا.
ويُظهر مقطع الفيديو، الذي نشر على اليوتيوب في أغسطس/آب 2016، ما يبدو أنه شظايا قنابل يُرجح أنها أُطلقت من طائرات دون طيار صغيرة استخدمها حزب الله.
وفي هذا الصدد، قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن القنابل التي ظهرت في الفيديو كانت عبارة عن ذخائر صغيرة من طراز "إم إس دي-2" صينية الصنع، وتحتوي في أغلب الأحيان على عبوة ناسفة، ملفوفة في كرات بلاستيكية أو معدنية صغيرة.
ويأتي استعمال حزب الله الطائرات دون طيار رداً على استخدام تنظيم داعش هذا النوع من الطائرات في الموصل، وقد أسفر هذا الهجوم عن مقتل العديد من المدنيين الذين يقطنون شرق المدينة.
ويعرض الفيديو أيضاً إسقاط حزب الله القنابل اليدوية وأجهزة العبوات الناسفة من طائرات صغيرة خاضعة للتحكم عن بُعد، فضلاً عن الكشف عن كيفية استخدام الحزب الطائرات دون طيار، وذلك عقب إعلان مشاركته في الحرب السورية لدعم نظام بشار الأسد.
وفي هذا الشأن، صرح الخبير المختصّ بحزب الله في المجلس الأطلسي، نيكولاس بلانفورد، بأن التطورات الحديثة في التكنولوجيا جعلت حزب الله يستخدم الطائرات دون طيار على نطاق أوسع، خاصة أنها متاحة بكثرة وأسعارها تعد رخيصة.
600 دولار
قال بلانفورد إن "التكنولوجيا أصبحت أقل تكلفة وهي متاحة حالياً لمعظم الناس؛ إذ يمكن شراء طائرة دون طيار تجارية صغيرة مقابل 600 دولار لا غير".
وكان أول استخدام مسجل لحزب الله للطائرات دون طيار في سنة 2004، عندما أرسلت المجموعة "ميرساد إيران"، وهي طائرة صغيرة، نحو إسرائيل في مهمة استطلاع وجيزة لم تستغرق سوى 18 دقيقة قبل أن تعود إلى لبنان دون اكتشاف أمرها.
فضلاً عن ذلك، قال بلانفورد إن حزب الله استعمل أيضاً طائرات دون طيار في سنة 2006، خلال الحرب مع إسرائيل، مضيفاً أن الحزب أرسل 3 طائرات دون طيار باتجاه أراضي العدو؛ إذ كانت واحدة منهم على الأقل محمَّلة بالمتفجرات. ولكن هذه العملية كُللت بالفشل بعد أن تم إما إسقاطها من قِبل القوات الجوية الإسرائيلية وإما تحطمت قبل الوصول إلى الحدود الإسرائيلية.
ومع حلول أكتوبر/تشرين الأول سنة 2012، تمكّن حزب الله من إرسال الطائرة دون طيار المتقدمة إلى جنوب إسرائيل، على مسافة مئات الأمتار من الساحل الإسرائيلي فوق غزة وصحراء النقب.
ويشتبه المحللون في أن تلك الطائرة دون طيار كانت طائرة "شاهد 129"؛ وذلك بسبب المسافة التي تغطيها. وهي طائرة عسكرية متقدمة جداً تشبه لحد كبير الطائرات دون طيار الأميركية "ريبر".
وفي هذا الصدد، قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، خلال اللقاء الذي أجراه مع قناة "المنار" التابعة للحزب، عندما تم عرض الرسومات التي تشير إلى جزء من مسار الرحلة، إن ذلك كان من بين مهام حزب الله.، بيد أن مصير هذه العملية كان مشابهاً للعملية الأولى؛ إذ إن إسرائيل أسقطت هذه الطائرة أيضاً.
وفقاً للجنرال اللبناني المتقاعد والخبير في شؤون حزب الله، أمين حطيط، أطلق حزب الله وبحلول سنة 2014أول هجوم ناجح للطائرات دون طيار عندما هاجم مقر جبهة النصرة على الحدود اللبنانية مع سوريا.
وقال حطيط إن "الطائرات دون طيار تُستخدم للاستطلاع أو لتوجيه الضربات على غرار الهجمات الانتحارية أو القصف المستهدف".
وأضاف أن "التسليح المتنامي للطائرات دون طيار صغيرة الحجم ذات المتفجرات الخفيفة جعلها تصبح بمثابة تحدّ أمني متزايد".
وفي الوقت نفسه، كانت الجماعة تعمل على تحسين قدرات إطلاقها للطائرات دون طيار الأكثر تقدماً. ففي البداية، كان حزب الله يطلق طائرات دون طيار من سلالم الصعود المثبتة على ظهر الشاحنات.
في المقابل، كشفت صحيفة جينز ديفنسويكلي، ومقرها المملكة المتحدة، في سنة 2015، عن وجود مهبط للطائرات يبلغ طوله 600 متر في منطقة نائية من سهل البقاع اللبناني.
ووفقاً للصحيفة، يخصّص هذا الموقع لإطلاق الطائرات دون طيار. لكن سرعان ما نفى حزب الله مراراً وتكراراً وجود مهبط للطائرات لها في ذلك الموقع.
من جهتها، ذكرت مصادر محلية أنه تم تحديد موقع إطلاق آخر في منطقة البقاع اللبنانية، وهي قرية صغيرة بالقرب من بعلبك.
سر النمو المتسارع
في الواقع، أسهم النزاع الذي تدور رحاه بسوريا المجاورة في توسيع استخدام الطائرات دون طيار من قبل حزب الله، حيث قال أحد مقاتلي الحزب في مقابلة مع موقع "ميدل إيست إي": "نحن بالتأكيد نتعلم الكثير من خلال العمل مع الروس والإيرانيين في الحرب السورية، تحديداً عندما يتعلق الأمر بالطائرات دون طيار".
وأضاف هذا المقاتل أن "الحرب السورية سمحت لحزب الله بتطوير استخدام الطائرات دون طيار".
من جانب آخر، قال بلانفورد إنّ حزب الله لم يكتف بتطوير معرفته بالطائرات دون طيار؛ بل مارس أيضاً مجموعة جديدة من مهارات الحرب في سوريا. وهذا ما يستلزم الدعوة إلى تحسين الخدمات اللوجيستية للقوات المنتشرة وتحسين مهارات العمليات الهجومية والتعلم من أجل السيطرة على الأرض والتحكم فيها.
علاوة على ذلك، أوضح بلانفورد أن "حزب الله انتقل من كيان يقاتل دائماً العدو نفسه في المكان نفسه (إسرائيل في جنوب لبنان) إلى قوة تقاتل في العديد من مسارح الحرب الجديدة، من الجبال الجرداء إلى المناطق الزراعية المسطحة والمدن الداخلية، معظمها غير مألوف لكوادر المنظمة".
كما بيّن بلانفورد أن "حزب الله تعلم أيضاً القتال في صفوف وحدات أكبر جنباً إلى جنب مع جيوش أخرى، وهو ما لم يُقدم على فعله من قبلُ؛ بل إن الحزب أعرب عن فخره بفرقه المدرّعة. فضلاً عن ذلك، تعلم أيضاً كيفية استخدام أجهزة الاستخبارات والاستطلاع لتطوير عمليات هجومية أكثر تعقيداً".
في حقيقة الأمر، عكس هذا المستوى المتزايد من الخبرة، تغييراً أيضاً في تصور إسرائيل لحزب الله.
فوفقاً للتقرير السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، تجاوز حزب الله إيران "كأكبر خطر على إسرائيل"؛ إذ كانت إيران خلال الماضي، بمثابة أكبر خطر يحدق بإسرائيل.
وفي هذا الصدد، قال بلانفورد إن "تقدُّم حزب الله في مجال تكنولوجيا الطائرات دون طيار من شأنه أن يساعد على شن (حرب نفسية) ضد إسرائيل".
غير أن الخبير اللبناني أمين حطيط، يرى أن استخدام هذه الأجهزة لا يزال في مراحله الأولى.
ويضيف قائلاً إنه "لا قيود لاستخدام الطائرات دون طيار عبر الحدود السورية؛ نظراً لأن السيطرة على المجال الجوي مكفولة من قِبل حلفاء حزب الله، وهو ما يعطي هامشاً كبيراً من الحرية للحزب. بينما في إسرائيل، يمكن للقوات الجوية إسقاط أي طائرة دون طيار بسرعة البرق بمجرد الكشف عنها".
من ناحية أخرى، أفاد المسؤول السابق بالمخابرات والخبير في الشؤون الإسرائيلية، آفي ميلاميد، بأن "إسرائيل لا تحطّ من شأن قدرات حزب الله العسكرية. كما أنها تتابعه من كثب اعتماداً على طرق عديدة، واستخدام الطائرات دون طيار هو بالطبع إحدى القضايا التي تراقبها إسرائيل من قرب".