تصادف يوم غد الثلاثاء، الذكرى الـ49 لمعركة الكرامة، التي التحمت بها دماء الشعبين الفلسطيني والأردني، لتسطر أول انتصار عربي على إسرائيل، بعد تسعة أشهر على هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران عام 1967.
وبدأ القتال في 21 آذار عام 1968 عندما حاولت قوات الجيش الإسرائيلي احتلال الضفة الشرقية لنهر الأردن من عدة محاور، إلا أن الجيش الأردني بالاشتراك مع الفدائيين الفلسطينيين وسكان قرية الكرامة ومنطقتها تصدوا لهم في معركة استمرت أكثر من 16 ساعة أجبرت إسرائيل على الانسحاب الكامل من أرض المعركة.
بعد 16 ساعة من القتال، انتهت المعركة، وفشلت إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها على جميع الأصعدة، وخرجت من هذه المعركة خاسرةً ماديا ومعنويا، وبدأت بالانسحاب في حوالي الساعة 15:00، وطلبت إسرائيل ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وقف إطلاق النار في الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم المعركة، إلا أن الأردن أصر وعلى لسان الملك حسين على 'عدم وقف إطلاق النار طالما أن هناك جنديا إسرائيليا واحدا شرقي النهر'.
معركة الكرامة كانت نقطة تحول كبيرة بالنسبة لحركة فتح خاصة، والمقاومة الفلسطينية عامة، وتجلى ذلك في سيل طلبات التطوع في المقاومة سيما من قبل المثقفين وحملة الشهادات الجامعية، والتظاهرات الكبرى التي قوبل بها الشهداء في المدن العربية التي دفنوا فيها، والاهتمام المتزايد من الصحافة الأجنبية بالمقاومة الفلسطينية، ما شجع بعض الشبان الأجانب على التطوع في صفوف المقاومة الفلسطينية.
كما أعطت معركة الكرامة معنى جديدا للمقاومة تجلى في المظاهرات المؤيدة للعرب والهتافات المعادية التي أطلقتها الجماهير في وجه وزير خارجية إسرائيل آبا ايبان أثناء جولته يوم 7/5/1968 في النرويج والسويد، فقد سمعت آلاف الأصوات تهتف 'عاشت فتح'.
على الصعيد العربي، كانت معركة الكرامة نوعا من استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها في حزيران 1968 القوات المسلحة العربية التي لم تتح لها فرصة القتال، ففي معركة الكرامة أخفقت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والاستراتيجية لرفع معنويات الإسرائيليين، بل ساهمت في زيادة خوفهم وانعزالهم.
وحول خسائر المعركة، فقد ارتقى 17 شهيدا من الجانب الفلسطيني، و20 من الجانب الأردني و65 جريحا بينهم عدد من الضباط، ودمرت 10 دبابات و10 آليات مختلفة ومدفعان، فيما قتل 70 إسرائيليا وأكثر من 100 جريح، ودمرت 45 دبابة، و25 عربة مجنزرة و27 آلية مختلفة، و5 طائرات.
بعد انتهاء المعركة صدرت العديد من ردود فعل كان أبرزها، قول الرئيس الراحل ياسر عرفات إن 'معركة الكرامة شكلت نقطة انقلاب بين اليأس والأمل، ونقطة تحول في التاريخ النضالي العربي، وتأشيرة عبور القضية الفلسطينية لعمقيها العربي والدولي'.
صحيفة 'نيوزويك' الأميركية نشرت بعد معركة الكرامة: 'لقد قاوم الجيش الأردني المعتدين بضراوة وتصميم، وإن نتائج المعركة جعلت الملك حسين بطل العالم العربي'.
وقال رئيس الأركان الإسرائيلي في حينه، حاييم بارليف، في حديث له: إن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران، وقال أيضا في حديث آخر: إن عملية الكرامة كانت فريدة من نوعها ولم يتعود الشعب في (إسرائيل) مثل هذا النوع من العمليات، وبمعنى آخر كانت جميع العمليات التي قمنا بها تسفر عن نصر حاسم لقواتنا.
وعلق أحد كبار القادة العسكريين العالميين، رئيس أركان القوات المسلحة في الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة المارشال جريشكو: لقد شكلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية.
أما رئيس أركان الجيش الأردني حينها، الفريق مشهور الجازي، قال: "أقول بكل فخر، إنني استطعت تجاوز الخلاف الذي كان ناشئا آنذاك بين الفدائيين والسلطة الأردنية، فقاتل الطرفان جنبا إلى جنب، وكقوة موحدة تحت شعار: كل البنادق ضد إسرائيل فكانت النتيجة مشرفة".
فتح: معركة الكرامة تلهمنا الثبات والصمود في نضالنا من أجل الحرية والاستقلال
أكدت حركة "فتح" مضي قيادتها ومناضليها على درب التضحية والفداء والنضال بإخلاص لتحقيق أهداف وثوابت الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
وقالت الحركة في بيان صحفي، صدر عن مفوضية الإعلام والثقافة، لمناسبة الذكرى الـ 49 لمعركة الكرامة، إن فتح كان لها شرف استعادة كرامة الأمة العربية بعد تسعة شهور من نكسة حزيران عام 1967 وبعثت في الشعب الفلسطيني والأمة العربية المعاني الحقيقية للكرامة.
وأضافت: أن معركة الكرامة وما سبقها من إرهاصات، وإيمان المناضلين المقاتلين في الميدان بعدالة قضيتهم ومبادئ الثورة وأهدافها، وما جسدوه من صور الفداء البطولية غير المسبوقة، اثبتت أن قرارات المعارك المصيرية، لا يقوى على اتخاذها وتجسيدها فعلا في الميدان إلا الأوفياء للوطن، الأقوياء بالثقة الممنوحة لهم من شعبهم، المؤمنون بأن الوطن يستحق العطاء بلا ثمن أو حدود ".
وأكدت فتح بقاء معركة الكرامة كصفحة مضيئة في سجل الكفاح الوطني الفلسطيني والقومي العربي، حيث تجسدت وحدة الدم والمصير العربي المشترك في ميادين المعركة، التي ما كان قرار المواجهة فيها إلا من أجل الانتصار لفلسطين.
واعتبرت اللوحة البطولية التي صنعها فدائيوها وقادتها الأوائل مع الجنود والضباط في الجيش العربي الاردني بمثابة تعبير عن الشخصية العربية الحقيقية الثائرة لكرامتها، وبرهان على قدرة شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية ليس تجاوزا للنكسات وحسب، بل خلق حالة نضالية ثورية استطاعت كبح توسع المشروع الإسرائيلي الاحتلالي الاستيطاني العنصري، وساهمت في بعث إرادة الصمود والمقاومة لدى شعبنا وأمتنا وهذا ما لمسه العالم عندما باتت البلاد العربية ودول الأحرار في العالم عمقا استراتيجيا للثورة الفلسطينية ".
وحيت فتح أرواح الشهداء الفدائيين الفلسطينيين، وضباط وجنود الجيش العربي الأردني الذين صنعوا معا ملحمة الكرامة بأبسط الامكانيات والأسلحة، وبرهنوا أن حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، ما كانت إلا لتبعث الأمل بالتحرير والحرية والتحرر والاستقلال .
وشددت على أن قرارات المواجهة والثبات والصمود والمقاومة بأساليبها المشروعة كانت وما زالت مصدر إلهام لقيادة الشعب الفلسطيني وحركة تحرره الوطنية، حتى وإن اختلفت الظروف والأدوات، وأضافت:" إن تغيير قواعد وقانين الصراع مع المشروع الاستعماري الاحتلالي الاستيطاني، وخلق وقائع قانونية جديدة مقنعة للعالم بالحق التاريخي والطبيعي لشعبنا في أرض وطنه فلسطين، وحقه في قيام دولة مستقلة بسيادة على حدود الرابع من حزيران بعاصمتها القدس الشرقية، ما كانت لتتم لولا الصمود والثبات في المواقع المتقدمة والقتال بشرف في معركة الكرامة.