رام الله الإخباري
بعد أن أنهى دراسته في الخارج، وعاد حاملاً شهادةً في الطب، توجه الطبيب "م.م" إلى "سمسارٍ" ليبحث له عن عروسٍ تشاركه حياته! يقول إنه فعل ذلك لأنه "لم يجد سوى هذه الطريقة للارتباط".
يضيف، "نحن في مجتمعٍ محافظٍ لا يتقبل فكرة التعارف قبل الزواج والحب وهذه الأمور، صحيح أنا طبيب ولكني جزء من المجتمع وأعيش كما يعيش. أمي طلبت من واحدة تعمل في هذا المجال أن تجد لي فتاة تناسب عملي وعقلي، وهذا ما حدث، وها أنا متزوج منذ سنوات ولم أشعر بالندم أبدًا".
يقول المثل الشعبي: "امشي في جنازة ولا تمشي في جوازة"، لكن يبدو أن هذا المثل لا يجد من يستمع له، فـ"التزويج" و"سمسرة العرايس" أصبح، هذه الأيام، مصدرًا للرزق بالنسبة للكثيرين في ريف الضفة الغربية ومدنها أيضًا.
بين هؤلاء من يستخدم الطرق التقليدية كالتواصل الشخصي أو عن طريق الهاتف، ومنهم من يستخدم طرقًا حديثةً كافتتاح مكاتب خاصة للتزويج، أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لعمله وزبائنه، لتصل مكاسب بعضهم ما يقارب 400 دينارٍ أردنيٍ من أهل العروسين عن كل زواجٍ يتم من خلالهم.
تحدثنا الثلاثينية "وسام" عن تجربتها قائلةً: "لم أكمل تعليمي، كبرت وصار اسمي العانس في المنزل، فتواصل والدي مع سمسار عرائس، ليجد لي شخصًا مناسبًا، وتم الأمر خلال فترة قصيرة، ولم ألتقِ العريس إلا مرتين، وبعد الزفاف بأيامٍ اكتشفت أنه مجنون، فعدت إلى بيت أهلي".
سماسرة بعناوين معروفة
جهاد الكيلاني خمسيني من مدينة جنين، يعمل كـ"سمسارٍ للتزويج" منذ أكثر من 5 سنوات، يقول، إن "مساعدة الشباب والشابات والتوفيق بينهم، من أكثر الأعمال الخيرية التي يحب القيام بها في حياته"، مضيفًا، أن عمله كبائع ملابس متجولٍ جعله يدخل بيوت الناس ويكشف أسرارها فيتعرف على بناتهم وأبنائهم، وقد جعله ذلك قادرًا على التوفيق بين أي اثنين.
وعلى الرغم من أن من أخبرنا عن عنوان الكيلاني أكد لنا أنه عرض عليه تزويجه بأخرى مقابل 100 دينار، إلا ان الكيلاني أصر أنه لا يأخذ مقابل دوره، "بل يعمل هذا تطوعًا لوجه الله تعالى، وبدفع من جيّبي كمان هدايا ونقوط"، حسب قوله.
وفي كل مرة كنا نتصل بها بسمسارٍ أو سمسارةٍ لنخبرهم أنّا بصدد عمل تقريرٍ صحفيٍ عن الموضوع، نتلقى الرد برفض التواصل معنا، أوإخبارنا بأنهم يعملون دون مقابلٍ، ويرفضون تسميتهم بـ"سمسار".
وأثناء بحثنا عن سماسرة، وجدنا بطاقة عملٍ بعنوان "الطيبون للطيبات" تَعد بالالتزام بالسرية التامة في العمل، وعند تواصلنا مع صاحبها "عبد الرحمن" أخبرناه أنّا نريد العمل في هذا المجال، ونريد معرفة الأسعار في السوق، فأبلغنا أنه يأخذ ما بين 100 إلى 200 دينار من العروس والعريس، وأحيانًا أقل، وأحيانًا أكثر، حسب وضعهما المادي، كما يقول.
ويبين عبد الرحمن من قرية سيلة الظهر قضاء جنين، أن عمله كصاحب محلٍ تجاريٍ جعله أكثر قربًا ومعرفة بالناس، ويضيف، أنه "يستخدم طريقة سرية تجعله لا يخطئ في التوفيق بين أي اثنين، من خلال معرفة تاريخ ميلادهما وأمورٍ خاصةٍ أخرى عنهما"، وقد وعدنا بتعليمنا إياها بعد العمل معه.
أما "أم حمادة" من قرية بير نبالا قضاء رام الله، فتقول إنها بدأت عملها في هذا المجال منذ أكثر من أربع سنوات، إذ كانت في البداية تعمل في قاعة أفراح، وهذا دفع الناس لسؤالها بشكلٍ دائمٍ عن فتيات، الأمر الذي جعلها تعمل بهذا المجال بشكل رسمي.
الموظفة مطلوبة
وعن المواصفات التي يرغب بها الباحث عن زوجة، أجمع معظم السماسرة أن غالبية الشباب يريدون موظفاتٍ يساعدنهم في الحصول على لقمة العيش، هذا إضافة لـ"طلبات غريبة"، كفتاة من عائلة غنية أو تحمل جنسية أخرى غير الفلسطينية.
يقول جهاد الكيلاني، "البنت الموظفة مطلوبة جدًا، معظم الناس بدهم موظفات، المتعلمون يحبون الارتباط بمتعلمات، وخاصة إذا كان يعمل في رام الله سيحتاج وحدة موظفة تساعده".
ويبين عبد الرحمن، أن من يقصدونه ينتمون لكل الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية والدرجات العلمية، "الآباء يبحثون لبناتهم عن أزواج صالحين، ولأبنائهم عن زوجاتٍ صالحات"، وفق تعبيره.
بينما تخبرنا "أم حمادة" أن طالبي الزواج لا يعرفون سنًا معينًا، "فالعديد من الذين يأتون إليها تخطوا سن الأربعين. وآخر وحدة تواصلت معي كان عمرها 53 عامًا وتريد الزواج، وأحضرت لها عريس كما تريد، وها هي اليوم متزوجة وسعيدة".
وتوضح "أم حمادة"، أن هناك العديد من أصحاب الشهادات العليا الذين يبحثون من خلالها عن عروس مناسبةٍ لهم، مضيفة، "أطباء، مهندسين، معلمين، كلهم يتصلون بي بحثًا عن عروس. منذ يومين تحدث معي طبيب فلسطيني معه جنسية بريطانية يبحث عن عروس تحمل جنسية أيضًا، أخبرته أن ينتظر لحين قدوم حاملات الجنسيات في إجازة إلى فلسطين".
الزواج العُرفي من بين الطلبات
أخبرنا العديد من السماسرة أن الباحثين عن الزواج العُرفي يزدادون يومًا بعد يوم، وأنهم يتلقون اتصالاتٍ يوميةٍ من أشخاص يريدون الزواج بهذه الطريقة، "وهو زواج يتم بتواجد الشهود والولي ولا يتم توثيقه في عقد الزواج الشرعي، أو بكتابة اتفاقٍ بين الرجل والمرأة دون وجود شهود أو ولي".
وتقول أم حمادة، إن الناس لا تخجل من الاتصال بها والقول إنها تريد الزواج عُرفيًا من فتاة، لأسبابهم الخاصة كوجود زوجة أو للابتعاد عن المشاكل، أو لقدرته المادية المتواضعة، أو عدم رغبة أهله بتزويجه في الوقت الحالي.
ولكنها تقول إن لها شروطها في العمل، "فمن المستحيل أن تزوّج أحدهم زواجًا عُرفيًا، وترفض التعامل مع أي شخص يطلب منها ذلك مهما كان المقابل المادي"، وتضيف، أنها لا تقبل إيجاد زوجةٍ لمتزوج، أو من يطلب فتاة غنيّة طمعًا بأموالها، كما تقول.
ويفخر الكيلاني بأنه "لم يحدث أن زوّج اثنين وكان زواجًا خاطئًا"، حسب قوله، مضيفًا، "أنا كل حدا أوصله للعنوان المناسب لا أوّفق بين أي أحد هكذا، بل يجب أن يكونا من نفس المستوى العلمي والاجتماعي والأسرة، ووضع بيته وعمله وما إلى ذلك".
ويضيف، "في النهاية الزواج سواءً من خلالنا أو بأي طريقة كالبطيخة، لا يعلم الشخص ما بداخلها إلا بعد أن يشتريها، لذلك متوّقع أن يحدث كل شيء، وكما يقول المثل إذا اتفقوا لا يسألون عنك، وإذا اختلفوا سيدعون عليك".
موقع الترا صوت